إيلاف من بيروت: نصح زياد أبو لطيف، النائب في البرلمان الكندي من أصلٍ لبناني، الشباب العربي واللبناني بالإتعاظ بتجارب أسلافهم، وأكد تقديسه كرامة الإنسان وحقوقه، موضحًا مفهومه للديمقراطية والعمل السياسي، وراويًا تجربته السياسية منذ هجرته وطنه في أيام الحرب.

عاد "أبو لطيف"، إبن بلدة عيحا في منطقة راشيا اللبنانية، إلى بلدته نائباً عن حزب المحافظين في البرلمان الكندي عن منطقة إدمنتون. فكيف عمل وخطط ووصل؟ وهل تقبله الشعب الكندي ببساطة نائبًا من أصلٍ عربي؟ وماذا يقول للشباب العربي واللبناني؟ وما رأيه بالديمقراطية ومفهومه للعمل السياسي؟ هذه الأجوبة وغيرها في حوارٍ خص به "إيلاف"، يقول فيه إنه ولد من جديد بهجرته هذه: "استنشقت هواء الحرية فعليًا حين تجولت في كندا أول مرة، وشعرت بوجودي كفرد يُقدّر على معيار الكفاءة ونظافة الكف والصدق، ولا على المحسوبيات كما في المجتمعات العربية بشكلٍ عام والمجتمع اللبناني بشكلٍ خاص".

&

&

يضيف: "عشنا ظروف الحرب الصعبة، ومررنا بالحواجز في قرانا وبلداتنا، وواجهنا دمار أحلامنا التي ضاعت بالمجهول. لم نتوقع أن الوضع سيتغير يومًا. ضاع قسم&من شبابي بمستنقع الحرب، وكان الأفق مسدودًا. فوجدت نفسي أمام خيارين: الإنجرار إلى الفوضى والأعمال غير المشروعة لتأمين مستقبلي، أو الهجرة للحفاظ على سمعتي ونزاهتي، فاخترت احترام مبادئي وحملني طموحي إلى تجربة جديدة، فكانت انطلاقتي بعدما تعرفت على المجتمع والبيئة الجديدين وبدأت العمل بشغف وسارت الأمور بالتدريج حتى بلغت عتبة البرلمان".

بلد محكوم بالقانون
لكن... ماذا أعطاه الأمل بالنجاح هناك؟ يجيب لـ"إيلاف": "في كندا، شعرت أن حدودي هي السماء. تحررت من الداخل من كل الأعباء لأنها بلد محكوم بالقانون الذي يساوي بين كل الناس. صحيح أنني احتجت بعض الوقت لأنطلق. كنت في عامي الرابع والعشرين آنذاك، لكنني عملت بجد وكافأني المجتمع. فأجمل ما في كندا أنها بلد القانون والأحلى هو تنفيذ القانون الذي يحترمه كل الناس ويتم تطبيقه على كبار القوم قبل صغارهم. فالمناصب هناك مسؤوليات. وعلى كل مسؤول أن يلتزم القانون قبل الشعب، فالجميع يعلم أنه إذا خالف يعاقب، لذلك نرى الجميع يحترمونه ويلتزمون به تلقائيًا انطلاقًا من إيمانهم بالمساواة".

يضيف: "هناك ميزة خاصة في كندا هي التناغم بين الدولة والإعلام الذي يلعب دورًا بناء بنشر القوانين وتعميمها وشرحها بلا مزايدات. فالإعلام يخبر الناس بإقرار القوانين التي تشرّع ويعلن تاريخ بدء العمل بها وآلية تنفيذها. ويوضح مستلزمات إقرارها وفائدتها بأسلوب مقنع. وهناك دومًا تحذيرات بواسطة المناشير واللافتات تنبه المواطنين لما يغفلون عنه كي لا يرتكبوا أخطاء يُحاسبون عليها. فاحترام القانون هو من المقدسات عند الشعب الكندي، والفرد حر بقدر ما يحترم حريات غيره ضمن القوانين السائدة في البلاد. ونحن كشعب ننظر للدولة على انها الإدارة. فدور المسؤولين والحكومة هو إدارة شؤون الناس والبلاد".

