الياس الديري

لن يستقيم الوضع في لبنان ما لم تعد دورة الحياة الاقتصادية الاجتماعية المعيشيّة إلى سابق عهدها. فكل مصادر هذه الدورة وعواملها وتغذيتها معطّلة. مشلولة. والسبب المباشر سياسي، داخلي خارجي، أو العكس.

وصلت إلى لبنان مع بدايات العهد العوني ملامحٌ ومؤشِّرات تنبئ وتبشِّر باقتراب عودة الروح الى علاقات الودّ والوئام بين بيروت وقدامى العشّاق من عرب وأجانب.

وأخذ كل لبنان علماً بأن محبّي بيروت في المملكة العربيّة السعوديّة ودول الخليج بدأوا يجهِّزون الحقائب استعداداً للعودة إلى أهل السياحة، وبلد الراحة والضيافة والانفتاح والليالي الملاح.

إلّا أن كل شيء فرط. وفرطت معه كل الاستعدادات وكل الآمال، إثر كلام حادّ اللهجة استهدف الذين زارهم الرئيس ميشال عون، ودعاهم لزيارة بلدهم الثاني لبنان.

لا يزال الوضع اللبناني مكربجاً، ومعزولاً، ومستفرداً، وشبه مُقَاطع منذ تلك "الزغرودة" التي لم يتمكَّن أحد من فكِّ رموزها حتى الآن... سوى ربطها بالعقبات غير الواضحة التي تحاصر "المنقذ الجديد" قانون الانتخاب.

فكيف الخروج من هذا المأزق، وكيف تفسير هذه التعقيدات التي تُولد في التوقيت "المناسب"، وكيف يتمكَّن العهد من تحقيق أي مطلب وتنفيذ أي برنامج، ما دام الوضع "المتشائل" لا يستطيع تمرير موازنة، أو التوصُّل الى اتفاق على قانون انتخاب، أو على مخرج لمأزق الزبالة...

لا تساهل ولا تسامح عند الناس. فالذي يأكل العصي ليس كالذي يَعدُّها. واللبنانيّون بأكثريّتهم الساحقة لا يتفقّدهم في أيامهم الصعبة سوى اليأس، وأخبار الخلافات بين لاعبي الكشاتبين المكلَّفين صنع معجزة جديدة تحمل اسم، أو عنوان قانون الانتخاب. بل أقل من ذلك، تحمل بشرى احتمالات التوصُّل، أو إمكان التوصّل الى تفاهم على صيغة كاملة شاملة لمشروع قانون بديل من بعبع "الستّين".
سنتان ونصف الثالثة والناس يعدّون الأيام على أصابعهم في انتظار الفرج، فيكتشفون أنّهم في انتظار غودو وشبح الأوهام.

الآن برز إلى الميدان من وضع في وسطه تحدّياً جديداً، أو وهماً جديداً: قانون الانتخاب.

كل ما يحصل على هذا الصعيد، ومنذ أعوام طويلة، هو من صنع أُناسٍ لا يريدون الخير للبنان. ولا يريدون للبنانيّين أن يسترجعوا شيئاً من الزمن الجميل، أو أي شيء من الأمان والطمأنينة.

في زمن العزّ والرز كانت دورة الليرة هي "الثروة الحقيقيّة"، وهي مصدر البحبوحة والرفاهيَّة وراحة البال. توقَّفت تلك الدورة منذ أعوام. فانعدم توازن الدورة الاقتصادية، وجفَّت المصادر البديلة، وبات الارتباك هو سيّد الموقف.
المطلوب من العهد القوي أن يتحرَّك بسرعة وبقوة، فالبلد برمّته رهين التعطيل.