أغضب مرسوم حكومي في تونس قطاع الصحافة والمنظمات التي تدافع عن حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة. والمرسوم المثير للجدل، يمنع موظفي الدولة من تقديم معطيات ومعلومات إلى الصحافة، فسّره البعض على أنه التفاف على الحقوق التي تم تدوينها في دستور تونس الجديد.


مجدي الورفلي من تونس: أثار منشور (مرسوم) حكومي في تونس، يمنع موظفي الدولة من التصريح للإعلام ومدّ الصحافيّين بالمعلومات، موجة إستنكار كبيرة نظرًا لتعارض المنشور مع الدستور الذي ينصّ على حقّ النفاذ للمعلومة بالإضافة الى تقنين ذلك الحقّ في قانون معروف في تونس يسمى "قانون النفاذ للمعلومة"، كما ان البرلمان التونسي يعكف حاليا على تشكيل هيئة النفاذ للمعلومة التي نصّ عليها هذا القانون.

استنكار شديد

اتفق&عدد من المنظمات والهياكل التي لها علاقة بالصحافة والإعلام أو تلك التي تدافع عن حرية التعبير او الحريّات والحقوق في المطلق، على أن المنشور الذي أصدره رئيس الحكومة يوسف الشاهد في اواخر شهر يناير الماضي، "يتعارض كليّا مع حق المواطن في المعلومة والذي وقعت إقراره كحقّ دستوري في الفصل 32 من الدستور الذي وقع تبنيه في جانفي/ يناير 2014"، وطالبت تلك الهيئات والمنظمات بسحب "المنشور عدد 4".

لا تصريح للصحافة

يطالب رئيس الحكومة يوسف الشاهد، من خلال المنشور المثير للجدل الأعوان العموميين بالامتناع "عن الإدلاء بأي تصريح أو مداخلة وعن نشر أو إفشاء معلومات أو وثائق رسمية عن طريق الصحافة أو غيرها من وسائل الإعلام حول مواضيع تهم وظيفته أو الهيكل العمومي الذي يعمل به بدون الاذن المسبق والصريح من رئيسه المباشر او رئيس الهيكل الذي ينتمي إليه".

قالت الحكومة ان الهدف من المنشور يتمثّل في مد الصحافيّين بمعلومات ذات مصداقية وصحيحة والتثبّت منها قبل نشرها.

في حين ان الفصل 32 من دستور تونس ينصّ على ان تضمن الدولة الحقّ في الإعلام والحقّ في النفاذ الى المعلومة، كما يقرّ الفصل ذاته ان الدولة تسعى الى ضمان الحقّ في النفاذ الى شبكات الإتصال، ولكن بعد إصدار رئيس الحكومة منشوره في نهاية يناير الماضي، إعتبرت منظمات محلية ودولية ان الدولة لم تعد هي الضامن للحق في المعلومة بل الجهة التي تمنعها عن المواطن عبر عرقلة حصول الإعلام عليها، وفق تأويل عديد الجهات المستنكرة لما تضمّنه المنشور.

منشور ضبابي

اعتبر النوري اللجمي، رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتّصال السمعي البصري، وهي هيئة دستورية رقابية على قطاع الإعلام السمعي البصري في تصريح لـ"إيلاف" أنّ المنشور الحكومي يمثّل تضييقا على الحريات كما انه مخالف لما ورد في الدستور التونسي والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، خصوصا المادة 19 من هذا العهد التي تنص على الحق في حرية التعبير لكل الأفراد.

ورأى رئيس "الهايكا" (اختصار لاسم الهيئة بالفرنسية HAICA) ان المنشور الحكومي "ضبابي ويسمح بحصول تعد كبير على الحقّ في المعلومة".

أكثر من 15 منظمة ترفض

مع تواصل صمت الحكومة على الإنتقادات وعدم إعلانها سحب المنشور المثير للجدل، إجتمعت يوم الخميس الماضي حوالي 15 منظمة من الهياكل الصحافيّة التونسية ومنظمات المجتمع المدني، من بينها نقابة الصحافيين التونسيين والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (هيئة دستورية) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة المادة 19 وغيرها، واعتبرت في بيان مشترك حصلت "إيلاف" على نسخة منه ان الحكومة تواصل العمل بالمنشور وتماطل في سحبه رغم الالتزام الحكومي بذلك.

