إيلاف من برلين: تعتبر صناعة الإسمنت مسؤولة، حسب تقارير الأمم المتحدة، عن انبعاث 5% من مجموع غاز ثاني أوكسيد الكربون على المستوى الأممي. وللمقارنة، فإن كامل حركة الطيران في العالم مسؤولة عن 3% من مجموع الغاز المنبعث. وينبعث ثلاثة أرباع الطن من غاز ثاني أوكسيد الكربون عند إنتاج واستخدام طن واحد من الإسمنت التقليدي. ونصف هذه الكمية من الغاز ينبعث أثناء عملية تحضير الإسمنت بحرارة عالية. 

 وتستخدم البشرية البطاريات لخزن الطاقة الكهربائية، والحاويات المعزولة جيداً لحفظ الطاقة الحرارية واستخدامها لاحقاً في التدفئة وإنتاج الكهرباء، لكن شركة "انيرجي نيست" النرويجية تطرح على العالم استخدام هذه الكميات الهائلة من الإسمنت المستخدم في البناء لحفظ الطاقة الحرارية. وذكرت مصادر الشركة أن المادة الجديدة عبارة عن اسمنت خاص يحتوي على شبكة أنابيب تمت صناعته بالتعاون مع شركة هايدلبيرغ لصناعة الإسمنت في ألمانيا.

تقدر مصادر الأمم المتحدة وزن الإسمنت المنتج على المستوى العالمي بنحو 25 مليار طن سنوياً، أو 2 طن، أو متر مكعب من الإسمنت، لكل مواطن على كوكب الأرض. وكل هذه الكمية يمكن استخدامها في حفظ الطاقة لو تحول العالم إلى إنتاج الإسمنت الجديد من "اينرجي نيست".

ومعروف أن إنتاج الطاقة البديلة في العالم يواجه مشكلة حفظ هذه الطاقة البديلة الزائدة بهدف استخدامها لاحقاً، كما هي الحال مع إنتاج الطاقة في الصيف واستخدام المخزون منها في الشتاء. وكمثل، قد تعرقل مشكلة حفظ الطاقة، مشروع الحكومة الألمانية القاضي بالتحول إلى الطاقة البديلة بالكامل مع حلول العام 2050.

اسمنت لا يفقد الحرارة بسهولة

وذكر كريستيان تيل، رئيس شركة "اينيرجي نيست"، أن شركته التي تشغل 12 عاملاً فقط ستغير عالم البناء من خلال الإسمنت الجديد. وأكد أن الإسمنت نال براءة الاختراع، كما تخطى بنجاح فحص المواد الجديدة الذي يجريه معهد فحص المواد. والمهم أيضاً، فضلاً عن الجانب البيئي، هو إن إنتاج مثل هذا الإسمنت سيقلل أسعار الإسمنت في السوق أيضاً.

وثبت مختبرياً أن الإسمنت الجديد قادر على حفظ الطاقة الحرارية لفترة طويلة، وبأقل ما يمكن من تسرب حراري. ويحتوي الإسمنت الخاص على شبكة أنابيب معدنية يجري فيها ضخ بخار الماء الحار، أو زيت الطبخ العادي بدرجة 450 مئوية وتحت ضغط عالٍ. ويمكن لمكعب من هذا الإسمنت حجمه 15 متراً مكعباً أن يحفظ طاقة حرارية تعادل 2 ميغاواط ساعة.

وتنتج الشركة الإسمنت الحافظ للطاقة بشكل مكعبات من مختلف الأحجام، وحسب الحاجة، ويمكن للمستخدم أن يرتبها بالشكل الذي يريد مثل لعبة الأطفال المعروفة بالـ"لوغو"، أو أن يبني منها أحواضاً أو جدراناً. ويفترض تيل انه إذا كانت مدينة كبيرة مثل هامبورغ تعتمد بالكامل على الطاقة الشمسية، فإنها ستحتاج في النهار لحفظ طاقة للاستخدام في الليل. وحينها، ستحتاج المدينة إلى مكعبات إسمنتية تعادل حجم ناقلة نفط كبيرة. ويمكن للشركات الكبيرة، التي تستخدم الطاقة البديلة، أن تستخدم10 أو100 أو1000 مكعب لحفظ الطاقة الزائدة المنتجة بمثابة طاقة حرارية.

كلفة منخفضة لحفظ الطاقة

ويقول تيل إن حفظ الطاقة بالأساليب السائدة في السوق مكلف، وخصوصاً إذا كان المقصود حفظها لفترة طويلة، لكن مكعبات اسمنت "اينرجي نيست" تكلف ثلث ما تكلفه بطارية حديثة.

يكلف المكعب من الإسمنت 50 ألف يورو، لكنه يعد بتقليل حفظ وإنتاج الطاقة لفترة طويلة تجعل هذا السعر قليلاً. ويبدو ان الشركة، رغم نشاطها بين ألمانيا والنرويج، وتعاونها مع شركات كبرى مثل "اودي" و"بي أم دبليو"، قد نجحت في نصب أولى هذه المكعبات في دبي (مدينة المصدر البيئية)، بحسب تصريح تيل. وتعمل المكعبات هناك على مدار الساعة وبكفاءة عالية.

والإسمنت الجديد صنع من مواد غير ضارة بالبيئة، بحسب تأكيد تيل، كما انه طويل الحياة ويتمكن من العمل دون الحاجة إلى ترميم طوال 50 سنة. ومن مواصفاته الجيدة الأخرى هو ان مكعبات الإسمنت الجديد، رغم الأنابيب داخلها، قابلة للتدوير، وبطريقة التكسير الالكترو-ديناميكية التي نالت براءة الاختراع في ألمانيا. هذا يعني الاستفادة من 130 مليون طن من الإسمنت المستعمل تذهب إلى النفايات كل عام في ألمانيا فقط، وفق مصادر دائرة البيئة الألمانية. ويرتفع مجموع الإسمنت المستعمل في أوروبا والولايات المتحدة واليابان إلى 700 مليون طن سنوياً. وهذا يعد بالتخلص من انبعاث نحو 500 مليون كغم من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً في هذه البلدان.

نالت الشركة الصغيرة دعماً مالياً للمشروع من شركات بريطانية وأميركية ونرويجية بلغ 9 ملايين دولار، إضافة إلى مساهمات فردية ترتفع إلى مليوني دولار. وتخطط الآن لدخول مرحلة الإنتاج الكبير، وتقول إنها نالت عقد بناء فنار كبير قرب ميناء هامبورغ على بحر الشمال، وتتحدث عن مشاريع أخرى مع شركات إنتاج الطاقة من مراوح الريح.