هناك تراجع لا يخفى في المستوى العام للثقافة والفنون الجماهيرية، ليس في العالم العربي، ولكن في مناطق عديدة حول العالم ما عادت تنتج تلك الثقافة الرصينة ذات المضامين الجمالية والقيمية التي لطالما عرفناها وأثرت في تكويننا، صحيح أن ليس كل ما يقدم رديئاً، لكن الواضح، هو أن الرداءة صارت طابعاً غالباً على معظم ما له علاقة بالثقافة والفنون البصرية والذائقة الجمالية التي تقدم للجماهير العريضة من الناس، على مستوى السينما والغناء والأفلام والفنون التشكيلية وعالم الأزياء والرواية.

إن هذا النوع من الثقافة وبهذه الهوية الجمالية المتراجعة التي تروج منذ أكثر من عشرين عاماً، والتي ترافقت مع ثورة التكنولوجيا، وسيادة مفهوم الصوابية السياسية، صارت تتمدد في حياتنا بشكل أشبه بالإكراه والإجبار، حيث إننا صرنا مكرهين على متابعة الأفلام التي لا تخلو من مضامين تروج صراحة للجنس والمثلية والتحول الجنسي والإلحاد والعنف، باعتبارها تمثل صواباً إنسانياً يدعم احترام حقوق وخيارات الإنسان، أما مطربو أغاني التفاهة باعتبارها أغاني الجيل الشاب فحدّث ولا حرج، وأما أنماط الثياب فلم تسلم من القبح وتردي الذائقة.

ولو أن متتبعاً أراد التأكد، لأمكنه ذلك عبر رصد وتتبع نتاجات السينما العالمية والعربية والهندية..، وسيجد أن نوعية ومستوى الأفلام التي كانت توصف بالعظيمة والمهمة في تاريخ الفن السابع، بكل تلك القضايا والسيناريوهات المحكمة والحوارات القوية والممثلين الذين لن يتكرروا، هذه الأفلام لم يعد لها وجود، أو أنها أصبحت من النوادر، وحتى الممثلون من أصحاب السجل العظيم ركبوا موجة الأفلام التي لا تقدم فناً بقدر ما تعيد مضغ الأفكار نفسها، وكأن الإبداع السينمائي قد تجمد أو أن هذا ما يراد له أن يسود!

فماذا يتابع الجيل الحالي؟ وأية أغانٍ يسمعون وأي مطربين؟ ماذا يقرؤون هذا إن قرأوا؟ بمن يقتدون ومن يتابعون ليل نهار؟ ما هي ألعابهم المفضلة؟ وما هي أحاديثهم الدائمة؟ هذا ليس حكماً عليهم فهم أبناء ونتاج زمانهم في النهاية، لكن هل علينا أن نقتنع بأن كل ما يحدث هو مجرد دورة زمن طبيعية؟