يصنف العلماء البدانة على أنها مرض، في وقت تزداد الأدلة العلمية يوما بعد يوم على العلاقة التي تربطها بأمراض العصر الأخرى ومضاعفاتها.

 برلين: في اكتشاف يفتح آفاق البحث عن علاج بديل يحد من تقدم الأمراض الناجمة عن البدانة وعن داء السكري، تمكن العلماء من التوصل إلى علاقة وطيدة تربط بين دهون البطن وأمراض الجسم الأخرى، مؤكدين على أن شحم البطن يحمل بروتينا يتسلل إلى الدم، قادر على إحداث اضطرابات في عمل أعضاء الجسم.

ويموت نحو 3 ملايين انسان سنوياً على المستوى العالمي سبب مضاعفات البدانة والسكري بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية. وتزداد الأدلة العلمية يوماً بعد يوم على الترابط الوثيق بين السمنة والسكري وأمراض القلب والدورة الدموية ومضاعفاتها.

البدانة وصحة البشر

ويتحدث العلماء الألمان الآن عن اكتشاف مهم يعد بعلاج جديد لمخاطر البدانة على صحة البشر. وعمم المركز الألماني لداء السكري تقريراً صحفياً يقول إن العلماء كشفوا سر خطورة دهون البطن على صحة المرضى، وخصوصاً المعانين من داء السكري.

ويقول التقرير إن الباحثين كشفوا عن بروتين معين في دهون البطن يتدخل في عملية استقلاب الغلوكوز، ويرفع مقاومة الجسم للانسولين، ويبعث الاضطراب في عمل الكبد.

دهون "الكرش" تتسلل

والمهم في هذا البروتين انه يتسلل من دهون البطن إلى الدم لدى أصحاب البدانة المفرطة، ويسهم بهذه الصورة في مفاقمة الأمراض الأخرى في الكبد والقلب والكليتين والأعضاء الحيوية الأخرى.

وجاء في تقرير المركز الألماني للبدانة ان هذا الكشف يفتح آفاق البحث عن علاج بديل يوقف تقدم الأمراض الناجمة عن البدانة وعن داء السكري. وسينشر التقرير قريباً في مجلة"ديابيتولوجيا" التي تعنى بمرض السكري.

"الكرش" ثقيل على القلب 

ومعروف أن الحملة الألمانية في يوم الكوليسترول الألماني (24 يونيو من كل عام) ترفع منذ العام الماضي شعار "الكرش ثقيل على القلب". 

إذ ترتفع مخاطر البدانة على القلب كلما تعدت مقاسات البطن حدود 88 سم للنساء و102 سم للرجال. ولهذا فأن هدف حملة "الكرش ثقيل على القلب" التي انطلقت في ألمانيا في يونيو الماضي هدفها الصحة والرشاقة في آن واحد.

ويرى البروفيسور الفريد فيرت، من جمعية البدانة الألمانية، أن الشحم الخارجي (البطن) يكشف مخاطر أعراض القلب والدورة الدموية على الإنسان، إلا أنه من الضروري التثقيف بمخاطر "الشحم الداخلي" أيضاً.

مقاسات البطن تحدد عمرك

وحذر فيرت من أن "الكرش الداخلي" لا يقل خطراً من "الكرش الخارجي" في تعريض الناس إلى مخاطر ارتفاع ضغط الدم وداء السكري واضطراب استقلاب الشحوم. ويمكن للبطن الذي يتعدى حدود 102 سم أن يقصر حياة صاحبه بنحو 5-7 سنوات.

بروتين يسبب أمراضاً خطيرة

وكتب الباحثون انهم توصلوا إلى أن البروتين المسى (Wingless-type signaling pathway protein-1, WISP1) هو المسؤول في دهون البطن عن تفاقم الوضع الصحي للبدناء. إذ يؤثر هذا البرويتن بشكل مباشر على عمل الإنسولين في العضلات وفي الكبد ويؤدي إلى زيادة مقاومة جسم الإنسان لهذا الهرمون.

وسبق لدراسات علمية أخرى أن رجحت مسؤولية بروتين WISP1 عن أمراض خطيرة أخرى مثل ضمور العظام ونشوء عدد من الأمراض السرطانية وتليف الرئتين.

وكتبت تينا هوربلت، من المركز الألماني للسكري في دسلدورف، ان الدراسة ترجح ان فرز بروتين WISP1 بكميات كبيرة من الخلايا الدهنية في البطن هو المسؤول عن اضطراب عملية استقلاب الغلوكوز عند البدناء.

وثبت من الدراسة وجود علاقة مباشرة بين ارتفاع نسبة هرمونWISP1 في الجسم وبين ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم. وظهر أيضاً ان هذا البروتين يرفع من معدلات انزيم Hämoxygenase-1 (HO-1) في الدم، وهو الأنزيم الذي ثبت للعلماء انه يطلق عملية الالتهابات المزمنة التي تصيب البدناء.

نقص الأوكسجين كسبب

ويمكن تفسير زيادة فرز هرمون WISP1 في الخلايا الدهنية في البطن على أساس قلة الأوكسجين الذي يصل إلى هذه الخلايا الدهنية، بحسب رأي الدكتورة اولغا بيفوفروفا من معهد التغذية الألماني في بوتسدام.

إذ أن تراكم الدهون في البطن يؤدي إلى قلة وصول الدم إلى الخلايا الدهنية في البطن الخارجي... ومعروف أساساً أن انتشار الدم في الشحوم السميكة أقل من انتشاره في الأنسجة الأخرى، وهذا يعني انها لاتحل على مايكفي من الأوكسجين.

وتضيف بيفوفرونا ان البحث مستقبلاً سيتركز على البحث عن عقاقير تكبح عمل بروتين WISP1 على العضلات والكبد. إلا أن بلوغ هذه المرحلة سيحتاج إلى بحوث أخرى قد تمتد لسنوات.

ثقيل على ميزانية الدولة

جدير بالذكر أن "جمعية البدانة الألمانية" عبرت قبل فترة عن خشيتها من تحول نصف الشعب الى مفرطي البدانة خلال40 عاماً اذا استمر الانسان في التغذي بهذه الصورة المشوهة. 

ولاحظت الجمعية ان زيادة استهلاك الأطعمة الجاهزة والدهنية لا ترهق المعانين منها بمخاطر الأمراض اللصيقة بالبدانة وانما ترهق ميزانية الدولة أيضا بثقلها. فان الأمراض الناجمة عن البدانة تكلف شركات التأمين التابعة للدولة مبلغاً تقدره "جمعة البدانة الألمانية" بحوالي 20 مليار يورو سنوياً.

وكشفت الجمعية ان عدد ضحايا البدانة وأمراضها يرتفع في ألمانيا الى 60-80 ألفاً لكل مليون مواطن.