إيلاف من برلين: تعزو منظمة الصحة العالمية ثلث الأمراض السرطانية إلى عادات البشر في التغذية والتدخين وغيرها. ويعتبر التدخين حتى الآن عامل الخطورة الأول في نشوء الأورام السرطانية المختلفة، لكن الاطباء الألمان يعتقدون أن البدانة ستزيح النيكوتين عن"عرش" السرطانيات في قائمة عوامل الخطورة.
وذكر البروفيسور هارتموت بيرتز، من قسم الأمراض الباطنية في جامعة فرايبورغ الطبية، أن البدانة ستحل قريباً محل النيكوتين كأهم مسبب للأمراض السرطانية. وقال بيرتز في مؤتمر صحفي عقد في فرايبورغ انه سيطرح تقريره عن العلاقة بين البدانية والسرطان إلى المؤتمر السنوي حول التغذية في21 يونيو المقبل في مدينة كاسل الألمانية.
أشار بيرتز أيضاً إلى دراسة سيطرحها في المؤتمر تشي بان النساء البدينات من مؤشر جسم-كتله يزيد عن35 يرفعن مخاطر تعرضهن للأمراض السرطانية، مقارنة بالرشيقات، بنسبة90%.
إذ يعتبر سرطان الثدي من أكثر الأمراض السرطانية شيوعًا بين النساء الغربيات. ولا يلعب العامل الوراثي هنا دوراً في نشوء ما يزيد عن3% من الحالات في حين تتزايد الشكوك حول الحياة المعاصرة في حصول نسبة عالية من الحالات الأخرى. وبالنظر إلى صعوبة فصل البدانة عن أمراض عصر "الكسل" الذي نمر به فإن زيادة وزن النساء تزيد من مخاطر هذا السرطان.
وتشير الدراسة إلى إن اكثر النساء عرضة إلى سرطان الثدي هن النساء البدينات، يشربن الكحول باستمرار، ممن واتتهن العادة الشهرية في وقت مبكر جداً، تأخرن جداً في الحمل وممن تناولن حبوب الهرمونات لفترة خمس سنوات في الأقل خلال حلول فترة سن اليأس.
وأصبح من البديهي في العلم ان يكون الرشقاء، من الجنسين، اقل عرضة من غيرهم للأمراض الخطيرة. ولايقلل الخبراء من دور الحركة والرياضة في نشوء الأمراض السرطانية أو انعدامها، كما انهم يؤكدون على ضرورة التغذية الموزونة والمبرمجة بالضد من التغذية العشوائية المشحونة بالدهون والسكريات.
مخاطر أكبر لانتقال السرطان أيضاً
ويؤكد البروفيسور بيرتز ان عوامل البدانة وقلة الحركة مجتمعة تتغلب منذ الآن على التدخين في أسباب نشوء الأمراض السرطانية غير الوراثية. وبالعكس، بحسب رأيه، يقل احتمال الاصابة بالسرطان مع انخفاض الوزن وزيادة الحركة، بل ان احتمال انتقال الورم السرطاني إلى اعضاء حيوية أخرى يزداد عند البدناء بشدة فياساً بغيرهم.
ويرى ان خطر البدانة على القلب والدورة الدموية معروف للجميع، إلا ان علاقة البدانة بالسرطان مجهولة نسبياً. ولذلك يود بيرتز في مرتمر كاسل "ترسيخ" هذه المعلومة في عقول الأطباء والمرضى على حد سواء.
إن آلية العلاقة بين البدانة والسرطان ما تزال غير مفهومة ويحتاج العلم إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لكشفها، إلا أن من الممكن في الفترة الحالية التكهن بما يحدث. فمن المحتمل أن تخل البدانة المفرطة بعملية الاستقلاب، وتخل بالتوازن الهرموني داخل الجسم وتؤدي إلى انفلات فرز الانسولين والاستروجين بما يحفز الخلايا في الجسم للنمو بشكل استثنائي إلى أورام سرطانية.
مرضى السرطان يموتون بسبب سوء التغذية
المفارقة في موضوع العلاقة بين البدانة والسرطان هي ان مرضى السرطان البدناء، وذلك بعد العلاج الجراحي و الشعاعي أو الكيمياوي، يموتون بالنحافة. إذ يفقد المريض شهيته للأكل وللحركة ويفقد بالتالي كل الكيلوغرامات التي جمعها سابقاً قبل أن يمرض.
واضاف البروفيسور كريستيان لوزر، المتخصص بالتغذية من مشفى نوردهيسن، ان من طبيعي أن يؤثر فقدان الشهية والوزن سلباً في نتائج العلاج السرطاني، وتموت نسبة20-30% من مرضى السرطان في النهاية بسبب التدهور الصحي الناجم عن سوء التغذية وليس بسبب المرض أو مضاعفات العلاج.
وتدفع هذه الحقيقة الأطباء إلى التفكير جدياً في معالجة مرضى السرطان تغذوياً ونفسياً ورياضياً اسوة بأنواع العلاج الأخرى التي تستهدف الورم السرطاني. ومن الضروري هنا ان يبدأ العلاج التغذوي بشكل مبكر وقبل أن يصل المريض إلى مرحلة "الدنف" Kachexie.
والنهكة أو الدنف أو الحَرَض أو متلازمة الهزال هو فقدان الوزن، ضمور العضلات والتعب، وضعف وفقدان كبير للشهية عند شخص لا يسعى بنشاط إلى إنقاص وزنه. ولذلك فان الأطباء سيطالبون في مؤتمر كاسل حول التغذية بإلزامية العلاج التغذوي في علاج السرطان في كافة المستشفيات.
حياة أطول
استشهد البروفيسور لوزر، الذي شارك البروفيسور بيرتز في المؤتمر الصحفي، بدراسة اميركية سابقة تقول أن مخاطر السرطان لدى البدناء ترتفع بنسبة 50% عنها بين الرشيقين.
إذ خلصت الباحثة الأميركية يوجينا كول إلى هذا الاستنتاج بعد دراسة استمرت اكثر من16 سنة وشملت عدداً كبيراً من الناس. واضاف ان الباحثة حللت معطيات أكثر من مليون شخص خلال هذه الفترة وهو رقم استثنائي في مثل هذه الدراسات. وتعتقد كول أن كل سادس حالة موت بسبب أحد أنواع الأورام السرطانية يمكن عزوها إلى الوزن الثقيل.
أن نسبة ثلثي الرجال الألمان، وثلث النساء الألمانيات من مؤشر جسد-كتلة يزيد عن25، هم من المخطورين أكثر من غيرهم بالإصابة بسرطان المريء. وثبت أن البدين غير المدخن من عمر40 سنة يعيش ثلاث سنوات أقل من زميله غير المدخن والرشيق.
التعليقات