جمال الكشكي
عام جديد بميراث قديم.. الجروح غائرة.. الدواء التقليدي لم يثبت نجاعته.
الخرائط العربية تعاني تمزقات وصراعات وتجاذبات ناتجة عن تدخلات إقليمية ودولية، وتراكمات موروثة من حقب سابقة، كل هذا اجتمع مرة واحدة في وقت واحد.
ثقلت الأحمال على أكتاف المنطقة والإقليم، فشهدنا تصدعات هائلة في بنية المجتمعات، على نحو ما رأينا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعدوان الإسرائيلي عليها، وكذلك العدوان على لبنان، وأخيراً ما جرى في سوريا من تغيير دراماتيكي سريع، وما يجري من أحداث في اليمن، وهي أحداث مرشحة للتوسع في دول عربية أخرى.
والقاسم المشترك هو تنافس إقليمي دولي على مقدرات المنطقة العربية، ولا شك أن كل هذا يجري بترتيبات من دول وأجهزة أخرى، ترغب في السيطرة على مستقبل المنطقة، ومن أجل توسيع النفوذ العالمي، انطلاقاً من تصادمات تجري الآن بين خرائط قوى إقليمية غير عربية، تريد إعادة ترتيب الخريطة العربية، وفق مصلحتها الاستراتيجية، بغض النظر عن تطلعات وآمال الشعوب العربية، وتستخدم هذه القوى التنظيمات العابرة للحدود، واستنساخ التجارب التي مرت على المنطقة طيلة السنوات الثلاث عشرة الماضية.
لا شك أنه حدث تغير في بنية العالم، وصلت ذروته بانتخاب رئيس أمريكي يختلف عن كل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية طوال تاريخها الرئاسي، الذي يمتد إلى 248 عاماً، أي منذ الرئيس الأول جورج واشنطن.
وأقصد الرئيس السابع والأربعين، دونالد ترامب، الذي تتوالى تصريحاته المغايرة والمختلفة عن سياسة الولايات المتحدة المعروفة، التي كانت تنقسم بين حزبين وتيارين، كل منهما يرى تحقيق المصالح الأمريكية بالطريقة التي يؤمن بها، ولا يختلفان في الخطوط العامة للسياسة الأمريكية، التي مثلها بإمعان الرئيس السادس والأربعون جو بايدن.
فقد اشتعلت في عصره ما يقرب من ست حروب: حرب أوكرانيا، وحرب إسرائيل على غزة، وحرب إسرائيل على لبنان، والحرب السورية - السورية، بالاشتراك مع إسرائيل، عندما هاجمت الأسلحة الاستراتيجية السورية، وحرب السودان الداخلية، والصدامات العسكرية الإسرائيلية - الإيرانية، والحرب بين الحوثيين والتحالف الدولي وإسرائيل، كل هذه الحروب تبدو شبه عالمية.
جاءت تصريحات ترامب الأيام الماضية لتؤكد أنه سيعمل على إيقافها فوراً، خصوصاً في الشرق الأوسط، وروسيا وأوكرانيا، مؤكداً أنه لو كان رئيساً في ذلك الوقت ما كانت قد وقعت كل هذه الحروب، بل قال إنه سيمنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة.
ولا شك أن ترامب يؤمن بما يقول، وقد تجلى ذلك في فترته الرئاسية الأولى، عندما هدد أوروبا بفك حلف الناتو إذا لم تدفع الدول الأعضاء في الحلف حصتها البالغة 2 % من الناتج القومي، وقبل بدء فترته الثانية، بدأ يصرح علناً بأنه سيفرض جمارك على السلع الأوروبية الواردة إلى الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تعامله أوروبا بالمنطق نفسه الذي ساد طويلاً بين الحليفين.
لا نعرف كيف سيوقف ترامب الحرب على غزة، وكيف يرى الحل لهذه القضية المزمنة، وهو لا يؤمن بحل الدولتين، فما السيناريو الذي يفكر فيه في فترته الثانية؟، خصوصاً أن فترته الأولى اعتمدت فلسفة السلام الاقتصادي، لكنها فشلت بعدم موافقة الفلسطينيين عليها، فهم يرغبون - وهذا حقهم - في دولة فلسطينية مستقلة من دون أي تردد، وبالتالي فإن مبادرته المرتقبة لا نعرف إلى أي شيء تستند أو تفضي، ولا ندرك ما الأدوات التي سينفذها لصالح استقرار الشرق الأوسط، وهو يقول مشكلة الشرق الأوسط معقدة ومتشابكة عن القصة الروسية - الأوكرانية، لكنه في الوقت نفسه يقول إن الحل في الشرق الأوسط أسهل من الحل بين أوكرانيا وروسيا.
إن ما جرى خلال الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر عام 2024، في سوريا، بدا كأنه تصفية لمسيرة بايدن السياسية، حيث كان يؤمن بالاستثمار الذكي في الحروب، ولا نعلم هل سيستطيع ترامب التخلص من هذا الميراث الثقيل في العام الأول، الذي يبدأ يوم العشرين من يناير عام 2025؟ بعض المتفائلين يطلق عليه عام ترامب الذهبي، فبعض القوى العالمية بدأت تتحسس وجودها مع ترامب الجديد، الذي يبدو أنه لا يخفي شيئاً تحت الطاولة.
ويبقى السؤال: هل كانت الحروب، خصوصاً في العام الأخير من عصر بايدن، مجرد فخ لدونالد ترامب؟ أم أن ترامب سيكون حداً فاصلاً لسياسة أمريكية طالت أكثر مما ينبغي؟
أخيراً ونحن في عام جديد نأمل أن تسود العالم ثقافة السلام والتسامح والاستقرار، وإغلاق ملفات الجمر المفتوحة.
التعليقات