الرباط: لم يفوّت المسؤولون المغاربة الفرصة لكي يفهم ويستفيد مواطنوهم من الرهانات التي تحرك تنظيم بلادهم، في مراكش، للدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 22)، خاصة على مستوى التوعية بمخاطر التغيرات المناخية التي تتهدد الكوكب والبشرية، على حد سواء.

وشكل معرض "قطار المناخ"، الذي هو إحدى مبادرات مخطط العمل الذي أعده المكتب الوطني للسكك الحديدية لمواكبة مؤتمر المناخ في مراكش، واحدة من بين عشرات المبادرات التحسيسية المبرمجة، على المستوى المغربي، التي تروم الإخبار والتحسيس والتوعية وفتح نقاش حول مخاطر التغيرات المناخية.

وتوقف معرض "قطار المناخ"، ما بين 19 أكتوبر الماضي، تاريخ انطلاقته من الدار البيضاء، و5 نوفمبر الجاري، تاريخ وصوله إلى مراكش، محطته الأخيرة، بـ 12 مدينة، هي الدار البيضاء والرباط والقنيطرة ومكناس وفاس وتازة ووجدة والناظور وطنجة وخريبكة وآسفي، قاطعاً مسافة 2900 كيلومتر من الشبكة الوطنية للسكك الحديدية.



تعزيز الوعي بالقضايا البيئية

جرت العادة، في كل المحطات التي توقف فيها "قطار المناخ"، أن تخصص الفترة الصباحية للشباب والطلبة، زيادة على المجموعات المدرسية التي تود إشراك طلبتها في هذه التظاهرة العالمية، فيما تفتح فترة ما بعد الزوال في وجه العموم، حيث يجد الزائر، في عين المكان، متخصصين يساعدونه في التعرف، عن قرب، على قضايا تغير المناخ، كما يخبرونه بالمحتوى الخاص بالمعرض. ويتوقع المنظمون 100 ألف زائر، على مدى أيام المعرض.

ويقول مسؤولو المكتب المغربي للسكك الحديدية إن "قطار المناخ"، الذي هو معرض متنقل، يلامس مختلف الشرائح والأعمار، يهدف، عبر وسائل بيداغوجية وورشات علمية، إلى تعزيز الوعي، لدى العموم، بالقضايا البيئية والتعريف بها، بما فيها أسباب وتأثيرات التغيرات المناخية، عموماً.

عروض وسائطية تفاعلية

يضم "قطار المناخ" ثماني عربات مجهزة بعروض وسائطية تفاعلية، لتفسير الظواهر المناخية، مع تجهيزات تضمن تدفقاً سلساً للزوار وتواصلاً بين المنشطين ومختلف الفئات المستهدفة. وخصص المنظمون ثلاثاً من عربات "قطار المناخ" للمعرض العلمي الخاص بالمناخ، وثلاثاً أخرى للشركاء لطرح ابتكاراتهم والحلول التي توصلوا إليها في ما يتعلق بمحاربة ظاهرة الاحتباس الحراري والحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، في حين خصصت عربة للندوات وتبادل النقاش، وأخرى للاستقبال.

وكما هو الحال، في كل الفضاءات ذات الطابع البيداغوجي التحسيسي، يجد زائر معرض "قطار المناخ" نفسه متنقلاً بين العربات، متوقفاً، بين الفينة والأخرى، عند كل عنوان من العناوين التي تفصل في مختلف الجوانب المرتبطة بالتغيرات المناخية.



مسؤوليتنا أمام أطفالنا

يجد زائر المعرض، أمامه، بداية، مقتطفاً من خطاب للعاهل المغربي، الملك محمد السادس، يقرأ فيه: ".. فمؤتمر باريس ومؤتمر مراكش، هما، أولا وقبل كل شيء، قمتان من أجل المستقبل الذي من واجبنا ومن مسؤوليتنا أن نتركه لأطفالنا. هؤلاء الأطفال الذين لا نريد أن نراهم محرومين من الغابات والمحيطات والشواطئ، ومن كل الموارد الطبيعية التي تجسد أغلى رصيد تملكه البشرية".

هل تعلم؟

تتوالى، على طول عربات المعرض، العناوين والأسئلة القصيرة، الحاملة لعبارة "هل تعلم؟"، لتتوالى الأجوبة المرَكزَة، بشكل يجعل الزائر، في نهاية زيارته، مدركاً خطورة الموقف الذي وضع الإنسان نفسه فيه، وهو يلهث خلف تقدم صناعي زاد من حرارة الكوكب، بشكل يهدد مستقبل البشرية، بشكل غير مسبوق.

