محمد كركوتي

&«أرى كثيرا من الأضرار للبيئة حولي. شركات النفط تأخذ مياه الماشية عنوة»&

وينونا لاداك - كاتبة وناشطة بيئية أمريكية&

يقول البعض، إن النفط الصخري أكثر من قنبلة موقوتة، إنه "عملية انتحارية". ولهؤلاء حجج علمية واقعية، ليست مستندة إلى العواطف تجاه البيئة والحياة بشكل عام. وهي بالطبع ليست "رومانسية" لأنهم يسوقون المبررات والمعطيات، خصوصا مع تزايد عدد الجهات التي باتت تقف ضد النفط الصخري، في بلدان من مستويات مختلفة، نامية، متقدمة، ناشئة. صار الحديث عن مخاطر إنتاج هذا النوع من النفط هو السائد على الساحة حاليا، حيث توارى حتى الحديث عن الأضرار التي يخلفها الفحم الحجري التقليدي المعروف، الذي يعتبر الأسوأ في هذا المجال، مقارنة ببقية مصادر الطاقة الأخرى. التخويف من النفط الصخري بات يشمل كل الأضرار المحتملة، بما في ذلك الزلازل. وهذه نقطة تطرح بقوة على الساحة الأمريكية، وعدد آخر من البلدان المتقدمة.&

بالإمكان فهم"سرقة" المياه لدعم عمليات التكسير الهيدروليكي، على اعتبار أنه لو لا هذه الكميات الهائلة من المياه لما تمكنت شركات الطاقة من المضي قدما في عمليات التكسير هذه. ويمكن لهذه الشركات أن تبرر الاستهلاك الهائل للمياه في إنتاج النفط الصخري، بأنها تدفع أموالا مقابل ذلك، ولا تسرقها بالمعنى الحرفي للكلمة. بل إنها مستعدة أيضا للنظر في حجم الأموال المدفوعة وزيادتها. فالمقصود من السرقة هنا، أنها تختص بحصة الماشية والبشر من المياه على المدى الاستراتيجي، في الوقت الذي لم يشهد العالم في العقود القليلة الماضية، حلا واحدا لمشكلة المياه في هذا البلد أو ذاك، باعتراف المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية. أي أن الاستهلاك المخيف للمياه في إنتاج النفط الصخري، يجعل من برامج إنقاذ الكوكب على الصعيد المائي مستحيلة التنفيذ وبلا نتائج.

&

كل هذا مفهوم. فالأموال التي تدفعها مقابل حصة متناقصة لا تعتبر مقابلا ماديا عادلا. فالمسألة لا تخص صاحب السلعة الآن بل أبناءه وأحفاده وهكذا. المسألة أخطر من ذلك، لماذا؟ لأن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية قامت أخيرا بضم عمليات التكسير الهيدروليكي المرتبطة بصناعة النفط والغاز، إلى خرائط مخاطر الهزات الأرضية. وكانت الهيئة أكثر وضوحا، عندما أعلنت أن سبعة ملايين شخص على الأقل يعيشون في الولايات المتحدة في مناطق معرضة لخطر الزلازل المدمرة بسبب عمليات التكسير المشار إليها. وحددت "أوكلاهوما" و"كنساس"، و"تكساس"، و"كولورادو"، و"نيو مكسيكو"، و"أركنساس"، من بين المناطق المهددة بصورة متصاعدة بالزلازل. المسألة العلمية ببساطة، تتعلق بتغيير الضغط الأرضي الطبيعي من جراء عمليات التكسير، ما يساعد على رفع مستوى خطر الزلازل.&

حقق النفط الصخري تقدما كبيرا في فترة زمنية قصيرة. وهذا التقدم يتعلق بالسرعة المذهلة لتطوير التقنيات المستخدمة في الإنتاج، بحيث قلصت التكاليف بوتيرة سريعة، وإن لم تصل بعد (وربما لن تصل في المدى المتوسط) إلى المستوى المنخفض لإنتاج النفط الأحفوري في غالبية البلدان المنتجة، وخصوصا بلدان الخليج العربي. ومن الواضح، أن الاحتياطيات الخاصة بالنفط الصخري هائلة أيضا، فطبقا لتقديرات حديثة، فإنها تصل في الصين إلى 1115 تريليون قدم مكعبة، وفي الأرجنتين 802 تريليون قدم مكعبة، والجزائر707 تريليونات قدم مكعبة، والولايات المتحدة 665 تريليون قدم مكعبة، والسعودية باحتياطي 600 تريليون قدم مكعبة، وكندا بنحو 573 تريليون قدم مكعبة. وتوجد احتياطيات كبيرة أيضا في بلدان مثل المكسيك والبرازيل وأستراليا وجنوب إفريقيا وروسيا وليبيا وتونس والمغرب وفرنسا وبولندا.&

ليس واضحا في الوقت الراهن، توجهات الحكومات والجهات التشريعية في غالبية بلدان العالم حيال مستقبل النفط الصخري، مع تعاظم نشاط وتحركات الجهات المناهضة لهذا النفط لأسباب بيئية صرفة، لا دخل لها بالتنافس بينه وبين المصادر الأخرى للطاقة. ومما لا شك فيه، أن تراجع مستوى إنتاج "الصخري" في الأشهر القليلة الماضية، يعود أساسا إلى تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. فحتى الآن لا يمكن تحقيق أرباح من "الصخري" إلا إذا ظل سعر البرميل فوق حدود 70 دولارا. لكن التقنيات الحديثة السريعة الحضور على الساحة، تساعد على خفض تكاليف الإنتاج، وربما تصل إلى مستويات تسمح لمن توقف من منتجي النفط الصخري بالعودة إلى الإنتاج. لكن لا تبدو الأمور مشرقة بهذا الخصوص، مع تزايد الإثباتات على التخريب البيئي لهذا النفط، بل والمخاطر التي تستهدف الناس، نتيجة التغييرات غير الطبيعية في طبيعة الأرض.&

اللافت أن معارضة إنتاج النفط الصخري، لم تقتصر على البلدان المتقدمة التي تضم مجتمعات راشدة في مختلف المجالات ولا سيما البيئية منها، بل شملت أيضا مجتمعات في بلدان أقل تقدما بل أدنى اهتماما بشؤون البيئة. الأمر الذي يزيد من إمكانية ارتفاع حدة الضغوط على النفط الصخري من جهة المخاطر والبيئة، إلى جانب (طبعا) الضغوط المالية الهائلة التي يتعرض لها منذ أن انطلقت خطة تصحيح السوق النفطية العالمية، بصرف النظر عن تكاليف التصحيح هذه.