مع «الفيتو» الأمريكي في مجلس الأمن ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، سقطت كل الادعاءات الأمريكية التي أصمت آذان العالم على مدار سنوات طويلة، وتبخرت الوعود التي قدمت للفلسطينيين والعرب بشأن «حل الدولتين» وإقامة دولة فلسطينية، وظهرت حقيقة التماهي مع الموقف الإسرائيلي في شطب حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم باعتبارهم عائقاً أمام تحقيق المصالح الإسرائيلية وحدها في المنطقة.

أن تقف الولايات المتحدة وحيدة ومعزولة أمام المجتمع الدولي، فهذا ليس شيئاً جديداً، فقد سبق أن استخدمت «الفيتو» عدة مرات منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأشهرت «الفيتو» عشرات المرات عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لكن الجديد هو الفضيحة المدوية والذرائع الواهية التي استخدمتها لمنع قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة.

لم تكن واشنطن، بطبيعة الحال، راغبة في الوقوع في هذا الحرج، لو نجحت في منع مشروع القرار من الحصول على تأييد الأعضاء التسعة في مجلس الأمن اللازمة لعرضه على التصويت، رغم الضغوط الهائلة التي مارستها من أجل رفع الحرج. لكن ضغوطها لم تسفر سوى عن تحييد بريطانيا وسويسرا، أمام تأييد كاسح بلغ 12 عضواً بينهم ثلاثة من الأعضاء الدائمين، ناهيك عن تأييد 138 عضواً في الجمعية العامة، وبالتالي لم يكن لديها مفر من استخدام «الفيتو».

المشكلة تكمن في المعايير والذرائع الواهية التي ساقتها لتبرير موقفها أمام المجتمع الدولي، كالقول إن «الفيتو» لا يعكس معارضة للدولة الفلسطينية، بل هو اعتراف بأن هذه الدولة لا يمكن لها أن تنشأ إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وبغض النظر عن التشكيك بأن فلسطين لم تستوف معايير اعتبارها دولة، خصوصاً أن هناك إشكالية حول قطاع غزة، الذي يعتبر جزءاً رئيسياً من الدولة الفلسطينية المنشودة، فإن الخطورة تكمن في إسناد قيام هذه الدولة إلى المفاوضات المباشرة التي استنفدت منذ وقت طويل. وهو ما يعني أن هذه الدولة لن تقوم أبداً بعد أن ووجهت بالرفض المطلق من قبل حكومات اليمين الإسرائيلي المتعاقبة، وآخرها حكومة اليمين المتطرف الحالية، التي يتفاخر رئيسها بنيامين نتنياهو بأنه وقف حائلاً دون قيام دولة فلسطينية على مدار أكثر من 20 عاماً، فكيف سيكون عليه الحال مع حكومة تضم بن غفير وسموتريتش اللذين ينكران أصلاً وجود الشعب الفلسطيني.

أما بالنسبة للخطط والمشاريع المتعلقة بما يسمى «اليوم التالي» لحرب غزة، فإن مستقبل القطاع يفترض أن يكون مسألة فلسطينية بحتة يمكن إيجاد حلول سياسية لها، ولا شأن لها بالاعتراف من عدمه. وبالتالي فإن الذرائع التي تسوقها واشنطن ليست سوى نوع من الخداع والتضليل المتعمد، ليس للفلسطينيين وحدهم بل للمنطقة والعالم بأسره، الذي بات يدرك أن فرض قيام دولة فلسطينية بات هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام وإيجاد حل حقيقي للصراع.