برلين: شارك حوالي 230 عالما من سوريا ومن أنحاء مختلفة من العالم في اجتماع دام لمدة يومين ووحّدوا جهودهم من أجل رصد الدمار الحاصل في مواقع التراث الثقافي في سوريا، ووضع منهجيات عمل وتحديد تدابير الحماية الطارئة الواجب اتخاذها على الفور في مواقع التراث السوري. وقد جرى تنظيم اجتماع الخبراء هذا بالتعاون بين كل من اليونسكو وألمانيا. وعقد في برلين في الفترة بين 2 و4 يونيو. وافتتحته المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، إلى جانب وزيرة الدولة في وزارة الخارجيّة، ماريا بوهمر.

وشاركت مجموعة من الشخصيات البارزة في هذا المؤتمر، ومن بينهم مجموعة من علماء الآثار وعلماء الإنسانيّات وخبراء صون التماثيل والمهندسين المعماريّين والمخططين المعماريّين. كما كان من ضمن المشاركين أيضاً مجموعة من ممثلي المديرية العامة للآثار والمتاحف بالإضافة إلى مجموعة من العلماء والخبراء السوريين أو الذين يعملون في سوريا.

وفي هذا السياق قالت بوهمر: "يقدّم مؤتمر برلين إشارة مفعمة بالأمل لجعل الثقافة أساسا لاستعادة النظام بعد الحرب. فإن مواقع التراث العالمي تصقل الهوية السورية وهي العامل الحاسم لاستعادة الوحدة السورية. ولا بدّ من اتخاذ خطوة استثنائية عاجلاً أم آجلاً ولكن بعد التحضير لها تحضيراً سليماً."

كما حذّرت المديرة العام لليونسكو إيرينا بوكوفا قائلة: "لا بد من توحيد جهود أفضل الخبراء الدوليّين وأن نضع نصب أعيننا المبدأ الذي ينص على عدم التلاعب بمواقع التراث الثقافي أو استغلالها. وأتقدّم بالشكر لكل الخبراء السوريّين والدوليّين الذين اجتمعوا في هذا المكان لحماية التراث: هذه هي روح برلين".

وقالت الخبيرة الشابة زويا مسعود في إطار مشاركتها في المؤتمر "حان الوقت لتوكيل الأجيال الشابة بالتخطيط لمستقبل أفضل ولحماية وترميم تراثنا الثقافي. ولهذا السبب، اقترحنا نظام رصد يكرّس جهود مجموعة من الخبراء الشباب ويساهم في صقل الخبرات من أجل حماية التراث الثقافي".

هذا وقد تخلّل اجتماع الخبراء لتدابير الحماية الطارئة للتراث الثقافي السوري مجموعة من نقاشات الطاولة المستديرة هدفت إلى تقييم الدمار الحاصل والأعمال الراهنة للخبراء المعنيين بالتراث. كما عقدت بعض الجلسات الموضوعيّة لمناقشة الدور الذي تضطلع به المجتمعات المحليّة بالإضافة إلى عمليات الأرشفة والتوثيق وبناء القدرات ووضع خطط الحماية.

كما اطلع المشاركون على الأعمال التي أنجزها الفاعلون المحليّون والدوليّون حتى الآن بهذا الخصوص. وقاموا بطرح مجموعة من التدابير الملموسة من أجل تقييم وجرد الدمار الحاصل ووضع الإجراءات اللازمة لمعالجة ذلك بالإضافة إلى رسم الأطر القانونيّة والمؤسسية وتقديم المساعدة التقنيّة اللازمة بما في ذلك تدابير الإسعاف الأولي لمواقع التراث القائمة، وبناء القدرات وزيادة الوعي وتبادل المعلومات اللازمة حيال كل ما يجري. كما تمّ رسم الخطوط العريضة للإجراءات الملموسة الواجب اتخاذها بشأن المدن التاريخيّة والمواقع الأثريّة والمتاحف والقطع الأثرية التي يمكن نقلها ناهيك عن التراث غير المادي. وبالإضافة إلى ذلك، نتج عن هذا الاجتماع مجموعة من التوصيات والبنود الجديدة أضيفت إلى التوصيات وخطة الطريق التي اعتمدتها اليونسكو عام 2014. 

