خولة العشي

على رغم ما مرت به تونس من أزمات أمنية واقتصادية واجتماعية منذ «ثورة 14 جانفي» وحال الإحباط العام التي يعيشها التونسيون، بخاصة منهم الشباب بسبب العجز المادي والبطالة، فإن فئة ممن تطلق عليهم تسمية شباب الثورة ما زالت توحه الأحداث نحو مواصلة احترام مبادئ الثورة بغض النظر عن كل الظروف. وكان نشر بعض الجنود التونسيين صورة سيلفي صحبة جثث إرهابيين للتعبير عن فرحتهم بالانتصار مناسبة ليذكر هؤلاء الشباب بأن الهدف من الثورة كان ترسيخ قواعد بيان حقوق الإنسان وأن التنكيل بالعدو يتعارض مع هذه المبادئ.

الجدل حول الصورة المذكورة تحول ما يشبه حواراً وطنياً عاماً شارك فيه وزراء ومسؤولون وخبراء أمنيون وقضاة وناشطون على المواقع الاجتماعية. الحادثة تمثلت في التقاط أربعة جنود تتراوح أعمارهم بين 19 و21 سنة صورة سيلفي على فايسبوك مع جثث إرهابيين كانوا قد قضوا عليهم أثناء العمليات الإرهابية التي دارت بداية الأسبوع الفارط في مدينة بنقردان في الجنوب التونسي. وسرعان ما تحولت الصورة حدثاً شغل الرأي العام بين مؤيد لنشرها في إطار ما سمّي بالحرب النفسية ضد الإرهابيين وبين رافض لها بدعوى احترام هيبة الموت وأخلاق الحرب. المواقف مختلفة والتبريرات أيضاً والنتيجة كانت دعوة الجنود الأربعة وتوبيخهم من طرف قادتهم.

مدون الثورة عزيز عمامي نشر تدوينة دان فيها نشر الصورة واعتبره تصرفاً لا يليق بالمسار الثوري وكتب: «الإشكال لا يتعلق بحقوق الإنسان بقدر ما يتعلق بحرمة «الفضاء العام» وهو الميزان الرمزي الذي نبني من خلاله أجيالاً. فالفضاء العام هو الذي يكتسب فيه المجتمع المبادئ المشتركة. والدول التي كانت لديها نجاعة في التصدي للسلوكات غير المقبولة هي الدول التي كانت لها استراتيجيات واضحة في الدفاع عن أفرادها وحمايتهم».

مدونة الثورة والصحافية والناشطة الحقوقية هندة الشناوي اعترضت أيضاً على نشر الصور المذكورة وعبرت عن استغرابها موافقة عدد مهم من التونسيين لهذا التصرف. وكتبت في تدوينة لامت فيها تونسيين على استهتارهم بحقوق الإنسان: «لو واصلنا تقليد وحشية داعش والتصرف على طريقته المتوحشة فإن الرأي العام الدولي لن يفرق بيننا وبينها، وبدل الحديث عن «جيش وطني ومجموعات إرهابية» سيتحدثون عن «مواجهات بين مجموعات نظامية ومجموعات مسلحة». أما الصحافي كمال الشناوني فكتب: «أن نفخر بنشر صور جثة إنسان ممزق بالرصاص سواء كان قاتلاً أم ضحية هو عمل غير سوي أخلاقياً وقانونياً، يتساوى به الضحية والجلاد وإلا فما الفارق بيننا وبين القتلة».

في مواجهة ما اعتبرته دعماً من مواطنين تونسيين لسلوكيات مناهضة لحقوق الإنسان وأخلاق الحرب أكدت الناشطة الحقوقية والصحافية مريم البريبري أن الأمر يبدو صعباً ومعقداً نظراً الى تعامل تونسيين مع الأمر بتعاطف مطلق مع أفراد الجيش وبتخوف من تكرار السيناريو السوري في تونس. وأضافت البريبري: «لم نكن يوماً ضد مكافحة الإرهاب ولا مواجهة كل من قتل وخطط وحمل السلاح ضد تونس وأبناء الوطن. لكن منطق المعاملة بالمثل هو من باب التأثر بثقافتهم وفكرهم ولا يعتبر نصراً لنا، ونشر الصور إضافة إلى كونه ممنوعاً قانوناً، مسيء الى صورة الجيش الوطني. قد نعتبر هذا التصرف خطأ من شباب ما زالوا في أول طريقهم وحملتهم الحماسة إلى ذلك فقط لكن مع الزمن وبمساندة أفعال كهذه يصبح الأمر ثقافة منتشرة. الأمر لا علاقة له بأخلاقيات الحرب ولا بحقوق الإنسان وإنما بنشر ثقافة كاملة وتربية أجيال مقبلة. مقاومة الفكر المتطرف تكون بالفكر المنفتح على الأخلاق والحرية وبمواجهته وليس بتقليده».