نديم قطيش

هل يكون تطور الموقف الخليجي المصري من الدوحة فرصة لتحرير المسألة السورية من الدور القطري؟

في سوريا خمسة احتلالات واضحة. احتلال إسرائيلي في الجولان منذ العام 1967، يوم كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع. وروسي بعد أن شعر الاحتلال الثالث، الإيراني، أنه على أبواب هزيمة منكرة يوم سقط سهل الغاب وبات المتطرفون الإسلاميون على أبواب تهديد الساحل السوري، معقل بشار الأسد الرئيسي. وهو احتلال يحاول اليوم إعادة وصل هلال الحرس الثوري البري من طهران إلى المتوسط عبر العراق وسوريا بعد أن مزقته «داعش».

واحتلال رابع أميركي يبني سورياه المفيدة في شمال وشمال شرقي سوريا وبعض جنوبها، حيث الماء والنفط والقبائل وأربعة مطارات عسكرية متفاوتة الأحجام. واحتلال خامس تركي دخل على وقع انفجار الهويات الإثنية التي تعنيه مانعًا ولادة كيان كردي متصل على حدوده الجنوبية. وهو يحكم بالتكافل والتضامن مع قطر البقعة الأكبر خارج سيطرة النظام وحلفائه، وأكبر مناطق خفض التوتر بسيطرته على إدلب التي هي، بالمناسبة، امتداد للواء الإسكندرون.

خارج المملكة الهاشمية الأردنية، ولبنان، يكاد يكون هذا «الكيان الإدلبي» هو البقعة السنية الوحيدة الممسوكة والمتماسكة في المشرق العربي، وتقع اليوم تحت سيطرة فصيلين هما أحرار الشام وجبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، المرتبطين بتركيا وبقطر.
خمسة احتلالات ودور. إسرائيلي، روسي، أميركي، إيراني، تركي، ودور مالي جبار مربوط بالاحتلال الأخير. 

وتكتفي المملكة العربية السعودية بدور تنسيقي سياسي مع مجموعة الرياض مفهوم أن تكون أولوية الاشتباك مع قطر، متصلة بانعكاسات دورها على أمن الخليج، منظورًا إليه من تعريف مباشر للأمن الخليجي، لا سيما قطر كنافذة أو مسرب تتسلل منه رياح إيران.

نعم، نافذة لرياح إيران. وهذه مفارقة عجيبة، لا سيما إذا ما انتبهنا إلى أن قطر تقع على تقاطع دعم جبهة النصرة من جهة وتنسيق المصالح مع إيران. وهي مصالح تبدأ من حقل الغاز المشترك بين البلدين الذي تقل مساحته قليلاً عن مساحة دولة لبنان، وصولاً إلى تنسيق الشغب السياسي على المملكة كمثل نشر مقال معاٍد لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في صحيفة قطرية صبيحة قمة ترمب - سلمان في الرياض!

أزعم أن هذا التموضع القطري عند تقاطع النصرة - إيران، هو الأكثر وضوحًا في سوريا. صحيح أنه ليس بوسع أحد أن ينكر دور النصرة في مواجهة نظام الأسد بل وتهديد نظامه كما أشرت في بداية المقال، لكن ليس بوسع أحد أن ينكر أن التأقلم الإيراني مع وقائع الميدان، كان سريعًا وسمح لطهران أن ترى في فائض الأسلمة وفائض الجهادية فرصة لطمس هوية الثورة السورية بتعدديتها وملامحها المدنية. 

ما فعلته إدارة الرئيس باراك أوباما بتحالفها المريض مع «الإرهاب الشيعي» لمواجهة «الإرهاب السني» صّب مياهًا كثيرة في طاحونة إيران التي وجدت ميليشياتها تقاتل بالشراكة مع واشنطن من تكريت العراقية إلى مرتفعات القلمون في لبنان، معفية من تهمة الإرهاب، فيما تم حشر القوة القتالية السورية الرئيسية في خانة الإرهاب. كل ذلك في الوقت الذي كان يشح فيه الدعم للجيش الحر وُتفتح القنوات لكل من هب ودب من شخصيات الإسلام السياسي الممول من قطر، والمستفيد... إيران.

إدلب، بهذا المعنى هي مفتاح استعادة سوريا من دور قطر القاتل. وسنة سوريا هم الخميرة الباقية في المشرق، لاستعادة عروبته، ومن دونهم سيستمر المسلسل بحلقات معادة. قطر تمول الإسلام السياسي، وإيران تشير إليه ملمحًا وحيدًا في الثورة السورية لا يستحق المستقبل ولا يستحق الحياة.

من هنا تبدو لي قيادة الرياض لجبهة عربية سورية جديدة، تعترف بتنوع الوافدين إلى حالة الاعتراض على نظام الأسد، مسألة أكثر من حيوية لاسترجاع المشرق في اللحظة التي تخوضفيها إيران معركة تثبيت هلال الحرس.

يبدو من الصعب الآن الفصل بين المبالغات والوقائع فيما يتصل بالطريق البري الُمعاد وصله بين إيران ولبنان مرورًا بالعراق وسوريا. الأكيد أن ثمة محاولات حثيثة إن من خلال اختراق إيران للبيئة الكردية في الشمال أو من خلال طرق طويلة بالغة التلوي بمحاذاة «التنف» السورية. لكن الأكيد أيضا أن الاعتماد على واشنطن ووجودها العسكري لمنع إعادة وصل الطريق البري هذا لا يبشر بالكثير.

لا بد من دور خليجي وعربي أكثر فاعلية وحضور في سوريا لتعطيل الدور القطري فيها والذي لم ينجب حتى الآن إلا «متطرفين سنة» يتواطأ العالم على وصفهم حصرًا بالإرهاب، يقاتلهم «إرهابيون شيعة» ينتحلون صفة المقاومة تارة أو الدولة الحاذقة تارة أخرى