وخلال جولته، يتعرف الزائر على "النظام الشمسي وحركة الكواكب"، حيث "تتكون الأرض، باعتبارها جسما كوكبياً في النظام الشمسي، من عناصر فيزيائية وبيولوجية ذات حركية دائمة. إنها مقر قوى طبيعية قادرة على خلق تفاعلات قوية. وتعتبر هذه القوى وكذلك تغير الأرض بالنسبة للشمس الأسباب الأساسية لتغير المناخ"، لذلك "يتغير المناخ بشكل دائم، وسيستمر في التغير مستقبلا وفق سيرورة طبيعية. ويمتد هذا التغير زمنيا من بضعة أسابيع إلى مئات ملايين السنين وأكثر. كما أن هناك سببين للتغير الطبيعي للمناخ: أولا، الحركة الداخلية للنظام المناخي المرتبطة بالعلاقات داخل الغلاف الجوي، المحيط، الجليد الساحلي، المساحات القارية، الغطاء النباتي، الكتل الجليدية. ويعتبر "النينو" مثالا ذا أهمية كبرى لهذه الظواهر الداخلية. ثانيا، العوامل الخارجية للنظام المناخي، بمعنى تأثير دوران الأرض، ونشاط الشمس والبراكين في المناخ".

التربة والجليد والأشجار والصخر .. شهود مناخ

كما يفهم الزائر "الآليات الخاصة بالمناخ"، حيث "بدأ الإنسان، منذ العصور القديمة، ملاحظة المناخ، حيث بحثت الحضارات القديمة في سر الأمطار والريح والشمس، ممثلة بـ"ر" (الرمز الكيميائي للراديوم) في الميثولوجيا المصرية. فيما تتعدد الدراسات اليوم لفهم تطور المناخ، حيث تحاول تفسير كيف كانت الصحراء في أفريقيا، خضراء مكسوة بالأشجار والسهول العشبية قبل 11 ألف سنة وتحولت تدريجيا لتصبح صحراء في أقل من 5000 سنة. ولقد مكنت المعلومات، منذ السبعينات، من نمذجة مجموع النظام المناخي، حيث أصبح من الممكن اليوم، توقع تطور مناخ الأرض باستعمال عدد من التخصصات العلمية مثل الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا، الرياضيات، العلوم الطبيعية"، ليكون الزائر مع تفسيرات عن التربة والجليد والأشجار والصخر كشهود مناخ. ثم مع "أدوات مراقبة المناخ" و"التركيب البشري" و"تأثير الإنسان على المناخ"، فضلا عن أسئلة حاثة على المعرفة، من قبيل "أي مناخ للقرن الواحد والعشرين؟" و"ما معنى سيناريو مناخي؟". كما يأخذ فكرة عن "نشاط النينو" وعن "تطور المناخ" وعن "الزراعة" و"الموارد المائية"، وعن معنى "النظام البيئي" و"المناطق الرطبة" و"الغابات" و"السواحل" و"الواحات". كما يأخذ لمحة عن قضايا الناس في ارتباط بـ"الهجرة المناخية"، كقضية رئيسة، حيث "يمثل تغير المناخ تحديا عالميا كبيرا في العقود المقبلة. وبالنسبة لدول الجنوب، فإن الوضع أكثر حرجا مما كان عليه الأمر، من حيث تأثيرات الاحتباس الحراري المتمثلة في ندرة الموارد المائية والتصحر وانخفاض المحاصيل الزراعية. وأمام هذا التدهور المتزايد للبيئة والذي سيؤدي إلى تغيرات مناخية بحلول نهاية القرن، فإنه من التحديات الأساسية التي ستواجهها دول الجنوب، الحفاظ على الظروف الجيدة للعيش، والتي تضمن استقرار الساكنة في موضعها، وتجنب تطور نوعين من الهجرة، أولا، الداخلية، مع نزوح سكان المناطق الداخلية المتضررة من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري إلى المناطق الشمالية والساحلية، وثانيا، الخارجية، من خلال النزوح إلى الدول الأقل تأثرا كمناطق الدول الأوروبية. كما إن الهجرات المناخية ستدفع في المستقبل القريب إلى المزيد تحركات البشر أكثر من تحركاتهم بسبب النزاع المسلح. كما ستشكل جزءا من الأسباب المثيرة للقلق والناتجة من الارتفاع الشامل لدرجة الحرارة والذي سيبلغ ما فوق 2 درجة مئوية. لذلك فالمساهمة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري رهان بيئي أكثر منه اقتصاديا، خصوصا بالنسبة لدول الجنوب التي أصبح وضعها مقلقا بهذا الخصوص جراء ارتفاع معدل النمو السكاني بها".



