داود الشريان

كل الثورات والانقلابات العسكرية في العالم كان لها قيادة. في تونس ثورة بلا قيادة. الانفلات، حتى الآن، هو سيد الموقف في تونس. المشهد التونسي يذكرنا بحال العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. اختلط اللص بالغاضب، وصار يصعب انتزاع الأمل من الخوف والقلق، والمصير المجهول. أصبح التونسي وكأنه يقايض الحرية بالأمن. الأمن ليس له ثمن. الأمن هو مدماك الحياة، ومفتاح الأمل والسياسة.

الأحداث التي تشهدها تونس أكدت حقيقة مفزعة، هي أن بعض الدول العربية هش على نحو مخيف. تونس بكل أحزابها ومؤسساتها وثقافتها وجامعاتها العريقة، انهارت خلال ساعات. وفي العراق غابت الدولة عن المشهد بعد وقت قصير من دخول القوات الأميركية. كأن الولاء في هذه الدول للأفراد وليس للدولة. إذا غاب الزعيم انهار كل شيء. منذ عقود ونحن نسمع شعار laquo;دولة المؤسساتraquo; في خطاب بعض الدول العربية، لكن الأحداث المتوالية في المنطقة، كشفت زيف هذا الشعار. حين اشتعلت ضواحي باريس، وخرج المهاجرون الى الشوارع، وأحرقوا الأخضر واليابس، راهن بعضهم على ان فرنسا ستواجه أزمة ستفضي الى نتائج خطيرة، لكن ما جرى لم يعكّر حركة السير في شوارع باريس، فضلاً عن ان يهز البلد ويربك النظام. وشهدت ولاية كاليفورنيا صوراً أفظع، لكنها ظلت شغباً محدوداً رغم اتساعه.

لا شك في ان عوامل القمع والبطالة والفقر والفساد، هي من أودى بنظام زين العابدين بن علي، ومن قبله صدام حسين، لكن ثمة فرق بين زوال النظام وخراب البلد وتقسيمه. تونس مرت بانتفاضات شعبية على مدى تاريخها الحديث، لكن تلك الانتفاضات لم تدفع الناس الى التفريط في أمنهم وممتلكاتهم، والسبب أن نظام بن علي عبث بحقوق الناس، وخلق حالاً من القهر، فضلاً عن انه اضعف مؤسسات الدولة وهمّش دورها، واختصر البلد في الرئيس.

الأكيد أن الشعب التونسي يمارس الآن التنفيس عن سنوات الحرمان والقمع، لكنه ربما أفاق بعد قليل على واقع مفزع، ووجد نفسه في يد نظام لا يستحق كل هذه التضحيات. والسؤال هو: من سيحكم تونس؟ وهل سيكون مصيرها مثل مصير العراق وإيران؟