عبدالعزيز صباح الفضلي

تمر على المسلمين هذه الأيام الذكرى التسعون لمصيبة هي من أعظم المصائب التي مرت على الأمة الإسلامية ألا وهي سقوط الخلافة الإسلامية، ففي 1924/3/3 تم الإعلان عن سقوطها على يد عميل الغرب مصطفى كمال أتاتورك، والذي تعهد لهم بطمس الهوية الإسلامية فقام بإلغاء الأحكام الشريعة واستبدل الحروف العربية باللاتينية، وألغى الأذان باللغة العربية، ومنع الحج، وأمر بلبس القبعة بدلا من الطربوش، وحارب الحجاب...

ولم تكن الخلافة الإسلامية لتسقط لولا الدور الذي قام به المخدوعون من العرب في إضعاف الدولة العثمانية، ووضع يدهم مع الغرب الكافر، مقابل وعود بالحرية والاستقلال عن السلطان العثماني، ولم تكد الخلافة الإسلامية تسقط حتى اكتشف العرب أنهم كانوا يجرون وراء سراب، وأنهم كانوا سذجا حين صدقوا الوعود البريطانية، إذ تم تقسيم البلاد العربية لتكون تحت الاحتلال والنفوذ البريطاني والفرنسي بحسب ما تم الاتفاق عليه سرا بين البلدين عام 1916 والمعروف باتفاقية سايكس بيكو.

وظلت الأمة العربية تتجرع الويلات من هذا الاحتلال الذي نهب ثرواتها واستغل مواردها وتحكم في معابرها، وصادر حريتها وقراراتها، وسعى لتغيير هويتها العربية والإسلامية.

وخطط الغرب لايجاد ودعم قادة وزعماء في معظم البلاد العربية يكونون في الحكم بعد نيل استقلالها على أن يبقى الولاء والطاعة لهذا المحتل الأجنبي.

وبقيت الشعوب العربية تئن وتعاني من حكومات ساستها بالحديد والنار، وتَعاقَب على سدة الحكم فيها قادة عسكريون أو مدنيون، ينقلب بعضهم على بعض أو يورث بعضهم بعضا، ولم تستثنَ من ذلك إلا بعض الدول التي جعلت الفاصل في الحكم بينها وبين شعوبها الدستور الذي تراضوا عليه، ومنها الكويت.

ثم جاءت ثورات الربيع العربي لتغير الحال ولتستبدل الحاكم العسكري بحاكم مدني يتم انتخابه بالاختيار الحر، ولتأتي النتائج متوافقة مع هوية الأمة إذ نال التقدم فيها أصحاب المشروع الإسلامي.

ولكن الغرب الذي تعود على أن تكون هذه الدول تحت سيطرته، وثرواتها تحت تحكمه ونفوذه، تأبى أن تستقر هذه الدول أو تنجح تجربتها الديموقراطية، لذلك خططت ودبرت - ونقولها للأسف وبتوافق مع بعض الدول العربية - في إفشال أول تجربة حقيقية للديموقراطية في اختيار رئيس منتخب كما جرى في مصر، كما أنها سعت لتكرار الانقلاب في تونس إلا أن الإسلاميين هناك فهموا خيوط اللعبة واستطاعوا إفشال تلك المخططات. ولعل الانقلاب الفاشل الذي حدث في ليبيا، لخير دليل على أن هناك من يريد استمرار بقاء حكومات الدول العربية تحت بيت الطاعة الأميركي والغربي.

لقد قامت الثورة السورية على نظام باغ ظالم، واستطاعت تحقيق انتصارات على الأرض ولما بدأت الملامح الإسلامية تتضح في توجهات وفكر كتائبها المقاتلة، كان لا بد من إفشالها، فمرة بالتغاضي عن استخدام النظام السوري المجرم للأسلحة المحرمة دوليا لاسترداد المدن التي خسرها، وتارة أخرى بالدعوة والضغط لحضورات مؤتمرات - جنيف 1 وجنيف 2 - التي لا تحقن دما ولا تصون عرضا.

خلاصة القول أن العالم العربي والإسلامي يتجه بقوة نحو استراد الخلافة الإسلامية، وهناك محاولات جاهدة من أميركا والغرب وحلفائهم في الوطن العربي لتأخير تحقيق هذا الحلم، وأقول تأخيرا وليس منعا، لأن عودة الخلافة الإسلامية هي بشرى حقيقية وعد بها النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنها لن تتم إلا عندما يبذل المسلمون أسباب تحقيقها من كمال الاستلام لله والتضحية في سبيله، والثقة بنصره ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

وتأملوا حال تركيا عند سقوط الخلافة، وحالها اليوم والتغيير الكبير الذي حصل فيها بعد سنوات من المعاناة والصراع مع العسكر والعلمانيين، لتعلموا أن الخلافة آتية لا محالة.