أكدت المنظمات والهياكل النقابية رفضها لجملة التضييقيات المتزايدة على الصحافيين ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين في الحصول على المعلومات من الهياكل العمومية منذ صدور المنشور، واعتبرت أن هذا المنشور يتزامن مع سلسلة من التضييقيات التي تستهدف حرية الصحافة مثل تتبع الصحافيّين وإحالتهم وفق قانون الإرهاب.

خطوات تصعيديّة

طالبت تلك المنظمات رئيس الحكومة يوسف الشاهد بسحب المنشور فورا واشراك المهنيين في رسم علاقة العون العمومي بوسائل الإعلام، كما وقع تشكيل خلية لمتابعة مدى استجابة الحكومة لمطالب المنظمات والهياكل الصحافيّة ودراسة الخطوات التصعيدية اللازمة بما فيها المسار القانوني.

الحكومة توضح

ردت رئاسة الحكومة التونسية على الجدل الذي خلفه المنشور، ببيان "توضيحي"، استلمت "إيلاف" نسخة منه.

أكدت الحكومة التزامها بتمكين الصحافيين من النفاذ إلى المعلومة وإبلاغها إلى المواطنين في أفضل الظروف، مشيرة إلى أن "المنشور بما تتضمنه مدوّنة سلوك وأخلاقيات العون العمومي الصادرة بالأمر 3040 لسنة 2014 والمتمثلة أساسا في عدم إفشاء معلومات أو وثائق رسمية حول مواضيع تهم وظيفة العون العمومي دون إذن مسبق من رئيسه المباشر".

كما جدّدت الحكومة في بيانها تأكيدها "الالتزام التام بقانون النفاذ إلى المعلومة وعدم التراجع عن حرية الرأي والتعبير التي تعد المكسب الأساسي من الثورة التونسية"، مشيرة إلى أن "قنوات الاتصال تظل مفتوحة مع الإعلام الوطني والدولي والمجتمع المدني وأن الدولة تسخّر جميع جهودها وإمكانياتها لإنارة الرأي العام وإعطاء المعلومة الصحيحة في الإبان. والتنسيق داخل الإدارات العمومية التي تعد مصدرا للمعلومة الهدف منه بناء خبر صحيح يحترم أخلاقيات الموظف العمومي والمهنة الإعلامية".

يجب تسهيل عمل الصحافيّين

نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري أكّد في تصريح لـ"إيلاف" ان حق النفاذ للمعلومة أصبح حقا دستوريا منذ العام 2014 (تاريخ اقرار الدستور التونسي الجديد) كما تم تدعيم ذلك الحقّ الدستوري بتبني البرلمان قانونًا متعلقًا بالنفاذ الى المعلومة، يخوّل لكل شخص طبيعي أو معنوي بما في ذلك الصحافيين &النفاذ الى جميع المعطيات والوثائق والمعلومات التي بحوزة الهياكل العمومية عدا ما تم استثناؤه بصفة صريحة بمقتضى القانون.

وأضاف البغوري ان المنشور بصيغته الحالية يعرقل عمل الصحافيين في الحصول على المعلومات الضرورية المتعلقة بتسيير الهياكل العمومية ويحد من حق المواطنين في الإعلام والنفاذ إلى المعلومة.

عبّر البغوري عن تفهّمه لسعي الحكومة لتنظيم عمل خلايا الإعلام والاتصال التابعة لها، إلا أن هذا التنظيم يجب أن يكون في اتجاه تسهيل عمل الصحافيين حسب رأيه، وخاصة نفاذهم السهل الى المعلومات واحترام المكاسب التي حققتها تونس منذ الثورة.

وصادق البرلمان على قانون النفاذ للمعلومة في مارس 2016 وسط جدل صاخب بخصوص الاستثناءات التي نصّت عليها النسخة المقدّمة من الحكومة، والتي يمكن ان ترفض خلالها الإدارة مد المواطن او الصحافيّين بالمعلومات، وحاليا يعكف البرلمان التونسي على تشكيل هيئة يُحدثها ذلك القانون الذي اصبح ساريا، وهي هيئة النفاذ إلى المعلومة.

وتختصّ "هيئة النفاذ الى المعلومة" بالبت في الدعاوى المرفوعة لديها في مجال النفاذ إلى المعلومة والقيام بالتحريات اللازمة في حال رفض الإدارة التونسية توفير معلومات، كما تتولى الهيئة متابعتها الالتزام بإتاحة المعلومة من الإدارة الى طالبها، سواء كان مواطنا او صحافيّا.