توفيق السيف

معركة حلب ليست نهاية الحرب بين المعارضة والحكومة السورية. لكنها بالتأكيد التحول الأبرز في تاريخ الصراع. بين 2011 وحتى نهاية 2014 نجحت المعارضة في الوصول عسكريًا إلى جميع المدن الرئيسية، عدا اللاذقية التي بقيت وحدها بيد الحكومة. يومذاك لم تكن مدينة حلب وريفها الموقع الأهم للمعارضة. بل أحياء جوبر وببيلا ومخيم اليرموك، التي تبعد كيلومترين فحسب عن وسط العاصمة. فضلاً عن ثلاثين بلدة في محيط دمشق الشمالي والشرقي. يومها ساد اعتقاد بأن قوات المعارضة توشك على محاصرة العاصمة ومن ثم تفكيك النظام.
لكن المعارضة أخفقت في تحويل المكاسب العسكرية في الميدان إلى مكاسب سياسية. ويرجع هذا في المقام الأول إلى النزاعات التي لم تتوقف بين تنظيماتها المختلفة، وتدخلات القوى الخارجية، فضلاً عن افتقار معظم المعارضين إلى الخبرة السياسية التي تحتاجها ساحة في حالة تحول شبه يومي.
تبعًا لهذا، انحسرت سيطرة المعارضة تدريجيًا، لا سيما في العام الحالي، حتى باتت محصورة في الشمال الذي تشكل «حلب» مفتاحه الرئيسي. ومن هذه الزاوية فإن خسارة المعارضة فيها، تعني فقدانها آخر ورقة مهمة، يمكن استثمارها سياسيًا.
أظن أن الأشهر الستة المقبلة ستشهد أول انعكاسات هذا التحول، في جبهة المعارضة والحكومة على السواء.
أبرز الانعكاسات في ظني هو أن محور تركيز الداعمين الرئيسيين للحكومة والمعارضة، أي روسيا وتركيا، سيتحول من استهداف نصر عسكري حاسم، إلى إطلاق عملية سياسية، تلعب فيها الدولتان دور الدينامو والضامن. كانت موسكو قد بذلت محاولات سابقة، لكنها أخفقت. كما أن أنقرة قررت تركيز جهدها على منع قيام فيدرالية كردية في الشمال السوري، خشية إطلاق عملية مماثلة في أراضيها.
التحول إلى دور الوسيط يؤدي - بالضرورة - إلى بروز مسافة في المواقف وخلاف في التقديرات، بين موسكو ودمشق في جانب، وأنقرة والمعارضة في الجانب الآخر. رد الفعل الطبيعي من طرف الوسيطين سيتمثل على الأرجح في ضغط على حليفيهما، قد يقود إلى تفكيك جزئي وما يشبه إعادة هيكلة، تتضمن تغييرًا في المواقف والشخصيات لتسهيل التحرك السلس للعملية السياسية المنتظرة. هذا يعني تحديدًا انفتاح أنقرة على دمشق وحلفائها، وانفتاح موسكو على أطراف المعارضة، بما فيها التنظيمات المسلحة.
من المقرر أن تستضيف موسكو اجتماعًا بين الروس والإيرانيين والأتراك، أظن أن موضوعه الرئيسي هو إطلاق خارطة طريق للحل السياسي، وآلية لضمان نجاح مرحلته الأولى على الأقل. بالتوازي دعت موسكو وأنقرة إلى مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في كازاخستان، سيكون محورها «فرز» القوى الراغبة في الانضمام للعملية السياسية، من تلك المصرة على مواصلة الحرب.
زبدة القول إن معركة حلب كانت فاصلة بكل المقاييس. ليس فقط في تكلفتها المادية والبشرية، بل لأنها تضع الحكومة والمعارضة السورية أمام تحدٍ غير مسبوق، قد يتضمن إعادة هيكلة لكل من الجبهتين، على نحو يعيد تأهيلهما للتحول من المواجهة المسلحة، إلى التفاوض الذي يفترض أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تأليف نظام سياسي جديد، لا يحقق مرادات الجميع، لكنه ينهي الحرب الأهلية. وأظن أن هذا هو الهدف الوحيد حاليًا للشعب السوري ولدول العالم التي يبدو أنها سئمت من تطاول الحرب دون أن يلوح في الأفق حل أو نصر حاسم لأحد الأطراف.