عبدالعزيز سلطان المعمري
النقطة المشتركة التي أعتقد أننا جميعاً نتفق عليها هي أن الإرهاب والتطرف عدوان لدودان للإنسانية، وأن هذا الإرهاب سواء كان خلفه تنظيمات وجماعات أو أفراد يتسبب بشكل مباشر في تهديد استقرار الدول والمجتمعات، كما أنه يبث روح الكراهية بين الناس، لذا يجب علينا أن نكون واضحين وصريحين ولا نكيل بمكيالين ولا نرى العمليات الإرهابية بمعيارين مختلفين.
علينا أن نتفق بأن الإرهاب لا دين له ولا طائفة، حيث لا يمكن وسم أو وصف دين معين بالكراهية وإنما هو أفكار وسياسات تتبناها مجموعات خارجة عن الطبيعة البشرية والفطرة السليمة وعن القانون، وعليه فكل الدول والمنظمات الدولية عليها التعاون والتكاتف لمكافحة هذه الآفة وإلا ستكون النتيجة تدمير المجتمعات.
يكاد الجميع شرقاً وغرباً يتفقون مع هذا الطرح ولكن بمجرد أن يقوم أحد الأشخاص المنتمين (اسمياً) إلى الإسلام، أو أن هذا الإرهابي قادم من إحدى دول الشرق الأوسط حتى تشن وسائل الإعلام الغربية حملات ضد المسلمين والدول العربية، ما يزيد من تفاقم المشكلة بدلاً من تحمل الدول الغربية عموماً مسؤوليتها في هذه الجرائم وتعترف بأنها هي من احتضنت المتطرفين، ودافعت عنهم ووفرت لهم البيئة بعدما هربوا من العدالة في دولهم الأصلية.
فعلى الحكومات الأوروبية تحمل تبعات استضافتها للخارجين على القانون في بلدانهم الأصلية وعلى تلك الشعوب (أي الشعوب الغربية) أن تكون على وعي وفهم، وعليها أن تطالب سياسييها بأن يشرعوا القوانين التي تدين السماح باستضافة هؤلاء الإرهابيين والمتطرفين، وتدين توفير البيئة المناسبة لهم للعيش والعمل والتخطيط لأعمالهم الإرهابية تحت المظلة القانونية الغربية بحجة دعم حرية الرأي ومساندة المظلومين الباحثين عن حقوقهم الديمقراطية.
من ضمن الحلقات الأخيرة في مسلسل «إرهابي من الشرق الأوسط» ما قام به، الشهر الماضي، شخص هارب من العدالة في المملكة العربية السعودية بعملية دهس في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغديبورغ في ألمانيا، وقد حذرت السلطات السعودية الجهات الألمانية من فكر وتوجهات «المتطرف»، وهذا مثال واحد فقط على تجاهل وإهمال الحكومات الغربية؛ لذلك لم تعد تجرؤ على اتهام أحد بمسؤولية ما يقوم به هؤلاء المتطرفون، فالأوروبيون هم من يوفرون لهم الحاضنة لكي يقوموا بتلك الأعمال الإجرامية.
في كل مرة يقوم فيها إرهابي من دول الشرق الأوسط لجأ إلى الدول الأوروبية يتداول المغردون مقطع فيديو لنصيحة قدمها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية للحكومات الأوروبية عام 2017 في منتدى «المغردون» بالسعودية بأن هؤلاء سينقلبون عليهم وسيعملون على تدمير استقرار مجتمعاتهم فيها. وقد تعمد سموه أن ينقل نصيحة دولة الإمارات باللغة الإنجليزية بعدما ذكرها باللهجة الخليجية «عوقك في بطنك».
وقد قال سموه في كلمته حرفياً «دعوني أقول هذا باللغة الإنجليزية لتتمكن مديرة الحوار من فهم ما أقوله، أعلم أن لديك مترجماً ولكن أريد أن أتأكد أنك ستفهمين هذا بشكل صحيح سيأتي يوم سنرى فيه متشددين متطرفين وإرهابيين بصورة أكبر بكثير يخرجون من أوروبا بسبب قلة اتخاذ القرارات ومحاولة اتخاذ ما هو صحيح سياسياً، أو افتراض أنهم يعلمون الشرق الأوسط ويعلمون ما هو الإسلام ويعرفون الآخرين بصورة أكثر مما نعرفهم نحن، وأنا آسف ولكن هذا جهل تماماً».
أكثر ما يحدث في أوروبا من عمليات إرهابية ينفذها بعض الهاربين من العدالة داخل بلدانهم تتحملها الحكومات الغربية، فهي التي توفر لهم الحماية من الملاحقة القانونية، وبالتالي ليس من المنطق أبداً أن يتم تحميل دولهم الأصلية جرائمهم، ونصيحة سمو الشيخ عبدالله بن زايد كانت بمثابة تعدي «مرحلة الاتهام غير المبرر» لكل دول منطقة الشرق الأوسط.
إن أرادت الدول الغربية حل مشكلة تزايد وانتشار العمليات الإرهابية عليها القيام بعدد من الإجراءات، من أهمها الاستماع لوجهات النظر الأخرى والنصائح الموجهة لهم، إضافة إلى التخلي عن توفير البيئة والمكان والحماية والدعم للآلاف من الإرهابيين والمتطرفين والخارجين عن القانون في بلدانهم، والتوقف عن دعمهم مالياً والتوقف عن توفير الوسائل والمنصات والمنابر التي تسهم في نشر أفكارهم المتطرفة.
التعليقات