رياض نعسان أغا
فاجأنا ديمستورا بتصريح يطالب فيه المعارضة بتشكيل وفد موحد إلى الجولة الرابعة من المفاوضات في جنيف، وقد حدد موعدها الجديد في 20 فبراير الحالي، وحمل تصريحه وعيداً بأن يقوم هو بتشكيل وفد التفاوض إن لم تقم المعارضة بذلك.
ولا نعرف ما الذي دعا ديمستورا إلى هذا التصريح الجاف، ولكننا سمعنا رغبة لافروف قبله بتشكيل وفد موحد، يضم كل أطياف المعارضة بما فيها تلك المنصات التي تطلق على نفسها لقب معارضة مع أنها تعلن أن هدفها الإبقاء على النظام، وعلى بشار الأسد رئيساً للأبد.
ولا يعرف أحد ما الفارق بين مطالب هؤلاء وبين مطالب من يسمون الموالاة، وهؤلاء صنعهم النظام وبعضهم سمتهم روسيا، ومثلهم آخرون من حلفاء النظام وممن حاربوا معه، ولديهم مطالب عرقية وإثنية وبعضها انفصالية، ومع ذلك يرون أنفسهم معارضة وطنية! وهدف ذلك التناقض هو التشويش على مطالب المعارضة الجادة، وإبراز صفة التشتت على المعارضين على رغم أنهم أعلنوا وحدة أهدافهم في مؤتمر الرياض الذي جمع قوى المعارضة الكبرى (الائتلاف، وهيئة التنسيق، والفصائل الثورية، والمستقلين) ووقعوا جميعاً على بيان الرياض الذي تمسك ببيان جنيف لعام 2012 ومتنت مطالبه قرارات الأمم المتحدة وأهمها القرار 2254. ولم يخرج أحد من أعضاء مؤتمر الرياض أو هيئته العليا عن ثوابت بيانه، وتبدو منصة القاهرة أقرب تشكيلات المعارضة إليه، لأن غالبية مؤتمر القاهرة باتوا أعضاء في مؤتمر الرياض، ومن أبرزهم أعضاء الائتلاف وهيئة التنسيق والمستقلون.
وقد حرصت الهيئة العليا على التنسيق والتفاهم مع كل أطياف المعارضة عبر حوارات متصلة، وأصر بعض المعارضين في المنصات الأخرى على رؤيتهم بضرورة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية وترشحه للانتخابات وهؤلاء لا يمانعون بالطبع في بقائه رئيساً إلى الأبد، وذروة الحل السياسي عند بعضهم هي المشاركة في حكومة وحدة وطنية بقيادة الأسد نفسه.
واعتبر الروس الحديث عن مستقبل الأسد شرطاً مسبقاً لا يقبلون الخوض فيه، متجاهلين أن الثورة قامت ضد الديكتاتورية المطلقة، وسيكون من العبث المراهنة على تغيير سلوك النظام، ولا سيما أنه سيحتفظ بسلطته على الجيش وقوى الأمن، وسيكون بوسعه الانتقام البطيء أو السريع من كل من تمردوا على سلطته. ولن تنفع السوريين أوراق الدستور أو القوانين، ولن يطمئن المهجرون ولن يعود أحد من النازحين وستبقى القضية السورية مفتوحة الجراح، لأن بقاء النظام واستسلام المعارضة على الطريقة التي تريدها موسكو ستجعل سوريا القادمة مسرحاً لاستبداد من نوع أخطر، وسيمارس المنتصرون أبشع أنواع الانتقام وستغرق سوريا في مستنقع دم جديد.
ويبدو واضحاً أن روسيا أرادت أن تجعل منصة الآستانة بديلاً عن مرجعية جنيف 1، وكان لافتاً أن يتجاهل ديمستورا الإشارة إلى هذه المرجعية في تصريحه الأخير، وهو لم يشر إلى مضمون المفاوضات القادمة وإلى جدول عملها، وهل سيعود المتفاوضون إلى مناقشة وقف إطلاق النار، وإلى الحديث عن فك الحصار وإدخال المساعدات، وعن إطلاق سراح المعتقلين، ودون جدوى؟
أما كان حريّاً أن يناقش مؤتمر آستانة هذه القضايا التي اعتبرها القرار 2254 مرحلة بناء ثقة هي فوق التفاوض وقبله؟ ومؤتمر آستانة الذي جعل عنوانه تثبيت وقف إطلاق النار فاجأنا في بيانه بالحديث عن تخفيف العنف، ولكن العنف اشتد بعده حتى تمكن النظام من إجلاء المقاتلين من وادي بردى، ومن تهجير المئات إلى إدلب.
وليس مستبعداً أن يبدأ الهولوكست السوري الذي يتوقع المراقبون حدوثه في إدلب مع بدء الجولة القادمة، كما كان يحدث في حلب مع بدء كل جولة من جولات التفاوض في جنيف، مما يجبر وفد المعارضة على التوقف وربما الانسحاب أمام سيل الدماء، على رغم أن القرار الدولي ينص على وقف إطلاق النار وبناء مرحلة ثقة قبل التفاوض.
ولا يخفى على ديمستورا أن أي حديث في جنيف لا يباشر قضية الانتقال السياسي هو مزيد من إضاعة الفرص للوصول إلى نهاية، ولا يخفى على أعضاء مجلس الأمن أن المراوغات التي يقوم بها النظام للتهرب من مواجهة مضمون قرار مجلس الأمن تهدف إلى فرض الأمر الواقع وإجراء تغيرات ميدانية لصالحه، ولكنها ستجعل القضية السورية جمراً يتقد، وسيبقى العالم في حالة ترقب واضطراب مهدداً بغياب الاستقرار عن المنطقة كلها، لأن إيران وميليشياتها الإرهابية ستكون إذَّاك سيدة الشرق الأوسط كله.
لقد مدت المعارضة المسلحة يداً لروسيا، وقبلت دعوتها لمؤتمر آستانة، وبقي أن يكون الروس جادين في إيجاد حل يقبله الشعب السوري دون أن يفرض عليه بالقوة والعنف، فقد تمرس هذا الشعب على استقبال القوة والعنف بالصبر والإصرار على مطالبه المشروعة.
التعليقات