سيناريوهات الكارثة

يلامس الزائر سيناريوهات الكارثة، حيث يقرأ: "لا علاقة لتغير المناخ بالكوارث التي تظهر في بعض "الأفلام"، وخاصة الهوليودية التي أبهرتنا كثيراً، وإنما يتم التغيير في وقت مختلف عن المخيلة الجماعية ليس بشكل فوري وإنما تدريجيا. إن الوضع خطير، ونعرف أن الأمور لن تعود، مرة أخرى، كما كانت من قبل، ولا يمكننا تجنب ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل القريب. يجب علينا أن نتعلم كيف نتأقلم، وخاصة أن نضع وسائل للانخراط في العمل لأزمنة طويلة، واعين بمسؤوليتنا اتجاه الأجيال القادمة. إن التموضع في الكوارث الناجمة عن عدم التحرك يجعلنا نعمل ويساعدنا اليوم على تحديد المستقبل الذي نريد بناءه".

ذاكرة الأرض

في لحظة ما من الزيارة، سيقول له المنشط إن "للأرض ذاكرة"، فيقرأ: "لفهم المناخ يبحث العلماء في ذاكرة الأرض. فكوكب الأرض يحتفظ بآثار من تاريخ ماضيه في العناصر العضوية والمعدنية التي يتكون منها، فهي بمثابة آلات حقيقية للسفر عبر الزمن. إن عناصر مثل الجليد، التربة، الصخور الرسوبية، الأشجار تحتوي على مؤشرات تمكن من إعادة تكوين البيئة كما كانت في الماضي". كما يتوقف عند الاحتمالات المستقبلية للتغيرات المناخية، حيث يقرأ: "بدأنا فعلياً، منذ القرن الحادي والعشرين، نقيس آثار تغير المناخ. ونعلم أننا المسؤولون عن هذه الوضعية التي أصبحنا واعين بمخاطرها ورهاناتها. ستكون مجتمعاتنا البشرية مجبرة على المواجهة والتكيف مع الأوضاع الجديدة، التي تكون، أحياناً، غير مستقرة. إن تغير المناخ، في الوقت ذاته، يجبرنا، كسكان العالم، على مساءلة أنفسنا ومراجعة أنماط عيشنا وتخيل واختيار مستقبلنا. ماذا لو كان التغير المناخي فرصة وليس تهديدا؟".



كلنا معنيون

ثم يكون الزائر مع تشخيص للانبعاثات الحالية، قبل أن تضعه عبارة، من أربع كلمات، أمام مسؤوليته الخاصة: "كلنا معنيون، كلنا فاعلون"؛ ويتلقى دعوة لمناقشة عالم الغد، حيث، يقرأ: "سيكون لتغير المناخ آثار متعددة على حياتنا المستقبلية. ومع ذلك، ليس هناك حلول جاهزة. فالإجراءات التي يمكن أن تحد من ظاهرة الاحتباس الحراري في درجتين مئويتين تغطي مجالاً واسعاً جداً يمتد مما هو سياسي إلى ماهو تقني، ومما هو اجتماعي إلى ماهو اقتصادي. إن البحث العلمي، باختلاف تخصصاته وتنوعها، يمكن أن يغذي النقاش دون إيجاد حل له وحده".

كما يتعرف الزائر على "سيناريو درجتين حراريتين"، قبل أن يقترب من تحديات مؤتمر مراكش للمناخ، حيث يقرأ: "على كل الدول وضع واقتراح سياسات حقيقية وبرامج عمل لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وكذا تحديد طرق تمويلها. ولابد أن تقوم هذه الإجراءات على عنصرين: أولها التخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وثانيها وضع تدابير للتكيف مع آثار تغير المناخ. كما تدور هذه الاجراءات على ثلاث رافعات للإصلاح، والتي هي بمثابة مفتاح لتحقيق عائدات اقتصادية واجتماعية وبيئية: المدن، استخدام الاراضي وانظمة الطاقة".

حتى لا يفوتنا قطار المناخ

خارج عربات معرض "قطار المناخ"، قد يتتبّع الزائر حركة بعض المسافرين، وهم يتحسرون على قطار فاتهم أو يركضون خلف قطار على وشك أن يتحرك دونهم. ربما قارن بين الرهانين: رهان مسافر في ركوب قطار على وشك أن يغادر، مع إمكانية أن يتدارك الأمر مع قطار آخر بعد ساعتي زمن، أو أن يؤجل السفر؛ ورهان أن تخلف البشرية موعدها مع حلول لما يتهدد مستقبلها، من دون أن تكون أمامها، إذا ما فات أوان الفعل وأجراة "اتفاق باريس"، فرصة الاستدراك.

في الخارج، وحدها الأجواء الاحتفالية، التي تزين الباب الجميل لمحطة قطار مراكش، قد تخفف عن الزائر ما تركته زيارته لمعرض "قطار المناخ"، في نفسه، من تخوف على مصير الكون.