مجدي الورفلي من تونس: تواصل الدبلوماسية التونسية الترويج لمبادرتها بخصوص التسوية السياسية الشاملة في ليبيا وحشد الدعم الدولي لها، خاصة بعد امضاء ما عُرف باعلان تونس الثلاثي بين وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر في 20 فبراير الماضي.

ويشكّل الوضع الليبي قلقا "عميقا" لتونس وفق تعبير الرئيس الباجي قائد السبسي في كلمة ألقاها خلال القمة العربية في البحر الميّت وتحاول المبادرة التونسية "إيقاف الفوضى والعنف في ليبيا".

وتحاول تونس عبر المبادرة التي أطلقها رئيسها الباجي قائد السبسي بالتنسيق مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقف الفوضى والاقتتال في ليبيا، وبعد إمضاء الدول الثلاث على ما عُرف بإعلان تونس لحل الملف الليبي في 20 فبراير الماضي قامت السلطات التونسية بعديد اللقاءات والاتصالات الدبلوماسية للتعريف بالمبادرة الثلاثية والحصول على دعم دولي لها.

وبعد حوالى الشهرين من إمضاء الدول الثلاث على "اعلان تونس"، أصبحت المبادرة التي ترفض أي حل عسكري في ليبيا معروفة على الصعيد الدولي وتحظى بالدعم الكافي لتكون الملجأ الاول للفرقاء الليبيين في حال كفوا عن التناحر، كما يقول متابعون للشأن الإقليمي خاصة في ظل حالة الجمود السياسي الذي أصبح يميّز الملف الليبي وتركيز المجتمع الدولي على سوريا بالاضافة الى الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تقوم بها تونس ومصر والجزائر.

وتتلخّص المبادرة التي أعلنها الرئيس الباجي قائد السبسي في 15 ديسمبر 2016 إثر لقائه مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في دفع الليبيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية إلى حوار ليبي-ليبي وتذليل الخلافات حول تنفيذ "إتفاق الصخيرات" في المغرب ورفض أي توجه نحو حل عسكري من شأنه أن يؤجج الوضع في ليبيا، ومواصلة دعم دور الأمم المتحدة كمظلة أساسية لأي حل سياسي في البلاد.&

لقاءات متتالية وحفتر يتخلّف

مثلت الأطراف السياسية المتداخلة في ليبيا هدف الدبلوماسية التونسية الاول للتعريف بالمبادرة، إذ اعلنت السلطات التونسية خلال الفترة الماضية عن لقاءات متتالية مع الشخصيات الليبية المؤثرة، ومن ابرز الشخصيات التي التقاها وزير الخارجية التونسي، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بليبيا فائز السراج والنائب المستقيل لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية موسى الكوني.

فيما التقى رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر رئيس مجلس الدولة الليبي عبد الرحمان السويحلي واجتمع الرئيس التونسي برئيس الحكومة اللّيبية السّابق محمود جبريل.

المشير خليفة حفتر لم يتجاوب بعد مع المبادرة التونسية

أكدت الخارجية التونسية ان كل تلك الشخصيات الليبية التي زارت تونس إثر إعلان المبادرة الثلاثية عبّرت عن دعمها لها وقبولها بالعودة للحوار على قاعدتها.

فيما وجّهت السلطات التونسية دعوة للمشير خليفة حفتر لزيارة تونس لكنه الى اليوم لم يلبّها، وقد وصفه وزير الخارجية التونسي في تصريحات إعلامية بـ"الرجل الوطني الذي يمثل جزءا أساسيا وعنصرا مهما في أية معادلة لحل الأزمة الليبية".

دعم الامم والمتحدة والجامعة العربية

وزارة الخارجية التونسية أعلنت ان مبادرة دول جوار ليبيا الثلاث حظيت بدعم الامم المتحدة، فبعد أيام من الإعلان الرسمي عنها في 20 فبراير الماضي، انعقد لقاء بين وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، وأكد كوبلر في تصريحات إعلامية إثر اللقاء ان المبادرة مهمة للغاية لحشد المواقف وتنسيقها.

اما جامعة الدول العربية فقد اعلنت في بيانها الختامي للقمة العربية الـ28 المنعقدة في الأردن دعم مبادرة دول الجوار الثلاثية عبر حوار ليبي – ليبي ترعاه الأمم المتحدة، وتجدر الإشارة الى ان الرئيس التونسي إلتقى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط على هامش اجتماع وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في تونس الأسبوع الماضي.

الدعم الدولي...

بعد التوقيع على إعلان تونس،انطلقت وزارة الخارجية في حشد الدعم الدولي للمبادرة الثلاثية، وقد أعلنت تونس ان المبعوث الأميركي إلى ليبيا "جوناثان واينز" التقى وزير الخارجية التونسي واكد له دعم الإدارة الأميركية لسعي تونس لإيجاد حلّ سياسي على أرضيّة الشرعية الدولية في ليبيا، والاتفاق السياسي في الصخيرات والمؤسسات المنبثقة منه.

