يقول شيخ عقل الدروز في سوريا إن جبل العرب يغزوه العطش، فالآبار قليلة، ومنها ما هو مسموم، وماء المزيريب مقطوعة من درعا، والخطر داهم، وتجاوب النظام غير جديّ، لكنه يتمسك بالنظام ويقول إن لا ثورة في سوريا.

خاص إيلاف&من السويداء: جبل الدروز في سوريا، أو جبل العرب كما يحب ابناؤه تسميته، هو من الأماكن القليلة التي حافظت على حياد ما أو ربما على مسافة من أتون الحرب السورية، ولم ينخرطوا بشكل واسع في الحرب الدائرة هناك، وظل بينهم من أيّد النظام السوري ومنهم من عارضه.&

وفي الآونة الاخيرة، ضاق الخناق الامني الاقتصادي والاجتماعي على محافظة السويداء، كما يقول شيخ عقل الموحدين يوسف جربوع الذي حاورته «إيلاف»، موضحًا أن «العصابات المسلحة وتجار المخدرات والمهربين بدأوا يسيطرون على المحافظة في ظل غياب الرقابة والامن والفقر وشح الموارد وقلة المياه واستمرار الحرب الدائرة في سوريا».

هذا نص الحوار:

ما هي الأمور الملحة في السويداء، ومن المسؤول عنها؟

بعد هذه السنوات الطويلة من الحقن والصراع وانتهاك الحقوق، اصبح التعصب والميل إلى العنف سمة غالبة بين افراد المجتمع السوري، فغلبت الطائفية والانحيازات المذهبية البدائية على افراده، ما دفع الناس إلى تشكيلات ما قبل مدنية تكرس العزلة والتقوقع والمصالح الانانية الضيقة.&

لم يستطع مجتمع محافظة السويداء إلا أن يتأثر بهذه الاجواء السلبية، فالناس في نهاية المطاف يغترفون من البئر ذاتها ويتأثرون ببعضهم وبالاجواء السائدة في زمانهم أيما تأثر.&

على الصعيد الأمني، تنتشر عصابات داعش على حدود السويداء الشرقية مع البادية، وتتواجد عصابات النصرة وتشكيلات إرهابية مشابهة على حدودها الغربية في درعا، ما يجعل السويداء في خطر دائم، والتجهيزات للتصدي لأي هجوم محتمل ضعيفة، خصوصًا التواجد غير الكافي للجيش السوري والاستعداد الاهلي المقتصر على التسليح الذاتي.

ليست ثورة!&

ما هو موقفكم من الثورة السورية؟

ما تتعرض له سوريا الآن من قتل وتدمير وتجييش طائفي ومحاولة اسقاط الدولة ليس ثورة بل حرب لتدمير المجتمع. ما نتج عن هذه الحرب أكبر دليل على صحة هذا الكلام. ساهم الإعلام في تضليل حقيقة ما يحدث داخل سوريا أمام العالم بأسره، وما حصل في المنطقة، وما سمي الربيع العربي ومنه تدمير العراق وليبيا وما حصل في مصر وتونس، وكل تلك الشعارات الرنانة التي تنادي بالديمقراطية والحرية ليست سوى غطاء لهدف أكبر وهو اسقاط الدولة، وبالتالي اسقاط المجتمع والدخول في فوضى.&

وبعد ست سنوات من الحرب، اصبح جليًا أن ما حدث في سوريا لم يكن ثورة،&بل حرب لتدمير المجتمع السوري. نادينا منذ البداية بضرورة الجلوس الى طاولة الحوار السلمي لأن الانسان لا يستطيع تحقيق الاصلاح المنشود من خلال الحرب.

هل ترون خطرًا وجوديًا على دروز سوريا؟

الاوضاع لا تطمئن من ناحية تمركز داعش والنصرة شرق وغرب الجبل، إلا أننا ومنذ القدم قاومنا وحاربنا الاخطار كلها التي تعرض لها جبلنا واستطعنا الصمود والتصدي لكل محاولات الهيمنة والتذويب والانصهار وطمس الهوية. واليوم، تمر محافظة السويداء بواحدة من أصعب المراحل التي مرت بها الطائفة الدرزية على مر التاريخ، لكننا واثقون من أننا سنجتاز هذه المحنة كما اجتاز أهلنا المحن في السابق. الحكومة السورية موجودة قانونًا في الجبل، في إثر انتخابات شعبية، ما يجعلها الجهة الشرعية التي تمثل الدولة. وحرصًا منا على صمود الدولة وخوفًا من الفوضى والتي تنعكس سلبًا على كل الاطياف والمذاهب، فنحن متمسكون بالقانون والنظام بمعناه الاوسع الذي هو أمننا واستقرارنا. من هنا، علاقتنا بالنظام السوري تفاعلية إيجابية ما دام يعمل لما فيه صالح الناس والاصلاح للوصول الى حرية وتعددية سياسية، محافظًا على وحدة البلاد وكرامة العباد وموارد الدولة.

