قبيل وصول الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى هولير عاصمة اقليم كردستان بفترة، كان بعض الأخوة والأخوات قد لمّحوا بوجوب شكر الفرنسيين على مواقفهم الإيجابية تجاه ثورة السوريين على نظام البعث، وكذلك شكرهم على ما قدموه لللاجئين السوريين بوجهٍ عام والكرد منهم على وجه الخصوص، وتعبيراً عن الشكر لفرنسا وللاحتفاء بدورها التويري، بأن أهديهم عبير كلماتٍ ترسم البسمة على شفاههم على غرار ما فعله مسؤول دائرة البروتوكول والتشريفات في حكومة الاقليم عند قيامه بإهداء ألبوم صور خاصة بزيارة الرئيس الفرنسي تعبيراً عن الاحتفاء بالضيف في نهاية زيارته، ففكرت بأن أحذو حذوه ضمن إمكانياتي المحدودة، كما أن الذي عزز الرغبة للقيام بذلك هو كلام الرئيس الضيف بُعيد جولته في جبهات القتال وإشادته بجهود ودور البيشمركة بقوله: "بأنه لم يكن بالإمكان مواجهة تنظيم داعش من دون بسالة قوات البيشمركة".

عموماً سأحيل باقة شكر وتقدير أولئك الأفراد إلى مادة لاحقة، وهنا يطيب لي الانطلاق إلى الحكومات الفرنسية ومواقفها، لذا سأسرد بعضاً من المواقف البارزة والمشرفة لإحدى الحكوماتالفرنسية تجاه القضية الكردية بوجهٍ عام، وقد ذكرها رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني في 16 من فبراير/2014 أثناء المراسيم التي أقامتها القنصلية الفرنسية في أربيل، إحياءً لذكرى الثورة الفرنسية والذي قال فيها: " أنه في عام 1967 أبرمت الحكومة العراقية اتفاقا مع الحكومة الفرنسية لبيعها سربين من الطائرات الحربية من نوع الميراج ووقتها كان الجنرال ديغول موجودا وهو كان شخصية سياسية فرنسية عالمية معروفة، وكان يتواجد في كردستان وقتها صديق للشعب الكردي من فرنسا وهو الصحفي رينية موريس، فكتب الراحل (ملا مصطفى البارزاني) رسالة إلى الجنرال ديغول، يقول فيها: نحن نفهم أن لفرنسا مصالح في العراق ولكن في نفس الوقت أريد أن أبلغ سيادتكم أن هذه الطائرات هي من أجل قتل نساء وأطفال الكرد وإحراق القرى الكردستانية، فقام الجنرال ديغول أنذاك فورا بإلغاء العقد مع الحكومة العراقية".

وفي السياق نفسه فلا أعتقد بأن ثمة كاتب أو صحفي كردي لم يسمع بالسيدة دانيال ميتران التي كانت بحق من أعز صديقات الشعب الكردي في أوروبا، وقد أطلق عليها الكرد لقب (أم الكردdayîka kurda )، والتي ربما كان لاحتلال قوات ألمانيا النازية لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وانخرطت دانيال وأسرتها في النضال ضد النازية والتي تعرفت خلال نضالها في حرب المقاومة على السيد فرنسوا ميتران الذي كان هو الآخر مناضلا في صفوف المقاومة، دور في تعاطفها مع القضية الكوردية، بكونها ذاقت مرارة الاحتلال الأجنبي وقسوة النازيين المتغطرسين، لذا نذرت حياتها للدفاع عن حقوق وكرامة الإنسان في كل مكان، وكانت من مؤسسي منظمة فرنسا الحريات لمساعدة ضحايا الاضطهاد والقمع والفواجع في العالم، والتي في عام 1944 اقترنت بالسيد فرنسوا ميتران الذي صار رئيسا للجمهورية الفرنسية سنة 1992، وكما كانلزوجها فرانسوا دور بارز في إصدار قرار المنطقة الآمنة في كوردستان العراق، وبذلك الصدد فقد ذكر بارزاني بأنه التقى في عام 1992 بالرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران فقال له متران أنذاك: "أبلغ الشعب الكردي بأن لديهم صديقاً فرنسياً وهو فرانسوا ميتران، مستطرداً ما دمت في الحكم فسوف أدعمكم وإن رحلت فسوف يدعمكم الشعب الفرنسي"، وقد كان ميتران صادقاً بالذي قاله فها هو الشعب الفرنسي يتمم ما بدأه ميتران ولم يخب أمل ميتران بالكثير من النبلاء الفرنسيين الذين كانوا أهلاً لما أشار إليهميتران.