كما اكدت الخارجية والرئاسة التونسية ان المبادرة الثلاثية طُرحت على عديد الدول وحظيت بدعمها سياسيّا، من بينها روسيا والصين والمملكة العربية السعودية والتي أكد ملكها سلمان بن عبد العزيز آل سعود خلال لقاء جمعه بالرئيس التونسي على هامش القمة العربية بالأردن اهتمام المملكة بأمن ليبيا واستقرارها ودعمه للمبادرة التونسية لإيجاد تسوية سياسية شاملة ليبية-ليبية بما يعيد الاستقرار لليبيا، وفق ما اعلنته الرئاسة التونسيّة.

تخوّف من تدخّل اجنبي

قال الدبلوماسي التونسي السابق احمد الهرقام في تصريح لـ"إيلاف" ان مبادرة تونس لتسوية سياسية شاملة في ليبيا مردّها تأثيرات الوضع الليبي على تونس إقتصاديا وأمنيا، كما ان التخوف من تدخل عسكري اجنبي في ليبيا يزيد في حدة الفوضى دفع الرئيسين التونسي الباجي قائد السبسي والجزائري عبد العزيز بوتفليقة خاصة الى تجنيد دبلوماسية على اعلى مستوى للترويج للمبادرة دوليّا، على انها جدية".

فوضى الميليشيات في ليبيا أثرت في الأوضاع الأمنية والاقتصادية لدول الجوار تونس ومصر والجزائر

وذكّر الهرقام بما صرّح به الرئيس السبسي لاحدى الوسائل الاعلامية فور إمضاء إعلان تونس، إذ قال الرئيس التونسي: "ماذا سنفعل إذا وجدنا روسيا جارا بتدخلها في الملف الليبي كما حدث الأمر مع الملف السوري ؟ ما هي مبادراتنا إذا اتفق الروس مع الأميركيين والأوروبيين على جدول تدخل في ليبيا ؟ نحن من سيدفع الثمن من أمننا واقتصادنا واستقرارنا. يجب أن نبادر ونجلس إلى الأطراف المعنية بالقضية الليبية محليا وإقليميا".

ضغط لوقف الدعم

ويرى الخبير في العلاقات الدولية التونسي ان ما يقع إعلانه إثر اللقاءات والاتصالات المتتالية التي يجريها وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي مع وزراء ومسؤولين سامين في عديد الدول، مجانب لفحوى تلك الاتصالات. إذ يرجح الهرقام ان تونس والجزائر خاصة تسعيان للضغط لوقف الدعم الخارجي عن كل الاطراف الليبية وأساسا عن المشير خليفة حفتر.

واشار الهرقام إلى ان دور البعثة الأممية حاسم في ابعاد خيار الحسم العسكري نهائيا، ودعم الجهود لإقناع دول بعينها بالكف عن دعم طرف على حساب آخر، وذلك عبر امكانية تفعيل العقوبات ضد معرقلي التسوية السياسية والعمل على اصدار قرار من مجلس الامن الدولي ينص على وقف اطلاق النار وارسال مراقبين دوليين يسهرون على تطبيق القرار.

حركية حول الملف الليبي

اما عن امكانية وصول المبادرة الى تسوية في ليبيا فقد ذهب المختص في العلاقات الدبلوماسية ان مبادرة إعلان تونس نجحت الى الساعة في خلق حركية حول الملف الليبي وقطع مسافة في إلغاء خيار تدخل عسكري مبدئيا، حيث تتصدر حاليا قائمة الحلول السياسية المطروحة للم شمل الفرقاء الليبيين خاصة انها تعترف بأن التسوية يجب أن تكون ليبية-ليبية وان تكون تحت مظلة الامم المتحدة.

عقدة التسوية السياسية

المختص في الشأن الليبي رافع الطبيب أوضح في تصريح لـ"إيلاف" ان المبادرة الثلاثية لا يمكن أن تنجح دون التوصل الى إقناع الاطراف المتقاتلة في ليبيا بتجاوز نقطتين خلافيتين في الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات، وهما التمثلية في المجلس الرئاسي وتعديلها اما بتصغيرها كما يطالب به رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بليبيا فائز السراج او توسيعها كما يطالب المشير خليفة حفتر.

فيما وصف المختص في الشأن الليبي النقطة الخلافية الثانية في اتفاق الصخيرات بـ"العقدة"، والتي يطالب حفتر من خلالها باسناد رئاسة مجلس عسكري له وحذف وزارة الدفاع، وهو ما ترفضه قطعيا قوى الشرق والتي ترى أنه من الممكن أن يرأس المشير حفتر الأركان ولكن وزير دفاع يجب ان يكون من الشرق.