كيف تصوغون العلاقة مع دروز لبنان؟

تربطنا مع اهلنا في لبنان علاقات قربى ونسب ومصاهرة، وهي علاقات تاريخية امتدت عبر مئات السنين. لكن الموقف الذي اتخذه (النائب في البرلمان اللبناني) وليد جنبلاط من الاوضاع السورية انعكس سلبًا على العلاقة بيننا وبينه، علمًا أن العلاقة مع (رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب) طلال ارسلان (ورئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق) وئام وهاب (والأمين العام لحركة “النضال اللبناني العربي) فيصل الداود والكثير من اهلنا في لبنان طيبة.

ثمة حديث عن تدخل ايراني في شؤون الجبل. ما صحة ذلك؟

وقفت روسيا وايران الى جانب سورية الدولة للتصدي للحرب التي تدور على الارض السورية. قدمت إيران دعمًا للدولة السورية، إلا اننا في جبل الدروز لم نلحظ تواجدًا ايرانيًا عسكرياً أو غير عسكري .

الوضع الاقتصادي سيئ

ماذا عن الوضع الاقتصادي؟

تعاني المحافظة من وضع اقتصادي سيئ إذ لم تقم الحكومات المتتالية بعمل بنية تحتية تسهل الاستثمار وتجذب رؤوس الاموال، ولم ترع أي مشاريع تنموية تساعد ابناء المحافظة على الاستقرار في ظل الظروف الصعبة والغلاء الفاحش، ولم تكن هناك أي مشاريع جدية لتطوير خبرات الشباب والارتقاء بأدائهم لإحداث تغيير اقتصادي جذري وفاعل.&

كل هذا يأتي متزامنًا مع ترك المزارعين تحت رحمة التجار، وعدم مساعدتهم من خلال سبل لتصريف منتجاتهم، مع تعرقل الزراعة، الداعم الاساس لاقتصاد سكان المحافظة،&وندرة سبل التصدير بعد اغلاق معبر نصيب مع الاردن، الامر الذي أدى إلى كساد التفاح، المنتج الاساس لمحافظة السويداء. ولطالما كان السفر والعمل خارجًا احد الابواب الرئيسية التي تعتمد عليها السويداء، وهو الباب الذي لم يسلم من التعطيل في ظل العقوبات المفروضة على السوريين في معظم دول العالم، ناهيك عن شح المياه وخاصة مياه الشرب وتسمم الآبار.&

في خضم كل هذه الصعوبات، وفي ظل فساد متراكم يشل مفاصل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وجد أبناء السويداء أنفسهم في مهب ريح الفقر والخذلان، ودفع ببعضم مباشرة أو بشكل غير مباشر إلى القيام بأعمال غير مشروعة كالسرقة والخطف وتهريب السلاح والمخدرات والمحروقات، ما تسبب بأزمة اجتماعية كبيرة تنذر بانهيار منظومة العادات والتقاليد الشريفة التي كانت حصنًا منيعًا لهذا المجتمع طوال تاريخه الحضاري.

ما اسباب البطالة المستشرية عنكم بالجبل، وهل هناك سبل للعمل لحل ما؟

البطالة في ازدياد بسبب عدم وجود المعامل والمصانع والشركات الكبيرة التي كان يمكن لها أن تستوعب الناس، اضف الى ذلك ما فرضته الحرب بآثارها المباشرة وغير المباشرة خصوصًا على فئة الشبان في فترة التجنيد الاجباري، وهو ما اوجد نسبة عالية من العاطلين عن العمل خصوصًا وابواب السفر مغلقة لاسباب عدة، وعدد كبير من الاسر في الجبل تعتمد اليوم على المعونات الانسانية، والتي تقدم من المنظمات الاهلية والدولية.

