راجح الخوري

شّكل استعمال الفيتو الروسي السابع يوم الثلاثاء الماضي، ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى فرض عقوبات على النظام السوري بتهمة اللجوء إلى استعمال السلاح الكيميائي، صفعة وجهت رسالة سلبية إلى مؤتمر «جنيف - 4» الذي قد يبقى مجرد مراوحة جديدة في دائرة الفشل، رغم الإشارات عن ضغوط روسية كان من الغريب أن يحّذر فلاديمير بوتين من أن فرض عقوبات على النظام السوري غير مناسب، لأنه ينعكس مستجدة لإيجاد ترجمة مقبولة لعملية «الانتقال السياسي» التي وضعت على جدول البحث.

سلبًا على فرص نجاح مفاوضات جنيف، لكن المعارضة السورية قالت إن استعمال الفيتو الذي شاركت فيه الصين وبوليفيا، من شأنه تشجيع النظام على ارتكاب مزيد من المجازر، وهو ما يدّمر فرص السلام منذ ستة أعوام.

مشروع القرار صاغته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي أجمعت على أن استعمال الفيتو عملية مخزية، خصوصًا «عندما تبدأ دول في خلق الأعذار لدول أخرى تقتل شعوبها»، لكن الشائن أكثر سيكون فشل محادثات السلام في «جنيف - 4» الذي من الواضح أنه يعقد تحت المظلة الروسية، ولم يكن غريبًا أن يحّذر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عشية بدء المؤتمر، من المبالغة في التفاؤل بشأن النتائج، موضحًا أنه ليس من المتوقع «تحقيق معجزات يمكن أن تنهي الصراع المرعب، وتضع الأساس لدولة تنعم بالسلام والسيادة ووحدة الأراضي».

إذن لماذا الذهاب مجددًا إلى «جنيف - 4»؟ ولماذا بدأ الحديث يوم الثلاثاء الماضي عن العودة إلى «آستانة - 4»، قبل أن ينفخت الدف ويتفّرق «العشاق» من سويسرا؟

هل لفرض مزيد من الشروط والتنازلات على المعارضة السورية (وقد باتت معارضات)، نتيجة التناقضات بين مكوناتها التي سمحت لسيرغي لافروف، بأن يهندس تقسيمها ما يؤسس لعدم التوصل إلى حلول، وبحيث يأتي إجهاض نظرية «الانتقال السياسي»، وكأنه نتيجة لانعدام وجود صورة واضحة لمستقبل سوريا عند المعارضين، وفي السياق كان هناك جدال طويل حول من يذهب إلى جنيف وفي وفد موحد أو متعــدد، والمضحك - المبكي أن يكون ذلك قد ترافق مع تهديدات من دي ميستورا بأنه يمــــكن أن يحدد هو شخصيًا من سيذهب!

في النهاية وصلت المعارضات إلى جنيف بثلاثة وجوه؛ أولاً «الهيئة العليا» للمفاوضات التي سبق أن ُشكلت في الرياض بناء على قرار الأمم المتحدة، وثانيًا ما يسمى «منصة موسكو»، وثالثًا ما يعرف بـ«منصة القاهرة»، ولعل ما يثير العجب واليأس أن هناك من بدأ يلهج أخيرًا بالحديث عن «منصة بيروت»، رغم أن المنصات هي في المعتاد لإطلاق الصواريخ لا لابتداع الحلول في المحادثات!

لم يكتِف دي ميستورا بإشاعة القنوط سلفًا بقوله «لا تنتظروا المعجزات»، بل تعّمد قبل ساعات من بدء المحادثات بأن يعقد اجتماعًا مغلقًا مع نصر الحريري رئيس وفد المعارضة، لينقل إليه تهديدًا مباشرًا من الأسد مفاده «إذا فشلت المفاوضات سيفعل بإدلب ما فعله بحلب»، طبعًا لم يكن هناك أي معنى لهذا التهديد، لأن المقاتلات السورية كانت تقصف مناطق واسعة في ريف إدلب عندما كان دي ميستورا ينقل رسالة الأسد!

