عبد الرحمن الراشد

إقصاء زين العابدين بن علي كان سهلا، في 3 أسابيع خرج إلى غير رجعة، لكن خلافته تبدو مشكلة عويصة، وربما خطرة.. فغيابه خلق فراغا يجعل من الصعب معرفة من سيملأه. الاحتمال الأول: أن يستمر النظام نفسه، كما هو حاصل اليوم، على اعتبار أن الرئيس فقط هو من سقط، وظل النظام واقفا بمؤسساته السياسية والتشريعية والأمنية والعسكرية. في هذه الحالة يحاول خلفاء بن علي، أو يريدون، منح أنفسهم الشرعية من خلال التذكير بأن حزب التجمع الدستوري هو الذي حارب الاستعمار، وما بن علي إلا شخص تسلق جدرانه، ومن خلال توسيع دائرة الحكم بإشراك المعارضة لتكون ضمن النظام. لو نجح سيضمن لتونس الاستقرار، ويضمن نجاح laquo;الثورةraquo;.

الاحتمال الثاني: أن تُسقط الاحتجاجات والتجاذبات النظام الحالي، وتتصدر البلاد المجاميع المعارضة التي كانت ممنوعة باعتبارها ممثلة للثورة التي أسقطت بن علي. المعارضون يقولون إن الجماهير تظاهرت ضد النظام، لا الرئيس وحده، ويعتبرون أنفسهم الشرعية الحقيقية.

والاحتمال الثالث: أن يؤدي التنازع على الحكم إلى الفوضى، مما يبرر للجيش التدخل وتسلم الحكم بحجة حماية البلاد. وهنا تواجه تونس أحد نموذجين: أن تكون مثل السودان؛ حيث يجلس العسكر على الحكم منذ 30 عاما، الذين أخذوه تحت شعار laquo;الإنقاذraquo;. أو النموذج الجزائري؛ حيث إن العسكر هم حماة النظام السياسي الجديد، يشاركون في صياغة الحكم المدني، لكنهم لا يديرونه بشكل تفصيلي ولا يظهرون في الصورة.

الاحتمال الأسوأ: أن تفشل الاحتمالات السابقة كلها وتسقط تونس في فوضى تصبح عميقة مع تأخر الوقت. ووضع تونس، مثل لبنان، على الرغم من صغره، يمثل العصب الحساس لمنطقة المغرب العربي، ويؤثر في الجالية المهاجرة في دول أوروبا المتوسطية. وهو، مثل لبنان، اقتصاديا، عالة على تحويلات مهاجريه، وعلى علاقاته الخارجية لكسب موارده السياحية وصادراته إلى الأسواق القريبة. وكل يوم يضيع، ويعجز سياسيو تونس عن الاتفاق أو الحسم كلما فقدوا السيطرة على قرارهم، بحيث يتحولون إلى رهينة للظروف الإقليمية لا الداخلية فقط.

بالتالي، فإن الحسم اليوم، على الرغم من المظاهرات والاحتجاجات والصخب والاشتباكات بين الأحزاب، يظل أسهل من الحسم غدا عندما تصبح تونس محط تجاذبات داخلية وخارجية إلى درجة ربما يستحيل معها الخروج من النفق.

وحتى لا أكون متشائما، فإن ما نشهده، على الرغم من غرابته والدراما المشحونة، وضع طبيعي أفرزته مرحلة 20 سنة من زمن بن علي، الذي خلق كيانات موالية فقط، همشت الآخرين، ولنتذكر أن هذه ثورة بلا رأس ولا مرجعيات، بل تلقائية، بدأت اقتصادية وانتهت سياسية. وتونس ليست جديدة على النشاط السياسي، بل قديمة ومتمرسة؛ لهذا نرى في الشارع الشيوعيين والتقدميين والليبراليين والإسلاميين، وحتى من داخل النظام الذي لم يكن يوافق بن علي، وهناك معارضة مختبئة في الداخل ومعارضة منفية في الخارج، جميعها اليوم تصرخ بأعلى صوتها تريد أن يكون النظام الجديد وفقا لرؤيتها.

ومن الأفضل لاستقرار البلاد وسلامتها أن يكون الانتقال سلسا ومؤطرا بطريقة تعطي الفرصة للتوانسة أن يقرروا مستقبلهم من خلال النظام القائم، أي: أن يبقى الهيكل ويفتح أبوابه للجميع ليشاركوا في الانتخابات الموعودة، التي ستكون، قطعا، أكثر نزاهة وتمثيلا من أي انتخابات في العهد القديم. احتمال ممكن مما نراه من التزام بالدستور، وإفراج عن المساجين السياسيين، وإشراك القوى كلها على الأرض، والإعلان عن فترة محددة لإجراء انتخابات حرة.. هذا مؤشر جيد يدعو للتفاؤل إن تمكن من فرض نفسه بدعم القوى السياسية الرئيسية وتأييد المؤسسة العسكرية.