&
أضرت مزاعم التجسس الجديدة بالعلاقات الالمانية الاميركية، المتهافتة اصلًا، ما يهدد بتغيير جذري في الدعامة الأساسية للشراكة العابرة للمحيط الأطلسي.&

&
دبي: أتى الكشف عن دفع الاستخبارات المركزية الأميركية مالًا لمخبر ألماني، مقابل تسريبه وثائق تتعلق بتحقيقات اللجنة البرلمانية حول فضيحة تنصت وكالة الأمن القومي، ليعكّر مياهًا كانت بدأت تهدأ، مطلقًا نوبة جديدة من الغضب في برلين.
وخلال الأسبوع الحالي، بدأ الألمان تحقيقًا في قضية وجود جاسوس آخر يعمل لصالح الأميركيين، مدسوس في وزارة الدفاع الألمانية. وكما ترى القيادة السياسية في برلين، وفي أعقاب تسريبات إدوارد سنودن، كانت ألمانيا أول من رفع النقاب عن الأنشطة الموسعة للمخابرات الأميركية.
وبالرغم من رغبة ألمانيا في التأسيس لعلاقة صلبة عبر الأطلسي، استمرت الولايات المتحدة في وضع العقبات أمام هذه العلاقة. فقد يكون اهتمام واشنطن منصبًا الآن على الانتخابات النصفية المقبلة، وعلى سياستها الخارجية المازومة، لكن صناع السياسة الأميركيين مستمرون في تجاهل إحباط ألمانيا وغضبها من التجسس الأميركي.
&
ثقة معدومة
تقدر تقول أنيت هيوزر، المديرة التنفيذية لمؤسسة بيرتلسمان، ومقرها واشنطن، تزايد نسبة الضرر المحتمل في العلاقات الالمانية البريطانية في ثلاثة مجالات، أولها تراجع الثقة الألمانية، وتاليًا الأوروبية، في الولايات المتحدة الأميركية. فلطالما كان الأمل معدومًا في تلاشي تداعيات فضيحة وكالة الامن القومي، بعد عام من حصولها. فواشنطن لم ترغب، أو لم تستطع، تفهم غضب ألمانيا وخيبة أملها، حتى انها نظرت إلى قضية التجسس على ألمانيا على أنها مسألة أكثر قليلا من مجرد ازعاج.
وافقت إدارة أوباما في نهاية المطاف، وبفتور ظاهر، على الدخول في ما يسمى "الحوار الافتراضي" مع ألمانيا، فكان أول اجتماع في حزيران (يونيو) الماضي. كما حصل حوار افتراضي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من دون أن يسفر عن نتائج ملموسة. كان ذلك بديلًا نافلًا عن رغبة ألمانيا في عضوية لجنة "خمس عيون" أو في معاهدة لا عدم التجسس مع الولايات المتحدة.
ويبدو الآن أن هذه المحادثات كانت تحايلًا لا أكثر، بحسب هيوزر، ففقدت برلين كل أمل في أن يأخذ الجانب الأميركي الحوار الافتراضي على محمل الجد، من اجل مناقشة أهداف ونطاق الأنشطة الاستخبارية الأميركية في ألمانيا. وأتت المزاعم الاخيرة لتهدد بإنهاء الحوار قبل أن يبدأ. وسقطت الثقة الألمانية في الولايات المتحدة إلى الحضيض مرة أخرى.
&
شراكة عبر متهافتة الأطلسي
ثمة توجه جديد، بعيد عن الانتقادات الألمانية الكثيرة لمفاوضات الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار، من أجل وقف أي تحليل أكثر حيادًا وإيجابية لاتفاق للتجارة الحرة عبر المحيط الأطلسي، بسبب موجة جديدة من العداء لأميركا.
وترى هيوزر أن الجهد المشترك، الذي بدأ في الصيف الماضي، لإبرام اتفاق شامل وطموح، قد يذهب أدراج الرياح، لأنه سيكون غير قابل للتحقيق في ظل الظروف الراهنة. أما أفضل النتائج الآن، في هذا المناخ من عدم الثقة ومن الإحباط، فقد لا تتعدى الصفقة المتواضعة، التي لن تطلق العنان لقوة السوق عبر الأطلسي الكاملة، أو لمجموعة جديدة من معايير التجارة العالمية. وبحسب هيوزر، ستكون الشراكة عبر الأطلسي كبيرة مجدية أو نافلة، وعندها يذهب كل فريق إلى منزله بخفي حنين.
&
فوائد روسيا
أضعفت فضائح التجسس الأميركية العلاقات بين ضفتي الأطلسي، وزادت من تصدع الجبهة الغربية في أزمة أوكرانيا. وبالرغم من تشكيك واشنطن في دعم برلين لعقوبات متشددة ضد موسكو، ومن دعوتها ألمانيا مرارًا لبذل المزيد من الجهد، إلا أن هيوزر ترى أن على البيت الأبيض الاعتراف بأن حكومة ميركل كانت الجهة الوحيدة التي وقفت بوجه روسيا من دون قطع كل الخيوط مع الكرملين.
وتقول هيوزر إن استمرار الأزمة أوكرانيا واستبعاد اي حل قريب لها، ومقامرة واشنطن بالعلاقات الالمانية الاميركية بعدم معالجة الخلاف حول تجسس وكالة الأمن القومي، ووقوع واقعة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اليوم، كلها عوامل تخدم المصالح الروسية فقط.
&
لا خاصة ولا حيوية
تشكك برلين في جدية واشنطن في التوصل لحل المسائل العالقة، والتي تعيق حسن سير وسلوك العلاقات الميركية الألمانية. وتقول هيوزر إن الأفعال، وليس الأقوال، تعزز إيمانًا متزايدًا في أن الولايات المتحدة لم تعد ترى أن العلاقات عبر الأطلسية "خاصة" و"حيوية". ويتسع نطاق تداعيات هذا الأمر خارج ألمانيا، لتصل إلى الاتحاد الأوروبي. وأي صدام مع أقوى دولة، سياسيًا واقتصاديًا، في الاتحاد الأوروبي، هو صدام مع كل أوروبا، كما تقول هيوزر.
تقف العلاقة الأميركية الالمانية اليوم على مفترق طرق، والكرة الآن في ملعب واشنطن. تقول هيوزر: "إذا كان البيت الأبيض مؤمن فعلًا في شراكة عبر أطلسيية، فيتعين إذًا على أوباما أن يرتفع إلى مستوى توقعات برلين في كبح جماح استخباراته، قالخيار خياره".
&