السؤال الجوهري، كيف يمكن أن تنجح المفاوضات التي لا تزال تصطدم بالعقدة الأبدية، أي الترجمة العملية لمسألة «الانتقال السياسي» وموقع الأسد منها، التي نص عليها مؤتمر «جنيف - 1»، ومعروف أن لافروف أفشله عندما أسقط من النص أي إشارة صريحة إلى الأسد من ضمن هذه العملية؟.

عبثا يحاول دي ميستورا البحث عن منفذ إلى بداية تفاهم على عقدة «الانتقال السياسي»، ذلك أن المعارضة ترى ألا معنى لهذا الانتقال ما لم يكن يعني تنحي الأسد وتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتعتبر أن بقاءه يعني بقاء الإرهاب، وهو ما يرفضه النظام قطعًا، إلى عدم الإشارة صراحة إلى مصير الأسد في «جنيف - 1» وفي نص القرار «2245»، ويعتبر أن كل معارضيه من الإرهابيين.

لن يتمكن دي ميستورا من تحقيق أي اختراق، والدليل الأخير أن استعمال روسيا الفيتو في مجلس الأمن لمنع فرض عقوبات على النظام السوري، هو بمثابة تأكيد على التمسك ببقاء الأسد، وقد أكده ألكسي بوردافكين مبعوث موسكو إلى الأمم المتحدة قبل يومين بقوله «إن مطالب المعارضة بتنحي الأسد مجرد خيالات عبثية»، لكن ليس من الواضح لماذا يقول أحمد رمضان بلسان المعارضة «إن الروس أبلغونا أنهم غير معنيين ببشار الأسد ومستقبله إنما بالدولة السورية».

هل هي دائمًا لعبة التعمية الروسية على دخان حرائق العمليات العسكرية الميدانية عبر إثارة غبار الحلول السياسية، التي لن يكون في وسعها أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، ما لم يتم التفاهم على ترجمة واضحة لعملية الانتقال السياسي، وما إذا كان يجب أن تشمل الأسد كما تصّر المعارضة أو إذا كانت تبقيه رئيسًا، وهو ما لم يّتضح حتى في نّص مشروع الدستور السوري الجديد الذي كتبه الروس، رغم تكرار بوتين دائما أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره، لكن لا مانع من أن يهبط الدستور بمظلة روسية!

ذّكرنا دي ميستورا عندما قال عشية بدء المحادثات إنها «مهمة مضنية» بما سبق أن قاله الأخضر الإبرهيمي في أغسطس (آب) من عام 2012 قبل وصوله مبعوثًا دوليًا وعربيًا إلى دمشق «إنها مهمة مستحيلة»، لكن ما يدعو إلى مرارة السخرية أنه رغم مضي دي ميستورا في تبني أجندة لافروف المدروسة جدًا حيال الأزمة السورية، فإنه لم يتمكن حتى الآن من التقدم خطوة من النقطة التي بدأ فيها في دمشق حاملاً خريطة حلب، وداعيًا إلى وقف متدرج للنار منها، وهو ما دفع كثيرين دائمًا إلى التعليق: يا حصرمًا!

نعم «أجندة لافروف» لأن المعارضة تنزل عن الشجرة خطوة خطوة: أولاً القبول بالتفاوض دون شروط مسبقة، وهو ما طالب به النظام دائمًا، ثانيًا اللقاءات المباشرة مع وفد النظام، وهو ما كانت المعارضة ترفضه، ثالثًا قبول نظرية أن عملية صياغة الدستور الجديد يجب أن تشمل كل أطياف الشعب السوري، بما يعني أن النظام شريك أساسي في هذا.

آخر إبداعات هذه الأجندة، الورقة التي قدمها دي ميستورا قبل يومين والتي تدعو إلى التزامن بدلاً من التتابع في مراحل ثلاثية: تشكيل حكم موثوق شامل وغير طائفي، ثم صياغة دستور جديد، ثم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة... ما يعني استمرار الدوران في الحلقة المفرغة إلا من الدم والدمار!