&

العمل الحزبي&
في كندا ثلاثة أحزاب رئيسة: الأحرار والديمقراطيون الجدد والمحافظون الذي يفخر "أبو لطيف" بالإنتماء إليه منذ العام 2001 حين كان الحزب الحاكم. ويعقب قائلاً لـ"إيلاف": "العمل الحزبي مدخل العمل السياسي، فالأحزاب مطبخ القرارات والقوانين بفضل استطلاعها الدائم حاجات الناس وآراءهم ومتطلباتهم. اخترت حزب المحافظين لأنه الأقوى حضورًا ولأن مبادئه قريبة من قناعاتي وثقافتي".

وعن سياسته الإقتصادية، يشرح واصفًا الأمر بالعبارة Kitchen table، أي يصف الأمر كأن الوطن العائلة الكبرى ويجب أن يُدار اقتصاده كما تدير العائلة اقتصادها المنزلي حين تجتمع لتناقش شؤونها على طاولة المطبخ. يوضح: "لا يجوز أن تكون العائلة مسرفة، بمعنى أنها لا تصرف أكثر مما تُنتج، وما ينطبق على العائلة الصغرى ينطبق على العائلة الكبرى وهي الوطن، أي بمعنى آخر حسن الإدارة الإقتصادية للعائلة".

الديمقراطية
يرى "أبو لطيف" أن لا مقارنة بين الديمقراطية في كندا والديمقراطية في العالم العربي ولبنان، لافتًا إلى أن "لا ديمقراطية حقيقية في العالم العربي"، مبيناً أن "الديمقراطية تعني في حقيقتها تقبل الآخر واحترام موقفه ورأيه مهما تعارض معه، فأين هو العالم العربي من مبدأ احترام قرار الأكثرية، الركن الأساس في الديمقراطية؟ هل ما نراه اليوم من تقاتل مذهبي وتنافس عبثي يُجسد الديمقراطية؟ هل يتقبل الشخص العربي الإنسان الآخر بتجرد من دون أن يُلصق به التهم جزافًا نظرًا إلى انتماءٍ لم يكن خياره بالأصل؟!"&

ويضيف النائب في البرلمان الكندي: "الديمقراطية متلازمة مع الوعي والحرية وكرامة الإنسان الذي يُعامل كفرد يحاسب على أفعاله فقط. ففي كندا يحترمون قاعدة الأكثرية الصحيحة، وحين يربح حزب أمام آخر يراجع الحزب الخاسر حساباته وطريقة تسويق طروحاته، لينطلق بأفكار بناءة جديدة، مؤديًا دور المراقب والمحاسب مع الشعب لإدارة الحكومة".


كندا والإرهاب
يضحك أبو لطيف حين نسأله عن انفتاح المجتمع الكندي وقبوله الجنسيات المختلفة، ويؤكد أنه لو أخبر أي كندي أنه مهاجر، سيجيبه أنه أيضًا مهاجر، "فالمجتمع الكندي يتألف من مهاجرين من جنسيات وأعراق مختلفة حضروا إلى هذا البلد الذي يحترم التنوع منطلقًا من نزاهة الفرد وكفاءته وتعامله، وكندا بلد المهاجرين الذين حضروا من كل حدب وصوب ويعيشون بسلام ويكونون مجتمعًا حضاريًا تسود فيه العدالة ويقدّس كرامة الإنسان، وبلد تعدد الثقافات والتنوع، لا يعرف مجتمعها الأصولية، فمهما كبر الشخص في موقعه ومسؤولياته يبقى عمله محكومًا بالقانون".

وفي سؤال&عن رأي المجتمع الكندي بأصولية تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والأفكار المشاعة عن المسلمين واتهامهم بالإرهاب، يؤكد أبو لطيف لـ"إيلاف" أن ميزة الشعب الكندي هي أنه لا يحاكم الفرد على انتمائه بل على ممارساته، "ونحن نعمل أيضًا على هذه الجدلية القائمة بين الاسلام والارهاب، فالإسلام لا يمت بصلة إلى هؤلاء الإرهابيين الذين ينتحلونه. نحن نقوم بواجبنا التوضيحي بالتواصل المباشر مع الناس والجالية العربية في كندا تعمل جاهدة للحفاظ على الثقة المتبادلة، وتقف الجالية اللبنانية والعربية في الصف الأول للدفاع عن كندا وكرامتها، وشدد على أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ القرار عن العرب والمسلمين ليدمر حياتهم والوطن الذي احتضنهم".

