إيلاف: تجاوزت جولة الإنتخابات الرئاسية الفرنسية السياسة الوطنية، وتحولت إلى منافسةٍ بين العولمة والقومية، بين المستقبل والماضي. لكن، في إنتصاره المدوي ليلة الأحد، فاز إيمانويل ماكرون الوسطي ​​لأنه إستفاد من تراثٍ فرنسي تاريخي وثقافي فريد، إذ أراد العديد من الناخبين التغيير لكنهم شعروا بالامتعاض من الغضب الشعبي، الذي قلب موازين السياسة في بريطانيا والولايات المتحدة.&

تفوق ماكرون حاصدًا 60 في المئة من الأصوات، تاركًا خصمه لوبان بأقلية 40 في المئة، علمًا أن مساعدي الأخيرة صرحوا بأن أي رقمٍ أقل من هذا سيعتبر فشلًا ذريعًا.

وسرعان ما زرع فوز ماكرون الفرح في أوساط المؤسسة السياسية في أوروبا، خصوصًا أن وصول لوبان إلى الرئاسة كان سيؤدي إلى وقوع الإتحاد الأوروبي في أزمة كبيرة.& أما إنتصار ماكرون (39 عامًا) فكان وليد الحظ، وإستعراضًا غير متوقع للمهارات السياسية، مصحوبًا بالمخاوف والإحتقار، اللذين تشعر بهما أغلبية الفرنسيين تجاه لوبان وحزبها "الجبهة الوطنية".

فشل محتم

كان تحدي لوبان مختلفًا، لأن التاريخ الفرنسي مختلف. فهي أمضت السنوات الست&الفائتة رئيسة للجبهة الوطنية تركز على هدفٍ واحد: إزالة صلة حزبها بالمتعاونين السابقين والمتطرفين اليمينيين والعنصريين الذين يكرهون المهاجرين ومعادي السامية.

فلوبان عرفت أنها ستكون دائمًا مرشحة أقليةٍ، طالما أنها تذكر الفرنسيين بأكبر وصمة عارٍ في تاريخهم: السنوات الأربع&لحكم اليمين المتطرف خلال الحرب العالمية الثانية، وهي ذكرى لا يريد الفرنسيون أن تعود من جديد.

في النهاية، فشلت لوبان خلال الحملة عندما إجتذبت مسيراتها الغاضبة الجبهة مرةً أخرى بلا هوادة إلى المستنقع الذي نشأت منه. ثم فشلت أكثر في إحدى اللحظات الحاسمة للحملة، خلال نقاش الأسبوع الماضي مع ماكرون، عندما أعادت الشعب بالذاكرة إلى تاريخ حزبها المستفز، بحسب ما أشار إليه معلقون فرنسيون، إذ كان النقاش ساعة مشحونة بإطلاق الصفات المسيئة ضد ماكرون لقاء نقصٍ واضح في الخطاب الهادف، فيما كانت تركز على أبرز القضايا التي تدعمها: الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي – وهي نفسها القضية التي تعارضها أغلبية الفرنسيين.

دور الحظ&

أما ماكرون فأثبت إتقانه التعامل مع القضايا الحرجة التي تواجه البلاد ليبقى له اليوم أن يترجم كلماته أفعالًا ونتائج ملموسة على أرض الواقع. حتى الآن، كان الحظ حليفه.

قبل أربعة أشهر، كان وحركته يُعتبرون واعدين للمستقبل، لكن غير ناضجين. ويبدو أن الفرضية المتصاعدة لخطابه كانت سيفًا ذا حدين جذب ناخبين وأبعد آخرين. إذ بدأت مسيراته بالحماس لكن سرعان ما تراجعت تحت وطأة خطاباته.

لكن هذا كله كان قبل فضيحة الإختلاس التي طالت المرشح فرنسوا فيون، والتي أدت إلى تقدم ماكرون في الإنتخابات العامة في أبريل الماضي ووصوله إلى المنافسة النهائية مع لوبان. فقد أدلى العديد من داعمي فيون بأصواتهم لصالح ماكرون- على الرغم من ترددهم- رافضين لوبان وتاركين ماكرون أمام حظ وافر للفوز أمامها نسبة لقلة شعبيتها.

ذكاء ومهارات&

لكن لا يمكن إنكار أن ماكرون برهن عن مهارات كبيرة منذ البداية، تفوق فيها على ما أظهره السياسيون الأكبر منه سابقًا. فهو، تخلى أولًا، وبحكمةٍ، عن فرانسوا هولاند، الرجل الذي أعطاه الفرصة والرئيس الإشتراكي الذي لا يحظى بشعبيةٍ كبيرة. فترك منصبه وزيرًا للإقتصاد في حكومة الأخير قبل فوات الأوان. ثم رفض المشاركة في مؤتمر الحزب الإشتراكي في يناير، وكان حكمه في محله حين قال إن نشطاء الأحزاب سيكونون مسيطرين وسيختارون مرشحًا من اليسار المتطرف لن يستطيع منافسة اليساري جان لوك ميلانشون – وهو ما حدث.

أما رهان ماكرون الأخير والصائب فكان أن الناخبين الفرنسيين، كغيرهم في أماكن أخرى، يشعرون بالإشمئزاز من الأحزاب الرئيسية التي فشلت في التعامل مع الأزمات المتعددة في فرنسا.&

لذلك، وضع نفسه في موقعٍ مركزي مستندًا إلى اليسار واليمين، ومحققًا موازنة حماية دولة الرفاه الفرنسية مع تشجيعٍ خفيف للأعمال التجارية، في محاولةٍ منه لإختراق العمالة وركود الإنتاج في فرنسا.

لكن آراء ماكرون الموالية للسوق أثارت الكثير من المعارضة، حيث لم يرفض ميلانشون تأييده فحسب، بل شجع أيضًا على فكرة أن ماكرون ولوبان لا يختلفان في شيء- وهي فكرة جعلت أصوات نصف الناخبين في الجولة الأولى تذهب للمرشحين المعادين للسوق الحرة والرأسمالية. حتى لو صوتوا لصالح ماكرون يوم الأحد الفائت، فقد فعلوا ذلك لإنقاذ البلاد من لوبان، وجاءت مبادرتهم من دون حماس يذكر.

&

&

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط التالي:&

https://www.nytimes.com/2017/05/07/world/europe/why-macron-won-france.html?_r=0

&