إيلاف من الرباط:&جرت العادة أن يتم تعريف اللباس التقليدي المغربي بأنه "مجموعة الألبسة التراثية والشعبية التي حافظ عليها المغاربة منذ قرون، وهو ما يظهر جلياً في تشبثهم بمختلف الألبسة التقليدية، خاصة في الأعراس والمناسبات الدينية، شيوخا كانوا أم شباباً، ذكورا أم إناثاً".

من حيث الأصول، يتم التشديد على أن "أهم ما يميز اللباس التقليدي في المغرب هو التنوع الكبير الذي يستمده من الزخم والتنوع الثقافي والجغرافي اللذان يميزان البلد برمته"، حيث "نهل الزي المغربي، كما ثقافته، على مر العصور، من مختلف الثقافات اللتي مرت منه، وخاصة تلك التي تعايشت فيه. فالطابع الأمازيغي، العربي، الأندلسي، الصحراوي، الإسلامي، وحتى اليهودي، وغيرها، لها بصمتها على اللباس المغربي".

والأزياء التقليدية المغربية أشكال وأنواع، أبرزها القفطان والجلباب والسلهام. وفي الوقت الذي تحول فيه القفطان المغربي إلى زي عالمي، أكد الجلباب قيمته كزي تقليدي، وإن بمواصفات مختلفة، ظلت تمنح لابسه، من بين الرجال، أو لابسته، من بين النساء، نخوة ووقاراً.

الجلباب الرجالي قاوم أمواج الموضة

وفي الوقت الذي قاوم فيه الجلباب الرجالي كل أمواج الموضة الغربية، ليبقى محافظاً على أصالته وخصوصيته، فإن الجلباب النسائي لم يسلم من مقص المصممين، الذي جعله ضيقاً حيناً، وعلى المقاس أو قصيراً بـ"قب" (قلنسوة)، واسعاً أو بأكمام فضفاضة، أحياناً أخرى. كما استخدمت في تفصيله وخياطته كل أشكال وأنواع الأثواب التي تدخل في صناعة الملابس النسائية الجاهزة، حتى تستجيب لصيحات ومتطلبات الموضة العالمية، إلى درجة استغلال ثوب الـ"جينز" في تصميمه، وظهور جلباب قصير يصل إلى ما فوق الركبة، يتم ارتداؤه مع الـ"جينز" والأحذية الرياضية.

ولقد حافظ فيه الجلباب الرجالي على عادة لبسه مع الطربوش المغربي الأحمر والخف التقليدي، الذي يعرف باسم "البلغة"، فإن الجلباب النسائي فقد كثيراً من خصوصياته ومميزاته، الشيء الذي جعله يتخلى، في أكثر الأحيان، عن شكله التقليدي الأول.

ويشتهر عدد من المدن المغربية بصناعة الجلباب، الذي يصنف كأحد رموز الهوية المغربية، وخاصة مدن مراكش وفاس ومكناس والرباط ووجدة وطنجة. وتختلف صناعة الجلباب من منطقة إلى أخرى، وهو اختلاف يظهر في خياطته وألوانه، وهو معطى ينقل لتنوع في العادات والتقاليد تبعاً لخريطة الجغرافية المغربية، الأمر الذي يرسخ قيمته التراثية والحضارية والثقافية. ويبقى الجلباب "البزيوي"، بلا شك، أرقى وأشهر أنواع هذا الزي التقليدي الأصيل.

برلمانيو المغرب وهم يرتدون جلباب البزيوي بمناسبة افتتاح احدى الدورات التشريعية&

&

بلدة " بزو" والجلباب المفضل لدى المغاربة&

وتقع بلدة "بزو"، التي ينسب إليها الجلباب "البزيوي"، عند سفح سلسلة جبال الأطلس، على الطريق الرابطة بين فاس ومراكش، ويتم الوصول إليها عبر طريق فرعية تبعد عن الطريق الرئيسية بحوالي 8 كيلومترات، وذلك عند النقطة الكيلومترية 150، انطلاقاً من مراكش.

ويغلب على تضاريس منطقة "بزو" الطابع الجبلي، فيما تعد الزراعة وتربية المواشي من أهم الأنشطة الممارسة من طرف السكان، تضاف إليها أنشطة مكملة، مثل صناعة الجلباب والسلهام المعروفين على الصعيد الوطني، لما يتميزان به من جودة وإتقان في الصنع.

