من قصاصة ورقية إلى نظرية النسبية، ثمة من يقوّل ألبرت آينشتاين ما لم يقله ربما، برغبة إنسانية في وجود شخصيات مرجعية تجسدها صفتا الأيقونية والعبقرية.

إيلاف: في أواخر عام 2017، عُرضت للبيع في المزاد قصاصة ورق كُتبت عليها جملة من 13 كلمة ألمانية بخط يد ألبرت آينشتاين. وكان آينشتاين كتب العبارة، وأعطاها إلى عامل فندق ياباني، خلال زيارته طوكيو في عام 1922، إما لأن العامل رفض أن يأخذ بقشيشًا بحسب العادة المتبعة في اليابان، أم لأن آينشتاين لم تكن لديه فكة.

الهادئة والمتواضعة
بدأت المزايدة على القصاصة من 2000 دولار، وفي النهاية بيعت بسعر 1.56 مليون دولار. كتب آينتشاين على القصاصة: "إن الحياة الهادئة والمتواضعة تحقق سعادة أكبر من البحث عن النجاح بقلق دائم". وكان آينشتاين يعيش أسعد أوقاته حين يُترك مع معادلاته الرياضية أو مع مجموعة مختارة من زملائه الفيزيائيين والرياضيين.

القصاصة التي بيعت بأكثر من مليون دولار

كتب آينشتاين عن شهرته قائلًا إنه لم يفهم قط لماذا تلقى نظرية النسبية بمفاهيمها ومسائلها البعيدة كل البعد عن الحياة العلمية مثل هذا الاهتمام الشديد بين دوائر واسعة من الجمهور.

اليوم، آينشتاين أكثر من يُقتبس بين العلماء في تاريخ العالم، أكثر من أرسطو وغاليلو ونيوتن وداروين وستيفن هوكينغ، ويتقدم بفارق كبير على معاصريه من غير العلماء، مثل ونستون تشرتشل وجورج أورويل وجورج برنارد شو.

كما هو متوقع، يُقتبس آينشتاين بوصفه مرجعًا في العلم. وعلى سبيل المثال، قوله: "إن أكثر الأشياء استعصاء على الفهم عن الكون هو أنه قابل للفهم". لكنه يُقتبس في أحيان أكثر عن جملة قضايا ليست علمية، بينها التعليم والذكاء والسياسة والدين والزواج والمال والموسيقى.

موضوعات مختارة
عن التعليم، يُنسب إليه: "إن التعليم هو ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة". وعن الذكاء، "إن الاختلاف بين العبقرية والغباء هو أن للعبقرية حدودها". وعن السياسة، "إن الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه المرة تلو الأخرى وتتوقع نتائج مختلفة".

عن الدين، يقول: "إن الله لا يلعب النرد"، وعن المال: "ليس كل ما يمكن أن يُحسب له حسابه، وليس كل ما له حسابه يمكن أن يُحسب". وعن الحياة عمومًا: "يجب جعل الأشياء بسيطة قدر الإمكان، ولكن ليس أبسط من ذلك".

هناك عدد من الاقتباسات المزورة، لُفق لاستغلال سمعة آينشتاين بوصفه عبقريًا وعقلًا استثنائيًا. بكلمات أخرى، إن الاقتباسات المنسوبة إلى آينشتاين تتباين تباينًا واسعًا في صدقها. يمكن نسب العديد منها إلى كتاباته في الأصل، والبعض إلى ذكريات أشخاص عرفوه، والبعض الآخر أقوال تحورت وتغيرت بمرور الوقت. بعض الأقوال شبيهة بتفكيره، أو تبدو منسجمة مع سلوكه الشخصي، لكنها ليست له في الحقيقة. هناك أقوال منسوبة إليه كذبًا بكل بساطة، ومنها اقتباس سيء الصيت ينقل عن آينشتاين اعتباره التنجيم علمًا.