وفي الوقفة هذه فلن أطيل الإقامة في محطة سايكس بيكو التاريخية لئلا يعكر صفوي وصفوَ مَن يستحقون منّا الاحترام والتقدير على ما بذلوه ولا يزالون قيد ذلك، حيث المنطق يقول بأنه لا يحق لأي عاقلٍ أن يحمّل هؤلاء الأكارم شيئاً لا شأن لهم به، وقد سمعوا به كما نحن سمعناه وقرأناه في كتب التاريخ والسياسة، كما أننا إذا ما وضعنا طباخي اتفاقية سايكس بيكو جانباً مع أنه كانت لحكومة فرنسا وقتها دورها البارز بتقسيم جغرافية كردستان، إلا أن علينا قبل تحميل الفرنسيين تبعات ذلك الاتفاق التاريخي المشؤوم، حريٌّ بنا أن نحاسب أنفسنا، وأن نحمّل شعبنا ونخبتنا السياسية والثقافية الذين بكل تأكيد لم يكونوا مؤهلين وقتذاك ليمثلوا الشعب الكردي، وذلك قبل أن نلوم فرنسا لدورها في سايكس بيكو، كما علينا أن ننتقد جهل أجدادنا وتخلفهم الذي كان السبب الرئيس لكل ما حل بالشعب الكردي قبل ملامة الآخرين لما حل بنا، بما أن الجهل سيد كل أمراض ومقابح المجتمعات، ونحن قبل خمسين سنة كنا ضحية مجتمعٍ جاهلٍ بامتياز، وساسة الكرد بالكاد كانوا يعرفون كيف يديرون شؤون أنفسهم، كما كان مجتمعنا مفتقراً لرواد الوعي القومي ومرشدي الناس إلى الخلاص، وكان المجتمع يفتقر إلى من يخططون لمستقبله، ومن يضعون السكة أمام العامة حتى ينطلقوا عبرها الى غدٍ أفضل مما هو عليه الآن.

وفي الختام أعيد ذكر ما قاله فرانسوا أولاند في ختام زيارته لهوليروهو القائل"ربما في بلادي لم أشعر بالأمان بقدر شعوري به في كوردستان" وما نتمناه هو أن تصبح حكومة الاقليم فعلاً مساحة للأمان والوئام والسلام، ونرى بأنه قبل رمي عبء مسؤولية الحفاظ على الأمان وإنهاض البلد وناسه على عاتق الحكومة فإن التحرر الفكري والاجتماعي في الاقليم لا يقع فقط على كاهل الإدارة فيها، إنما على ساسة ومثقفي الاقليم بذل كل الجهود الممكنة لتحرير العامة من آفة التطرف الديني الموجود في كردستان العراق، لأن هذا الواجب منوط بالمثقفين قبل غيرهم، وعليهم عدم دخر الجهود في سبيل ذلك، بل القيام بذلك الواجب بكل جدية مع الحكومة وربما قبلها أيضاً، وأن لا يتقاعس المثقف عن القيام بدوره، أو بدافع الجبن يلتزم واحدهم السكوت فلا يتجرأ على التكلم بصوتٍ عالٍ أمام العامة، أو لا يمتلك واحدهم الشجاعة لأن يُشهر بأمراض مجتمعه على الملأ، وبألا يكتفي المثقف باتهام السلطة بالتقصيرأو تحميل الحكومة وزر تلك الأمراض التي هي أولاً وأخيراً قضيةالمثقفين ومتنوري المجتمع، وذلك إن قامت الحكومة بواجبها التوعويتجاههم أم لم تقم.