هذا وتطرّق المشاركون لمسألة عمليات النهب والإتجار غير الشرعي بالتراث الثقافي. ودعوا إلى إنشاء قائمة شاملة بالممتلكات الثقافية السورية التي تم نهبها وإضافتها إلى القائمة الحمراء للمجلس الدولي للمتاحف. ودعوا جميع الحكومات لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي تنص على حظر الإتجار بالتراث الثقافي للبلد.

 كما دعى المشاركون إلى جمع تمويل دولي وإنشاء هيئات تنمويّة من أجل إدراج مواقع التراث الثقافي في جدول أعمال برامج التمويل وخطط التعافي في فترة ما بعد النزاع. 

وقد مهّد هذا الاجتماع الطريق أمام اليونسكو لتحديث وتطوير خطة العمل الطارئة للحفاظ على التراث الثقافي في سوريا والتي تم اعتمادها خلال اجتماع الخبراء الاول لليونسكو بشأن سوريا عام 2014.

وفي هذا الصدد، قال السيد نظير عوض، مدير المباني الأثرية: "أكد لنا هذا الاجتماع قدرة كل الأطراف المعنيّة وإرادتهم للعمل يداً بيد للحفاظ على التراث الثقافي في سوريا. ونأمل أن يفتح هذا الاجتماع الباب أمام مزيد من الدعم."

وخلال الاجتماع، سلط عدد من الخبراء السوريين الضوء على ضرورة توحيد كل الجهود من أجل تحقيق الهدف المشترك المتمثّل بالحفاظ على التراث الثقافي. حيث يدرك المشاركون الدور الكبير للثقافة في تحفيز الاستجابة الإنسانية لهذه الضرورة بالإضافة إلى التماسك الاجتماعي والحوار في هذا الخصوص. كما أكّدوا على الدور الحاسم لكل من المديرية العامة للآثار والمتاحف والمنظمات غير الحكوميّة والمجتمع المدني لا سيما المواطنين السوريين الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل حماية تراثهم في تحقيق هذه الأهداف. وطلبوا أيضا من المجتمع الدولي دعماً أكبر لجهودهم بهذا الخصوص. 

وتمحور مؤتمر برلين، الذي عقد بعد عامين من مؤتمر الخبراء الطارئ الأول لليونسكو بشأن سوريا، حول ثلاثة أهداف رئيسية هي: تبادل المعلومات بشأن حالة كل مواقع التراث في سوريا، والاتفاق بشكل أولي على الأولويّات والتدابير الطارئة، وتنسيق كافة الجهود بالإضافة إلى التوصل إلى رؤية مشتركة.

وفي ختام المؤتمر، قدّم الخبراء مجموعة من المشاريع لتعزيز الآفاق المستقبليّة للتراث السوري عن طريق خطط التعافي في فترة ما بعد النزاع. حيث سلطوا الضوء تحديداً على الحاجة إلى المبادرات التي تهدف لبناء القدرات في كل أرجاء البلد بالإضافة إلى ضرورة زيادة المصادر والدعم بهذا الخصوص. كما أكدوا الحاجة لتوحيد جهود كافة الأطراف المعنيّة لا سيما الفاعلين في المجال الإنساني. هذا وسلطوا الضوء أيضاً على الدور الذي تضطلع به المجتمعنات المحليّة ناهيك عن جهود اليونسكو التنسيقيّة في هذا الصدد.

كما أشارت مشتيلد روسلر، مديرة مركز التراث العالمي لليونسكو، إلى الدور المحوري للثقافة والهوية، بالإضافة إلى أهميّة حماية التراث الثقافي. حيث قالت: "أشكر جميع المشاركين لمساهماتهم البناءة، فإننا بحاجة بالفعل لروح التعاون هذه والعمل يداً بيد على وضع خطط مستقبليّة لمرحلة التعافي بالإضافة إلى المشاريع الراهنة لإجراءات الحماية الطارئة لمواقع التراث الثقافي في سوريا." 

ويذكر أنه تم تنظيم مؤتمر الخبراء الدولي بالتعاون بين كل من اليونسكو ووزارة الخارجية الألمانيّة بالإضافة إلى دعم المعهد الألماني للآثار ومؤسسة التراث الثقافي البروسي ومؤسسة جيردا هنكل بالإضافة إلى اللجنة الألمانية لليونسكو.