بغداد: "رصاصة زائد رصاصة يساوي؟ رصاصتان!". تلك هي دروس الرياضيات التي كان يتلقاها أطفال قرية الجرف العراقية على مدى عامين.

يوم السبت، فتح أحد الجيران باب المدرسة للمرة الأولى منذ طردت القوات العراقية تنظيم الدولة الإسلامية من البلدة الأسبوع الماضي.

انتشر الأطفال داخل المبنى، وسرعان ما بدأوا بلعب كرة القدم مع الجنود في القاعة الرئيسية وأقدموا وملؤهم البهجة على تمزيق كتب تنظيم الدولة الإسلامية المدرسية.

تعود الطفلة سناء أحمد بالذاكرة إلى العام 2014 حين سيطر الجهاديون على قريتها جنوب الموصل، قائلة "لقد أحضروا كتبًا جديدة (...) كلها إسلامية".

تضيف الفتاة ذات الأعوام العشرة بثوبها الزهري وأساورها البيضاء في المعصمين "كانت توجد صور في كتبنا. لقد غيروا ذلك، قالوا إنه حرام".

تقول "لقد وضعوا لنا صورًا لفتيات صغيرات مغطيات بالكامل، بالنقاب، حتى أنهنّ كنّ يلبسن قفازات وجوارب (...) لا أعرف كيف لم يختنقن".

بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن 4,7 ملايين طفل تأثروا بشكل مباشر بالاضطرابات الأخيرة، و3,5 ملايين لا يتلقون التعليم.

في الجرف، قرر العديد من الأهالي عدم إرسال أولادهم إلى المدرسة بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية.

يقول أبو سالم، وهو أب يبلغ من العمر 28 عامًا، ويقع منزله مقابل المدرسة، إن الجهاديين "كانوا يحاولون السيطرة على عقول الأطفال، كانوا يعلمونهم أشياء تشجع على القتل".

أغانٍ لتمجيد البغدادي

يشير سالم عبد المحسن، وهو أب رفض أيضًا إرسال أطفاله إلى المدرسة خلال حكم الجهاديين، إلى أنه "على سبيل المثال، في حصة الرياضيات، يعلمونهم ماذا تساوي رصاصة زائد رصاصة، أو صاروخ زائد صاروخ".

يتساءل عبد المحسن "عندما يكبر الأطفال، ماذا سيكون نوع التعليم الذي تلقونه؟ وعندما يتخرجون، هل سيصبح الطفل طبيبًا؟ أو مهندسًا؟".

ويضيف الشاب الذي أصبح الآن مقاتلاً في فصائل الحشد العشائري أن "ذلك لن يكون ممكنًا، بالطبع سيصبحون داعشيين".

تكلفة كتب الجهاديين المدرسية، المدرجة على قائمة لا تزال معلقة على جدار مدرسة زينب بنت خديجة في الجرف، كانت رادعة للعديد من أولياء الأمور.

على أرض أحد الفصول الدراسية، نسخة من كتاب التربية البدنية التي ينتجها تنظيم الدولة الإسلامية، وكل صفحة فيه مختومة بشعار التنظيم.

يحتوي الكتاب بمعظمه على تعليمات لتمارين عادية، لكن لمسة التنظيم الجهادي كانت واضحة في بعض الدروس.

أول دروس الكتاب كان عن "كيفية جلوس القرفصاء بشكل صحيح"، وعنوان آخر كان "لعبة الحجرات السبع"، الذي يهدف على ما يبدو تحضيرًا لـ"رمي الجمرات" خلال موسم الحج.

في درس آخر، يجب القيام بالتمرين مع إنشاد أغنية تمجد زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، تقول لازمتها "كل واحد منكم ينضم ويبايع (أبو بكر) البغدادي".

تقول سناء إنه "كانت هناك معلمة، تقول لنا دائما إن الدولة الإسلامية جيدة، إنهم يعطونكم الأكل والمال. مبلغ جيد. أفضل من الجيش. +أخبري والديك الانضمام إلينا+".

نسينا كل شيء

الجرف واحدة من مئات البلدات الصغيرة والنائية الواقعة على طريق وادي دجلة في محافظة نينوى.

وقبل أن تبدأ القوات العراقية باستعادة السيطرة على الأراضي، كانت تلك القرى في قلب "الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو 2014، بعزلة عن العالم أكبر مما كانت عليه سابقًا.

مدرسة الجرف بقيت مغلقة لأيام عدة متتالية، وحتى حينما كان يرسل التنظيم معلمين من الموصل، يلزم العديد من الأطفال منازلهم.

يوبخ معلمو تنظيم الدولة الإسلامية الأطفال في كل مرة يزورون فيها المدرسة، ويحضّون الفتيات على ارتداء النقاب، والفتية على لبس "الزي الأفغاني".

لكن الأطفال يقولون إنهم لم يخضعوا لذلك أبدًا.

لم يعد في الجرف معسكرات تدريبية للأطفال، على غرار تلك الموجودة في أشرطة التنظيم الدعائية.

يقول أبو سالم إن "الأطفال لم يفهموا كل ذلك، هم مجرد أطفال، يريدون اللعب".

معظم الأطفال هناك لم يغامروا بالخروج أكثر من كيلومترات عدة خارج البلدة، والحديث عن حكم الجهاديين تقابله بضع سنوات دراسية مع معلمين سيئين.

تقول سناء "لقد حاولوا تعليمنا أشياءهم، ولكن ضقنا ذرعًا من داعش، ونسينا كل شيء".