الجزائر: اضطرت كريمة، 45 عاما، الى مغادرة مسكنها بعدما سئمت العيش وسط العنف بين العصابات في حيها علي منجلي بقسنطينة شرق الجزائر الذي تم تشييده في سنوات 2000. ولجأت هذه الام لثلاثة اولاد، والتي فضلت عدم ذكر اسمها، الى بيت اهل زوجها بصفة مؤقتة.

تصاعد العنف في الاحياء السكنية بشكل ملموس في الجزائر بسبب الظروف الاجتماعية الصعبة وآثار الحرب الاهلية وظهور احياء تشبه "الغيتوهات"، كما اكد مختصون لوكالة فرنس برس. ورأى البروفسور رشيد بلحاج رئيس مصلحة الطب الشرعي في المستشفى الجامعي مصطفى باشا في الجزائر العاصمة، ان عدد حالات العنف ارتفع خلال عشر سنوات من 2500 الى 6000 حالة سنويا.

وبحسب الطبيب المستشار لدى وزارة العدل فان "العنف (كان موجودا قبل بناء الاحياء الكبيرة) ولكن عنف العصابات المنظمة داخل هذه الاحياء هو ما يقلقنا".

الفقر
ساهم نمو الاحياء الجديدة على اطراف المدن الكبرى في زيادة العنف "الذي يتخذ شكل صراعات بين عصابات" بحسب ندير جرمون أستاذ الهندسة المعمارية من جامعة البليدة في جنوب غرب الجزائر. وفي حي علي منجلي، تحدثت كريمة عن "معارك" استخدمت فيها الاسلحة البيضاء بما فيها السيوف.

وقالت "كنت أخاف ان يتعرضوا لأبنائي" مضيفة "لدي ولدان في سن المراهقة، وخشيت ان ينتهي بهم الأمر" كمدمنين على المخدرات او ان يتركوا المدرسة. وواجهت الجزائر انفجارًا في عدد سكانها، اذ انتقل من تسعة ملايين غداة الاستقلال في 1962 الى اكثر من 40 مليون نسمة في 2016، اضافة الى نزوح اعداد كبرى من سكان الارياف نحو المدن، ما تسبب في ازمة سكن خانقة.

ولمواجهة هذه الندرة في السكن أقرت الحكومة سنة 2000 خطة لبناء مليوني مسكن بحلول العام 2019، لكن هذه الأحياء الكبيرة تنمو "من دون دراسة لاقليمها ولا محيطها"، كما اشار المهندس جرمون. ووصف المهندس هذه البنايات بأنها مكعبات متشابهة من طبقات عدة، لكنها لا تشكل "مدنا حقيقية"، ولكن "تجمعات اقليمية واجتماعية". أما البروفسور بلحاج فوصف هذه الاحياء بـ
"الغيتوهات" المغلقة والمنعزلة عن باقي المدن.

واعترف وزير الداخلية نور الدين بدوي بان ترحيل سكان الأحياء القصديرية التي كانت "مصدرا لآفات اجتماعية تسبب في مناوشات بين الشباب" في الاحياء الجديدة. وتزيد بوادر الانفجار في بلد يشكل فيه عدد الشباب البالغين بين 15 و29 سنة ربع عدد السكان، وحيث البطالة وسط البالغين بين 16 سنة (السن القانوني للعمل) و24 سنة تبلغ نسبة 26%، بحسب احصائية صدرت في سبتمبر 2016. 

تشترك العصابات في ممارسة جرائم مثل "الاتجار بالمخدرات او الخطف، لكن الرابط القوي الذي يوحدها هو الفقر والحرمان اللذان يشكلان مرتعا للجريمة"، كما اكدت المختصة الاجتماعية فاطمة اوصديق من جامعة الجزائر. وزاد البروفسور بلحاج الى ذلك ان الاتجار بالمخدرات اصبح "وسيلة لتعويض الحرمان الاقتصادي".

وتابع "ما يخيفنا هو ان ننتقل من مجموعات منظمة لسلب الاموال من الناس الى عصابات تهاجم البنوك. في الوقت الحالي يحدث هذا من حين لآخر لكنه اصبح وسيلة لمواجهة الازمة". وتحاول الحكومة ان تتعلم من أخطائها في الاحياء المبنية في السنوات الاخيرة بجعلها مدنا حقيقية تتوافر فيها الخدمات والمدارس والمستشفيات وكذلك المساحات الخضراء.

آثار الحرب الاهلية
لكن العديد من المتخصصين يعتبرون ان العنف هو أيضا من آثار الحرب الاهلية التي أدمت الجزائر في سنوات 1990 واسفرت عن 200 الف قتيل بين قوات الأمن والجيش والاسلاميين المسلحين. وأشار بلحاج الى ان جزءا كبيرا من شباب اليوم هم من مواليد هذه الفترة، كما أن أطفالا كانوا شاهدين على عمليات قتل ضد اقربائهم. 

أدى ذلك الى "صدمة عميقة في وسط السكان ولم يتم معالجتها بشكل ملائم"، كما ذكر مقرر الامم المتحدة الخاص حول الحق في الصحة داينوس بوراس خلال زيارته للجزائر في مايو 2016. واضاف بلحاج انه في مقابل "تراجع حالات الانتحار تحول العنف ضد الذات الى عنف ضد الآخرين".

كما نبه الى عدم الخوف من السلطة قائلا "في السابق كان ملعبًا لكرة القدم يشرف عليه حارسان ل500 شخص، بينما اليوم يتطلب حراسة 200 شخص اكثر من الفي شرطي".