حمد العامر

&بما أن دول مجلس التعاون تعيش أزمات اقتصادية وسياسية عديدة، وتواجه أوضاعًا ومواقف بالغة التعقيد والحساسية نتيجة انعكاسات التوترات والتهديدات الإقليمية والدولية، فإن ذلك يتطلب منها مواجهتها جميعًا ومعالجة مسبباتها وتأثيراتها معالجة جدية وفورية بصورة جماعية تضع المصالح العليا لدول المجلس وشعوبها فوق كل اعتبار لتثبيت دعائم ومرتكزات الأمن والاستقرار وتعزيز السيادة الوطنية، فالأزمة الاقتصادية التي تمر بالمنطقة والتي اختلفت دول مجلس التعاون في طريقة معالجتها بسبب السياسات الاقتصادية التي اتخذتها كل دولة على حدة تبعًا لدخلها ومواردها المالية من عائدات النفط والغاز الذي اقترضت استنادًا عليه مبالغ ضخمة لتنفيذ مشاريعها التنموية الكبيرة لتجد نفسها الآن أمام أزمة اقتصادية خانقة قد تصل بها إلى تداعيات وأزمات من الصعب علاجها في المستقبل المنظور لأنها تأتي في ظل أوضاع كارثية تتمثل في:

- عدم وجود رؤية خليجية متفق عليها لإدارة الأزمة الاقتصادية والمالية، وما نتج عن الاقتراض من أسواق المال اعتمادًا على ارتفاع أسعار النفط وقتذاك لتمويل المشاريع الضخمة، وما أدى إليه من تداعيات كارثية نتيجة تراجع الدخل القومي الخليجي بسبب الانخفاض الشديد في أسعار النفط الذي وصل إلى أقل من 40 دولارًا.

- الحروب والصراعات المحيطة بدول المجلس وتأثيراتها على تنفيذ الخطط والمشاريع التنموية لدول الخليج بسبب الإنفاق المالي اليومي الكبير لتمويل العمليات العسكرية في اليمن وسوريا والعراق ومحاربة التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها.

فتلك الأزمات المبرمجة والمخطط لها منذ زمن والتي اتضحت في نهايات عام (2010م)، وتزايد تدخل الحلفاء والأصدقاء التاريخيين في الشأن الداخلي الخليجي، وتعمدهم خلق الفوضى في المنطقة باستغلال موجة (الربيع العربي) التي أطاحت بأنظمة عربية قائمة، واستمرار التخطيط لاستغلالها كفرصة ذهبية لإحداث التغيير في الأنظمة العربية الباقية بالعمل على استمرار الأزمات السياسية القائمة بعدم تنفيذ أي من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والاكتفاء بعقد الاجتماعات الثنائية وترتيب المؤتمرات الأممية المعروفة نتائجها سلفا والتي توضح بجلاء تام عدم وجود إرادة أمريكية حقيقية لإنهاء تلك الأزمات، واستغلال الهبوط الحاد في أسعار النفط لتحقيق أهداف وأطماع سياسية سواء لبعض الدول الإقليمية أو للدولتين العظميين (أمريكا وروسيا)، كل ذلك ساعد على استمرار الأزمة الاقتصادية حتى الآن وما ترتب عليها من مضاعفات مدمرة وحقق بعض الانفراجات أو الصفقات السياسية السرية في المنطقة.

ولكي يكون لدول مجلس التعاون قرارها السيادي سياسيًا واقتصاديًا، فإن ذلك يستوجب منها اتخاذ إجراءات اقتصادية جادة نحو الإصلاح المالي والاقتصادي الذي دعا إليه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين في قمة الكويت عام (2008م) من خلال (رؤية البحرين) التي أقرت في قمة أبوظبي عام (2009م) وتتضمن إنشاء صندوق الاستقرار المالي والاقتصادي الذي يعالج الكثير من القضايا التي تنصب في تطوير مجلس التعاون وتفعيل أداءه على مستوى العمل الخليجي المشترك لاستكمال المواطنة الخليجية، ووضع الخطط العملية والاستراتيجيات ووسائل تنفيذها على المستويات الأمنية والدفاعية والعسكرية، وكيفية التعامل بسياسة خليجية موحدة أمام التهديدات والأخطار التي تحدق بدول الخليج كإيران والحوثيين وانعكاسات الأزمة السورية والأزمة اليمنية، وصياغة التعاون المستقبلي مع المجموعات الاقتصادية الكبرى في آسيا، والذي لو تم العمل به منذ ذلك الوقت عندما كان سعر برميل النفط أكثر من (125 دولارًا)، لما تأثرت دول المجلس بهذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط ولتمكنت من سد العجز في ميزانياتها من خلال هذا الصندوق.