وظل الجلباب "البزيوي" لباساً مفضلاً عند المغاربة، ممن يحرصون على التألق في هذا الزي التقليدي الأصيل، خلال المناسبات الوطنية والدينية. وهي كلها مواعيد يستحب أن يلبس المشارك فيها جلباباً وسلهاماً، غالباً ما يتم غزلهما ونسجهما وخياطتهما في تلك البلدة الصغيرة، التي لا يتردد اسمها إلا مقروناً بهذا الزي التقليدي الرجالي، الذي تتفنن في نسجه نساء البلدة، إلى درجة حولت شهرة الجلباب "البزيوي" قرية "بزو" الصغيرة إلى وجهة للمغاربة، من الراغبين في جلباب أو سلهام أصيل، كثيراً ما يكون بينهم وزراء وبرلمانيون ورؤساء مجالس بلدية وقروية وعمد مدن ورؤساء جهات وموظفين وأطراً من مختلف الرتب والمستويات. وهو ما يعني أن أغلب المقبلين على "البزيوي" هم من "علية" و"نخبة" القوم، ممن يحرصون على أن يلبسوا هذا الزي التقليدي خلال المناسبات المهمة، عنوان "نخوة" و"رفعة". وحيث إن المناسبات، التي يشاركون فيها، تكون ذات قيمة إما وطنية أو دينية، فإنهم يحرصون على أن يكونوا في كامل زينتهم وتألقهم، وعلى هذا الأساس، لا بد أن يلبسوا زياً معروفاً بقيمته وفرادته وأصالته، وهو ما حوّل الجلباب "البزيوي" إلى عنوان للجاه والوضع الاعتباري.

من جهتهم، يحرص أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، خلال عودتهم إلى أرض الوطن، في فصل الصيف، لصلة الرحم، على شراء الجلابيب "البزيوية"، لتقديمها كهدايا إلى أصدقائهم ومعارفهم في بلدان المهجر.

ولا يختلف المغاربة، المولعون بالزى التقليدي، في قيمة الجلباب "البزيوي"، وتجدهم يذهبون، في تأكيد ذلك، إلى اختياره من طرف سلاطين وملوك المغرب كزي تقليدي. ويردد عدد من الباحثين، المتخصصون في تراث وتاريخ البلد، أن السلطان العلوي مولاى الحسن الأول كان معجباً بالجلابيب "البزيوية"، الشيء الذي دفعه إلى إلحاق عدد من النساجين بحاشيته.

الملك محمد السادس مرتدياً جلباب البزيوي&

&

اسعار " البزيوي"&

وتتراوح أسعار "البزيوي" بين ألف و4 آلاف درهم (الدولار يساوي 9,5 دراهم) للثوب الذي يتراوح بين 3 أمتار للجلباب و3 أمتار ونصف للسلهام، فيما يتراوح ثمن الخياطة ما بين 400 و600 درهم.

وعلى خلاف القفطان، يبقى تأثر الجلباب بالموضة العالمية محدوداً، خاصة أن أصول خياطته وصناعته تعتمد على حفاظه على العديد من المقومات والأشكال الفنية وعلى المواد العريقة، التي تدخل في صناعته، ومنها "السفيفة" و"الصابرة" و"العقد"، فضلا عن أن شهرته تكمن في أنه يلخص الشخصية المغربية المتشبثة بتقاليدها وأصالتها.

ولا تتخوف النساء الممتهنات حرفة نسج ثوب الجلباب "البزيوي"، كثيراً، على مستقبل هذا الزي التقليدي، خصوصاً مع موجة التطوير والتوظيف المتزايد للآلة في صنع الأزياء التقليدية المغربية، على اعتبار أن عشاق هذا الزي يعرفون قيمته، كما أنهم متشبثون به كزي أصيل، يصنع باليد لا بالآلة. ويبقى التخوف الأكبر في قلة اليد العاملة الماهرة، التي تتناقص يوماً بعد آخر، مقابل تزايد الطلب عليه، على مدار العام.

أقمشة جلباب البزيوي... ألوان متناسقة&

&