فما سر هذا الافتتان بآينشتاين إلى حد اقتباس أقواله، بل حتى فبركتها، ثم نسبها إليه، عسى أن تكون لها صدقية؟، لا بد من أن يكون الجواب متنوعًا ومعقدًا وفريدًا، مثل الرجل نفسه وحياته، لكنه يكمن بكل تأكيد في عبقريته العلمية. لكن، لا بد من أن يكون في جاذبية آينشتاين ما يتعدى مجال العلم وقوته الفكرية. وفي عام 2005، عزا العالم البريطاني وكاتب روايات الخيال العلمي والمستشكف والمخترع آرثر كلارك، شهرة آينشتاين العالمية المستمرة إلى "جمعه بصورة فريدة بين العبقري والإنساني والمسالم وغريب الأطوار".

الرجعية الخائفة
يُلاحظ أن كل القضايا العامة التي أيّدها آينشتاين كانت عادلة، والعديد منها يتطلب شجاعة. فهو وقف ضد معاداة السامية والتمييز العنصري وقتل السود لأسباب عرقية في الولايات المتحدة وضد الحملة المكارثية على المثقفين والنقابيين في أميركا بتهمة الشيوعية وضد بناء المجمع العسكري-الصناعي وضد خطر الحرب النووية، في وقت كان من الصعب تبني هذه القضايا. 

وبدلًا من أن يرفل آينشتاين في شهرته ويستمتع بالفيزياء والموسيقى، ناضل ضد الظلم أينما كان يعتقد أن اسمه وشهرته يمكن أن يحدثا التأثير المنشود.

حقيقة أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إدغار هوفر كان مصممًا على الإيقاع بآينشتاين بوصفه متعاطفًا مع الشيوعية في الفترة من 1950 إلى 1955 تبيّن كيف كانت القوى الرجعية تنظر بخوف إلى مواقف آينشتاين.

الجدير بالذكر أن آينشتاين نفسه كان معجبًا بمهاتما غاندي ويشاركه زهده بالنجاح المادي. وفي عام 1952 وصف غاندي بأنه "أعظم عبقري سياسي في زمننا". وقال إن نضال غاندي من أجل تحرير الهند شهادة حية على أن إرادة الإنسان أقوى من القوى المادية التي تبدو قوى لا تُقهر.

كان موقف آينشتاين من الدين موضع اهتمام يتخطى الأوساط الدينية. وقال البيولوجي الملحد ريتشارد دوكينز أن آينشتاين كان روحيًا بعمق "وما من ملحد يجب أن يفترض أن بإمكانه أن يعطي آينشتاين دروسًا في الروحانية".

تقويل آينشتاين
عن تأثير آينشتاين في المبدعين، بُذلت محاولات لربطه بأعمال كتاب حداثيين مثل تي. أس. إليوت وفرجينيا وولف ولورنس دوريل وحتى ربط النظرية النسبية بتكعيبية بيكاسو.

من المغري هنا اقتباس تعليق آينشتاين على الفلاسفة، حين قال: "كلما عرفوا أقل عن الفيزياء زاد تفلسفهم"، وكذلك تحذير الفيزيائي بول ديراك من ربط العلم بالفن حين قال: "في العلم، يحاول المرء أن يقول بطريقة مفهومة للجميع شيئًا لم يعرفه أحد من قبل، لكن في الشعر يكون الأمر معكوسًا بالكامل".

يشير ما سبق كله إلى أن ظاهرة تقويل آينشتاين أشياء لم يقلها مدفوعة إلى حد بعيد برغبة انسانية في وجود شخصيات مرجعية تجسدها صفتا الأيقونية والعبقرية. وعندما شاعت النظرية النسبية في العشرينات افترض كثيرون أنه بالامكان أن يُنسب إلى آينشتاين القول إن كل شيء نسبي، بما في ذلك الحقيقة، وإن كل الملاحظات ذاتية، وإن كل شيء ممكن.

كما قال الكاتب والمؤرخ والإذاعي الأميركي اليهودي ستادس تيركل، يحب اقتباس آينشتاين: "لأن لا أحد يجرؤ حينذاك على أن ينقضني". في قول تيركل مفارقة كبيرة إزاء عدم ثقة آينشتاين طيلة حياته بالمراجع، وخاصة في الفيزياء أو التعليم أو السياسة. وفي عام 1930، كتب آينشتاين إلى صديق مجهول: "لمعاقبتي على إزدرائي المرجعية، شاء القدر أن يجعلني أنا نفسي مرجعًا".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "أيون". الأصل منشور على الرابط:
https://aeon.co/essays/why-do-we-love-to-quote-and-misquote-albert-einstein