وبما أن وتيرة الأحداث تسير بسرعة كبيرة، فإن الحكمة تقتضي أن ينظر مجلس التعاون الخليجي بجدية متناهية إلى ما يدور حوله، ويبحث عن الطرق التي تمكنه من التوصل إلى حلول سياسية سريعة للأزمات القائمة تحمي مصالحه وتعيد الأمن والاستقرار للمنطقة، فاستمرار الحروب والصراعات والأعمال العسكرية يعني استنزاف الاحتياطي العام لدول المجلس، ما سيؤدي إلى مشاكل مستقبلية كبرى وتضحيات قاسية ستنعكس سلبًا على اقتصاد وشعوب كافة دول الخليج التي تواجه ذات التحديات والمخاطر مهما تفاوتت قوتها المالية والاقتصادية.

وكما أرى، فإن هذا الأمر الخطير يتطلب توحيد الجهود الخليجية لحل الأزمة الاقتصادية على النحو الآتي:

أولاً: عقد اجتماع مشترك لوزراء الخارجية ووزراء المالية والاقتصاد بدول المجلس يتناول ما يلي:

التوجيه الفوري لتشكيل عدد من اللجان الاقتصادية والتجارية لتفعيل (السوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية والجواز الخليجي الموحد) التي تنصب جميعها في تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة وتعزيز الخطوات الوحدوية بين دول المجلس ومواطنيه، وذلك حسب رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية في قمة الرياض (ديسمبر 2015م) لترسيخ مفهوم التكامل في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والأمنية وصولا إلى الاتحاد الذي نصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس.

إنشاء صندوق الاستقرار المالي والاقتصادي الذي اقترحه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي تواجه دول المجلس وتقديم العون المالي للدولة التي تمر بأزمة مالية أو صعوبة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية.

ثانيًا: إنشاء مركز خاص لإدارة الأزمات في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، للبحث الفوري في الأزمات الاقتصادية وإجراء إصلاحات موحدة في جميع دول المجلس استنادًا للدعم السياسي لقرارات المركز.

ثالثًا: إعداد خطط اقتصادية واقعية وجادة لتنويع مصادر الدخل القومي الخليجي للسنوات العشر المقبلة هدفها الأساس عدم الاعتماد الكلي على النفط كمصدر وحيد للدخل.

رابعًا: الإعلان بشكل واضح وشفاف عن كافة تفاصيل الأزمة الاقتصادية الحالية، ودعوة أهل الخبرة والاختصاص وذوي الكفاءة في الشأن المالي والاقتصادي لتقديم رؤاهم لتجاوز الخسائر المتوقعة في اقتصاديات دول المجلس جراء الأزمة وتوابعها.

إن العمل الجماعي لحل الأزمة الاقتصادية التي تواجه دول مجلس التعاون سيكون له انعكاسات إيجابية على الشارع الخليجي الذي سوف يشعر بأن هناك تقدما يتحقق على أرض الواقع نحو تحقيق المواطنة الخليجية الموحدة، وأن هناك عدل ومساواة بين شعوب الخليج فيما سيتم تطبيقه من قرارات وما سيتم اتخاذه من إجراءات ستصب جميعها في مواجهة تبعات هذه الأزمة وستنتهي بتحقيق الحلم الأكبر لشعوب الخليج بقيام الاتحاد الخليجي المنتظر.

&

&