نصر المجالي: بعد أكثر من شهر على تسريب فضيحة (أوراق بنما)، انطلقت قمة مكافحة الفساد العالمية، في العاصمة البريطانية، اليوم الخميس، &بمشاركة زعماء وممثلي حكومات 70 بلداً، من بينهم دولة الإمارات وتونس والأردن، بهدف إيجاد وسائل فعالة للمكافحة الدولية للفساد.

وفي حين، حذر تقرير من توقع معجزات من القمة، يطمح رئيس الحكومة البريطاني كاميرون الى اقناع القادة بتوقيع اول اعلان عالمي ضد الفساد، وفق ما اعلنت الحكومة البريطانية. وسيحض الاعلان الموقعين على "العمل معاً"، وعلى "الاقرار بأن الفساد يقوض الجهود المبذولة لمكافحة الفقر، وتشجيع الازدهار، ومكافحة الارهاب والتطرف".

كما يلزم النص الموقعين بـ"مطاردة الفساد اينما يوجد، وملاحقة كل من يرتكبه او يسهله أو يتواطأ فيه، ومعاقبته".

ويشارك في القمة، التي تنعقد برعاية رئيس الوزراء البريطاني، كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والرؤساء الأفغاني أشرف غني، والكولومبي خوان مانويل سانتوس، والنيجيري محمد بخاري، ورئيسة الوزراء النرويجية، إرنا سولبرغ، ورئيس الوزراء المالطي، جوزيف موسكات، إلى جانب رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، ورئيس منظمة الشفافية الدولية (غير الحكومية) خوسيه أوغاز.

العدو الأكبر

وقال كاميرون في تصريح أدلى به قبيل انطلاق القمة، إن الفساد يعد العدو الأكبر أمام تطورنا، ومصدر الكثير من المشاكل حول العالم، ويقضي على فرص التشغيل، ويتسبب في التضخم الاقتصادي.&
واعلن كاميرون في بيان: "لا يمكن الانتصار في المعركة ضد الفساد بين ليلة وضحاها، الامر سيتطلب وقتًا وشجاعة وتصميمًا"، مضيفًا "معًا ستمنح مكافحة الفساد المكانة الواجبة لها: في طليعة جدول الاعمال الدولي".

تساؤلات&

ولا يعرف بعد ما اذا كانت القمة ستحقق الاهداف المحددة، في وقت افادت صحيفة (التايمز) اللندنية أنه تم منذ الآن تخفيض نبرة البيان الختامي نزولاً عند طلب بعض الدول، وحتى شطب فقرة منه كانت تستبعد "الافلات من العقاب بالنسبة للفاسدين".

وقال تقرير إن موسكو التي سترسل نائب وزير الخارجية اوليغ سيرومولوتوف الى القمة، أعربت عن تحفظات حيال أي طابع إلزامي لاتفاق محتمل.

غير ان مسؤول منظمة الشفافية الدولية في بريطانيا روبرت بارينغتون رأى أنه يجدر بكاميرون "عدم الرضوخ لضغوط البعض". وقال: "وضع رئيس الوزراء برنامجًا للحكومات المصممة على مكافحة الفساد، ويعود الآن للاخرين ان يظهروا انهم يشاطرون هذا الطموح".&

رسالة الخبراء

وكان 300 خبير اقتصادي من 30 بلدًا، بينهم توماس بيكيتي وانغوس ديتون الحائزان جائزتي نوبل للاقتصاد، دعوا في رسالة كانت نشرتها منظمة (أوكسفام) الى وضع حد للجنات الضريبية التي "تحرم الدول من عائدات ضريبية، وترغم الدول الفقيرة على دفع اثمان باهظة".&

أوراق بنما&

ويشار إلى أن هذه القمة الدولية تعقد&بعد اكثر من شهر على تسريب “اوراق بنما”، التي دفعت دولاً عدة الى فتح تحقيقات في ملفات تهرب ضريبي، وقادت الى استقالة رئيس وزراء ايسلندا ووزير اسباني.

وكشفت الوثائق المسربة من مكتب(موساك فونسيكا) للمحاماة البنمي، والبالغ عددها 11,5 مليونًا، عن استخدام شركات اوفشور على نطاق واسع لايداع اموال في مناطق تدفع فيها ضرائب منخفضة وتحكمها تشريعات ضريبية غامضة.

