يعتبر سرطان الدماغ الخبيث، وخصوصاً سرطان الأرومة الدبقي Glioblastoma، من أكثر أنواع السرطانيات عدوانية، ولايعد المريض بحياة تزيد عن السنة في بعض الأحيان. العلماء الألمان يتحدثون الآن عن لقاح قد يزود البشر بالوقاية منه.

ذكر ميشائيل بلاتن، من عيادة الأمراض العصبية في جامعة هايدلبيرغ، أن اللقاح تمت تجربته على الفئران بنجاح، وأن التجارب السريرية على البشر ستجري خلال فترة قصيرة. وأكد بلاتن أن اللقاح أوقف تقدم المرض عند فئران الاختبار، وأنه يعد بحياة طويلة لمن يصاب به مستقبلاً.

يصيب سرطان الأرومة الدبقي مئات الآلاف سنوياً على المستوى العالمي، وترتفع حالات الوفاة المبكرة بسبب هذا السرطان العدواني، إلى نفس عدد الإصابات، الأمر الذي يعني انه فتاك ولم يجد له الطب أي علاج. وغالباً ما تقل حياة المصاب به عن السنة، ولا يعيش المريض لمدة 5 سنوات، بعد الاستئصال الجراحي وما يليه من علاج شعاعي وكيميائي، سوى نسبة 5%.

وتتكاثر خلايا هذا الورم السرطاني بسرعة كبيرة وتتسبب بحدوث نزيف دموي في الدماغ.&

وحسب معطيات مركز الأبحاث السرطانية في هايدلبيرغ، يموت 3500 ألماني بهذا المرض سنوياً. والمشكلة التي تواجه العلاج هي أن استئصال الورم، ومن ثم العلاج بالمواد الكيميائية والمشعة، لا ينجح إلا بوقف المرض لفترة قليلة، لأنه يبدأ بالنمو مجدداً، وبعدوانية أكبر (قاتلة هذه المرة)، بعد أشهر قليلة فقط من بدء العلاج.

تشخيص سبب تشوه الخلايا السرطانية&

لم يتمكن العلماء، بحسب تصريح بلاتن، من تطوير اللقاح، إلا بعد أن نجحوا بتمييز تشوهات في بروتين معين يجعل التفريق بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة ممكناً.

وثبت لهم في سرطان الأرومة الدبقي (تشوه نمو خلايا الجهاز العصبي المركزي) أن التشوه يحصل دائماً وفقط في الانزيم المسمى"ايزوسترات دايهيدروجينيز" (الذي يختصر باسم IDH1). وتوصل العلماء إلى تشخيص تشوه معين في مناطق محددة من تركيبة هذا الانزيم يميز كل الأورام الدماغية الدبقية في كافة المرضى الذين تم فحصهم.

لا سرطان آخر في الدماغ، أو في مناطق الجسم الأخرى، كشف عن مثل هذا التشوه الواضح المعالم، الذي يمكن على أساسه تفريق الخلايا السليمة على المشوهة.&

وهذا عزز الأمل في نفوس الباحثين في العثور على لقاح يوقف فقط نمو الخلايا التي تحمل التشوه في انزيم IDH1. المهم أيضاً أن يمنح اللقاح البشر مناعة كبيرة ضد مختلف أنواع أورام الأرومة الدبقية.

اللقاح شكل وحدة مناعية

وكتب بلاتن في مجلة "نيتشر" أن فريق العمل نجح في تطوير "بيبتيد" مشابه تماماً للتشوه في خلايا السرطان، وثبت أنه تكامل مع الجسيم المضاد MHC (المسؤول عن نشاط النظام المناعي في جسم الإنسان) مع هذا التشوه، وأوقف تقدم المرض في الفئران بعد فترة وجيزة من زرقهم به.&

كوّن البيبتيد مع جسيم MHC وحدة مناعية أوقفت نمو المزيد من الخلايا المشوهة، كما زود الفئرن بمناعة ضد ظهور المزيد منها. وكانت دهشة العلماء كبيرة حينما لاحظوا أن التفاعل لم يؤثر بأي شكل من الأشكال في خلايا الدماغ السليمة.

وللتأكد مسبقاً من انطباق النتائج على البشر، عمد بلاتن وزملاؤه إلى حقن الفئران بأجسام مضادة بشرية من نوع MHC. وكانت النتائج مشجعة من ناحية تأثير اللقاح على البشر، إلا أن التجارب الحقيقية على مرضى يعانون من سرطان الأرومة الدبقي ستبدأ قريباً.

مقارعة سرطان الدماغ بالفيروسات

يعتبر مركز أبحاث وعلاج الأمراض السرطانية في هادلبيرغ من أهم وأفضل المراكز في أوروبا، وفي ألمانيا على وجه الخصوص.&

وسبق لعلماء هايدلبيرغ أن حققوا خروقاً علاجية في الكثير من أنواع الأمراض السرطانية، وهو ما يدفع مئات الآلاف للعلاج فيه من كل أنحاء العالم.

وقبل فترة قصيرة، ذكر الباحث الألماني جان روميليير، رئيس قسم "فيرولوجيا الأورام" في مركز الأبحاث السرطانية في هايدلبيرغ (جنوب)، أن بعض أنواع الفيروسات مسؤولة عن نشوء عدد من الأمراض السرطانية الخطيرة، في حين أن بعضها الآخر يساعد العلم في التغلب على أنواع أخرى من هذه الاورام.&

وجاء تعليق رومليير هذا في معرض حديثه عن نجاح القسم في استخدام الفيروسات في وقف تقدم أورام الدماغ السرطانية في فئران الاختبار، والبدء بتجربتها على البشر.&

وأضاف أن أمل العلماء معلق اليوم على هذا المجال المهم، حيث يجري البحث الحثيث عن فيروسات تهاجم الخلايا السرطانية دون أن تضر بالأنسجة السليمة، ودون أن تعرض المرضى إلى مضاعفات جانبية.

وحسب تصريح رومليير إلى وكالة الأنباء الالمانية، فإن أبحاث فريق العمل الذي يترأسه تركزت منذ عام 1992 على فيروسات "بارفوفيروس".

وثبت من التجارب التي أجريت على الفئران المصابة بورم سرطاني من نوع "ورم الأرومة الدبقية"، أن فيروسات بارفوفيروس تمكنت من القضاء على الورم السرطاني تماماً تقريباً.&

وفتح هذا النجاح الباب أمام الباحثين من هايدلبيرغ لتجربة الطريقة على البشر المصابين بأورام سرطانية مماثلة في الدماغ.

الاستغناء عن العلاج الشعاعي والكيميائي

من المهم هنا، بحسب تصريح الباحث الألماني، أن يجري التأكد من مفعول الفيروسات دون الحاجة إلى العلاج الكيميائي، أو العلاج بالأشعة، ودون أن يحدث تأثير متبادل بين الطرق العلاجية الثلاث. كما يأمل العلماء بحدوث "تأثير جانبي" ايجابي فحواه أن تؤدي مهاجمة الخلايا السرطانية بالفيروسات، إلى إطلاق بقايا وكسرات خلايا وفيروسات، ستقوي مناعة جسم الإنسان وتحفزها ضد الورم السرطاني أيضاً.

هذا وقد اجيزت التجارب باستخدام "بارفوفيروس"، في مركز هايدلبيرغ، من قبل السلطة الصحية الاتحادية متمثلة بـ"معهد باول-ايرلش" و"المفوضية الأخلاقية" في هايدلبيرغ.