تحدث العالم الأميركي ريتشارد فينمان للمرة الاولى عن "الجراحين القابلين للبلع" في محاضرة فنطازية علمية له عن مستقبل الطب عام 1959، ويبدو ان مثل هذا الحلم قد يتحقق قريباً على أيدي علماء الروبوتات المنمنمة.


ماجد الخطيب: واقع الحال ان بعض المستشفيات المتطورة في العالم تخلت منذ مطلع الألفية الثالثة عن أجهزة الناظور المستخدمة في فحص المعدة والأمعاء، بعد أن جعلوا المريض يبتلع كبسولة صغيرة تحتوي على كاميرتين منمنمتين، تغنيان عن استخدام التخدير وانبوب الناظور الطويل.

قبل ذلك، وفي الستينات، صنعت هوليوود فيلم "الرحلة العجيبة" الذي يجري فيه تصغير غواصة صغيرة، مع طاقمها، إلى حجم كرية دم حمراء وزرقها في دم المريض، في رحلة استكشاف لجسم الإنسان.

ويقول الباحث بيونغ-ووك بارك، من معهد ماكس بلانك الألماني المعروف، انه استطاع ترويض بكتيريا ايشيريشيا كولي المعوية، التي تعتبر أحياناً مسؤولة عن أسوأ التهابات الأمعاء، وتحضيرها لحمل كريات منمنمة بالدواء، أو حمل روبوتات نانوية، إلى موقع انتشار الخلايا السرطانية. وهذا يعني ان من الممكن مستقبلاً، وحال تجربة الطريقة على البشر بنجاح، استخدام البكتيريا لقتل الخلايا السرطانية دون المساس بالنسيج السليم.

وتوصل بارك وزملاؤه إلى هذه النتيجة بعد أن عملوا على استنبات هذه البكتيريا مئات المرات وصولاً إلى الجيل غير المعدي والمستعد للنهوض بمهمته الطبية.

فضلاً عن ذلك، نجح بارك في جعل هذا النوع من البكتيريا قادراً على الحركة السريعة في السوائل اللزجة (الدم مثلا) كي يمكن تحريكها، من الخارج، بسرعة إلى مناطق انتشار المرض.

تستخدم البكتيريا المتطورة أذرعها الدقيقة الطويلة، التي تتحرك كاللولب، كي تكتسب السرعة المطلوبة في الدم. ورصد بارك تحت المجهر ان بكتيريا ايشيريشيا كولي السريعة قطعت مسافة 8 أجزاء من 10 آلاف جزء من المليمتر خلال ثانية، وهو رقم قياسي بالنسبة لحركة البكتيريا في السوائل اللزجة.

ربط الروبوتات المنمنمة بالبكتيريا

كان اليابانيون أول من عمل في مجال الروبوتات المنمنمة في الطب، ثم لحقهم الأميركيون، وها أن الألمان يطورون التقنية. وذكر متين سيتي، رئيس قسم الفيزياء الذكية في معهد ماكس بلانك، ان البكتيريا المطورة تتحرك بسرعة نحو المحيط الحمضي، وهو المحيط المعتاد للأمراض السرطانية، وسرطان المعدة كمثل.

ويمكن ربط كريات منمنمة، أو روبوتات مصغرة بها، بهدف ايصالها إلى المكان المطلوب. وأضاف سيتي ان هذه "المكائن" الصناعية الصغيرة، التي تشع بالمواد الفوسفورية، لايزيد حجم الواحدة منها عن نانو واحد، مع ملاحظة ان النانوميتر يعادل جزءًا من مليون جزء من الميليميتر.

سيجري زرق بكتيريا ايشيريشيا في الفئران والأرانب، وزرق الكريات المنمنمة بعهدها، في العام 2016، ليقوم بارك وزملاؤه بعدها بتجربتها على الإنسان. وهذا لن يتم قبل التغلب على مشكلة الحركة في لزوجة دم البشر، وقبل التوصل إلى تغليف الروبوتات المنمنمة بمادة تتحلل في المحيط الحامضي كي تسقي المنطقة السرطانية المصابة بالعقار المطلوب.

وعلى أي حال نجح العلماء الألمان في تحريك البكتيريا دون الحاجة إلى حقول مغناطسية خارجية، كما هي الحال في الطرق الأخرى.

تم دعم المشروع مالياً من قبل الاتحاد الأوروبي ومجموعة من الشركات الألمانية المعنية بإنتاج وتسويق الأجهزة الطبية. ويأمل بارك وزملاؤه بتقديم طريقة ربط الروبوتات المنمنمة ببكتيريا ايشيريشيا كولي المطورة في معرض التقنيات الطبية في دسلدورف في العام2017.

وفي النهاية، لن تحتاج الغواصة البشرية المنمنمة إلى الخروج مع دمعة العين، وهو ما حدث في نهاية فيلم "الرحلة العجيبة" الستيني، بحسب تعبير سيتي، لأن هذه الروبوتات أصغر بكثير من تلك الغواصة العجيبة، ولأنها ستصنع من مواد تتحلل ذاتياً دون أن تترك مخلفات ضارة بجسم الإنسان.