وطاولت الفضيحة كاميرون نفسه الذي اضطر الى الاقرار بأنه كان يمتلك حصصًا في شركة اوفشور كان يملكها والده ايان الذي توفي عام 2010.

إجراءات&

وحرصًا منه على اعطاء العبرة، قد يعلن كاميرون مجموعة اجراءات تهدف الى ترتيب الامور داخل بلاده، وتستهدف بالمقام الاول سوق العقارات في لندن التي تحولت بحسب منظمة الشفافية الدولية وسيلة فائقة الفاعلية لتبييض الاموال.

كما يخضع كاميرون لضغوط من اجل تعزيز الشفافية في مقاطعات ما وراء البحار البريطانية، بعدما كشفت&اوراق بنما أن اكثر من نصف الشركات المدرجة فيها (113 الفًا) تتخذ مقرًا لها في جزر فيرجين البريطانية، واحدة من الجنات الضريبية في العالم.

وتقيم بريطانيا الشهر المقبل سجلاً يسمح بمعرفة هوية المالكين الفعليين للشركات المستقرة في هذا البلد، بمعزل عن أي شركات وهمية يختبئون خلفها، ما سيشكل سابقة بين دول مجموعة العشرين والاتحاد الاوروبي.

غير ان منظمات مكافحة الفساد تريد من لندن أن توسع هذا السجل ليشمل الاراضي التابعة للتاج البريطاني، مثل جزر كايمان وجزر فيرجن وجزر برمودا وجزيرة جيرزي وغيرها.

لا توقع معجزات

وإلى ذلك، كانت صحيفة (التايمز) قالت إن قمة مكافحة الفساد التي تعتزم بريطانيا عقدها الخميس تشكل فرصة للحديث عن الفساد الداخلي والخارجي لحكومات دول العالم، لكنها أضافت: لا تتوقعوا المعجزات من هذه القمة.

ودعا الكاتب روجر بويز في مقال له في (التايمز) رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون&ومسؤولي العالم المؤتمرين إلى دراسة وإظهار شبكات القوة والأعمال لا في أفريقيا فحسب، بل في الصين وجنوب آسيا وروسيا وفي مدينة لندن وفي نيويورك كذلك.

وقال إن "هناك خطرًا حقيقيًا في أن تكون القمة عبارة عن حفل للمنافقين والفاسدين المتنكرين بزي الصليبيين النظيفين". وقد يكون وجود وزير الخارجية الأميركي جون كيري كزهرة جدار، ما دامت الولايات المتحدة لم تأتِ بمعايير دولية جديدة للشفافية المالية.

30 تريليونا&

وأشار الكاتب إلى أن&"اوراق بنما" كشفت الملاذات الضريبية الخارجية التي تضم ثلاثين تريليونًا من الثروات الخاصة، وهي شبكة مدعومة ضمنيًا من جانب الحكومات الداخلية. وأضاف أن المتورطين من مختلف الجنسيات يستخدمون هذه الملاذات للحد من التزاماتهم الضريبية.&

خسارة

وأشار إلى أن أفريقيا خسرت العقد الماضي أكثر من تريليون دولار بسبب التدفقات المالية غير المشروعة، وأن هذا المبلغ يعتبر أكبر من دينها العام ومما تتلقاه من المساعدات والاستثمارات الأجنبية.

وأضاف أن القمة تشكل فرصة للرئيس النيجيري محمد بخاري، الذي يصف نفسه بأنه ديمقراطي، في حين يعصف الفساد والتهرب الضريبي ببلاده.&

وقال إن الغرب يطالب بتغيير كامل النطاق في تعاطي الدول الفقيرة مع الفساد، وغالبًا ما يجعل المساعدات مشروطة بهذا التغيير، ولكن الغرب لا يتحرك لكبح جماح رجال الأعمال الغربيين أنفسهم الذين يقدمون الرشى للحكام الفاسدين.

ودعا الكاتب إلى ضرورة إعادة النظر في المساعدات الغربية، وإلى توجيهها نحو تقوية تعزيز استقلال القضاء في جميع أنحاء العالم. وقال إن على كافة الأطراف الإلحاح على تبني سياسة الشفافية.

وخلصت (التايمز) إلى القول: ليس لدى الملاذات الضريبية في الخارج الحق في إخفاء الأموال، وعلى أولئك الذين يلجأون للملاذات معرفة أن هناك إمكانية للكشف عن ثرواتهم الخاصة في حالة حصول بحث شرعي عن الأموال المسروقة.