ما هي مشكلات مياه الشرب في السويداء؟

المناخ يتغير باستمرار متجهًا نحو الجفاف، هذا ما لاحظه المزارعون في السنوات العشر الماضية، وهم على حق. خرج الكثير من الآبار من الخدمة بعد تعطيلها وسرقة محتوياتها من قبل العصابات المسلحة، ما تزامن مع غياب الرقابة وانتشار الفساد المالي والاداري وعدم توافر قطع التبديل. من ناحية أخرى، الحقن طائفي ومذهبي شتت شمل الناس، وكان من نتائج ذلك قطع مياه "مزيريب" في درعا على خلفية مذهبية، ورضوخًا لأصوات همجية لمجرد أن غالبية سكان السويداء من لون مختلف أو مذهب مختلف أو خلفية اثنية مختلفة! الجدير بالذكر أن منظمة يونيسيف قامت مشكورة بتجهيز عشر آبار – اربع منها داخل السويداء، لكن هذه الآبار لم تدخل حيز العمل بعد، حيث كان اعتماد السكان في السنوات الماضية على السدود التي هي في الأصل في طور الجفاف، وتعرضت للتلوث بسبب المبيدات الحشرية التي يستعملها الفلاحون لمكافحة الامراض الزراعية، ما أدى إلى زيادة واضحة في نسبة الأمراض المستعصية كالسرطان. وفي احصاءات سابقة لوزارة الصحة السورية تم اعتبار السويداء اكثر مدينة ينتشر فيها السرطان نسبة لعدد السكان، ما أوجد حالة اجتماعية وصحية صعبة تعانيها المحافظة، اضافة إلى الكلفة العالية لعلاج هذا المرض.

ليس هناك&رابحون

من باعتقادكم المستفيد من تجويع ابناء الجبل؟

لا نعرف اذا كان هناك مستفيدون مباشرون من نشر الفقر والبطالة في مجتمع هذه المحافظة الصغيرة المسالمة، لكننا متأكدون من أن الفقر والبطالة نتاجان حتميان للحرب وللعقوبات. ولا بد لي هنا من الاشارة إلى انه وفي حروب مشابهة، ليس هناك مستفيدون ولا رابحون سوى القوى المتآمرة التي تسعى إلى تدمير مجتمعنا ولا تهتم لتنمية بلدنا وانساننا.

هل انتم على اتصال بالحكومة السورية لحل هذه المشكلات؟

نعم، نحن على اتصال بالحكومة في دمشق، ونعمل معًا لحل المشكلات التي تعترض المحافظة، لكن التجاوب ضعيف وغير جديّ.

ماذا تتوقعون من حكومة ونظام في حالة الحرب؟

علينا أن نرى الواقع بشكل صحيح لنكون قادرين على فهمه والتجاوب معه بشكل علمي غير مجحف. هل نعتقد أن الحكومة السورية يمكنها وحيدة أن تنهي الحرب الدائرة في سوريا؟ لا... اذا لم تتوفر الارادة الدولية لذلك، فالحرب لن تتوقف. وبالنسبة إلى وضع السويداء، وإذا اخذنا في الاعتبار الوضع الراهن والامكانات المتاحة، نعتقد أن الحكومة لن تستطيع ان تقدم اكثر مما قدمت.

سوريا تعاني ونحن ندرك أن هناك ممولين عالميين للارهاب، شركات ضخمة بشبكات علاقات عامة قوية قادرة على تضليل الرأي العام وغسل ادمغة الناس، وهذا شيء حصل مرات عدة في تاريخنا الحديث، لكننا نؤمن بوجود انصار للسلم.

نبذة عن الموحدين الدروز

وتعيش محافظة السويداء بين مطرقة داعش والنصرة من جهة، وبين سندان النظام الذي يطالب أهلها بإلحاح بالدخول معه في مواجهات عسكرية لا يرضونها. وحتى الآن، حافظ ابناء الجبل على الحياد مع أن الدروز محسوبون حلفاء للنظام وللعلويين تحديدًا.&

ويشكل الموحدون الدروز النسبة الأكبر في محافظة السويداء عاصمة الجبل، ويبلغ عددهم في سوريا نحو 700 ألف نسمة، يسكن معظمهم في محافظة السويداء.

والمعروف أن السويداء في العام 1925 فجرت الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي بقيادة سلطان باشا الاطرش.

ابناء طائفة الموحدين الدروز موزعون على ثلاثة أماكن رئيسة في الشرق الاوسط: سوريا ولبنان واسرائيل. فالاكثرية في سوريا (700 ألف نسمة) وبعده في لبنان (500 ألف نسمة) وفي اسرائيل (140 ألف نسمة). وهناك بضعة آلاف يعيشون في الأردن وغالبيتهم في مدينة الازرق.

والمعروف أن كل مجموعة تعيش في سلام مع محيطها، وهذه الطائفة مسالمة لا تتدخل في شؤون الدول التي تعيش فيها، وليس لها أي تطلع لإقامة كيان خاص بها أو دولة.

يقول مشايخ الطائفة وكبارها إن ابناء الطائفة ينتمون إلى ارضهم التي يعيشون عليها، ويدافعون عنها وعن كيانهم المذهبي بكل ما يؤتون من قوة، ولهم مقولة الأرض والعرض والدين، لا يفرطون بثلاثتهم مهما حصل، وهذا بحسب عاداتهم وتقاليدهم. كما يعتبرون أنفسهم جزءًا من الأمة الإسلامية مع محافظتهم على خصوصيات، أهمها التواضع وحفظ الإخوان وصدق اللسان، كما يقول كبارهم في كل مكان تلتقيهم.​