&

إيلاف تحاوره في منزله

لبنان الأم
ثمة دور سيؤديه أبو لطيف لخدمة بلده الأم من موقعه كنائب كندي، وهو يعمل لتعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها وفقًا لثقافة كندا المتطورة بقوانينها وباحترام كرامة الفرد وحريته، مضيفًا أنها تستفيد بلا شك من طموح الشباب اللبناني وهي ترحب بالثقافات والأفكار الجديدة دومًا. فإلى أي من البلدين ينتمي؟ وهل يعتبر نفسه كنديًا أكثر منه لبنانيًا؟ يجيب: "أنا بكل فخر كندي الهوية والإنتماء مع احترامي لأصلي اللبناني. لكنني عشت مرحلة الوعي في كندا التي واكبت مرحلة عطائي، وبالنسبة إليّ الفرق بين كندا ولبنان هو كالفرق بين علاقة الرجل مع أمه وعلاقته بزوجته. فلبنان هو الأم التي نحترمها ونحفظ لها الوفاء، وكندا هي الحياة التي نستمتع بها ونعيش فيها ونتابع مسارنا معها. كندا هي الوعي وتحقيق الذات، وهي البلد الذي أعطانا فرص النجاح، وهي تستحق منا كل الجهد لخدمتها لأنها أعطتنا الحب للعمل والإنتاج وكافأتنا بالنجاح ومنحتنا حقوقنا، لذا نرى أن من واجبنا أن ننتخب ونترشح للمشاركة بمسؤولياتها وخدمة مجتمعها".&

دخل أبو لطيف الحزب ووصل إلى الهيئة الإدارية، ثم شغل منصب أمين الصندوق، وشارك في العمل الميداني من خلال المكتب الإنتخابي، واكتسب خبرةً واسعة في هذا المجال، وفهم المجتمع الكندي أكثر من خلال عمله المباشر مع الناس. أحب العمل السياسي هناك لأنه خدمة عامة، ولأن الأحزاب حين تستطلع رأي قاعدتها الشعبية تدرس المقترحات والمتطلبات في المؤتمر العام، وتغربلها وتركز على المهم والرئيس منها وتتبناها فتقدمها إلى البرلمان كمشاريع قوانين. ما يعني أن الأحزاب تمثل رأي القاعدة الشعبية الداعمة له.

وعن وصوله إلى البرلمان، يشير إلى أنه زار 22 ألف منزل في جولته الإنتخابية حيث يقوم بالتواصل المباشر مع الناس، منهم من استقبله بحفاوة ومنهم من نقاشه وناظره.

هذا وينوي أبو لطيف الترشح ثانيةً للانتخابات طالما أن الحزب يتبناه والشعب يريده. ويوضح &أن القانون لا يمنع النائب من الإستمرار بالترشح. مشيرًا إلى أن الإنتخابات هي محطة مفصلية تأتي كل أربع سنوات حيث يحاسب الشعب من انتخبهم بصناديق الإقتراع ووفقًا لاقتناعه ببرامج أحزابهم وإيمانه بنزاهتهم واحترامه لهم.

نصيحة
ومن خلال "إيلاف"، قدّم نصيحته لشباب لبنان بعد تجربته في كندا، وقال: "اعتمدوا على كفاءتكم وتأكدوا أنكم بناة هذا الوطن. وأطلب منكم أن تنظروا إلى تجربة أسلافكم لتتأكدوا أنه لو كانت تجاربهم ناجحة لما استمر الحال بلبنان على ما هو عليه اليوم. لست أطرح ثورة ربيع لبناني. لكن لبنان بحاجة إلى نهضة شبابه ويجب أن نبني الغد على أسس وقواعد مختلفة أهمها احترام القانون، وعلى اللبنانيين أن يدركوا أن الإستمرار بالخطأ لن يطور الأداء ولن يغيّر وضع البلد".