هاشمي رفسنجاني ارسى هيكل الجمهورية الاسلامية الإيرانية وفقا لتوجيهات مرشده روح الله الخميني ولعب دورا رئيسيا في السياسة الايرانيةخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم ، لكن دوره قد انحسرمنذ اوائل هذا القرن وخاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها إيران عام2009.

فقد ساعد رفسنجاني في استقرار نظام شمولي، دموي، فاسد وغير سوي في إيران بعد ثورة الشعوب عام 1979 حيث كانت تطمح الى الحرية والعدالة الاجتماعية وفق شعارات جماهيرها؛ غير انه غير البوصلة بعد ابتعاده عن مركز القرار السياسي في السلطة واخذ موقفا وسطيا يؤيد الحركة الاصلاحية. فلم يكن رفسنجاني طوال حياته ديمقراطيا ولا حتى اصلاحيا. فاذا تغاضت الطبقة الوسطى في طهران عند تشييع رفسنجاني عن جرائمه التي ارتكبها خلال فترة حكمه غير ان الطبقات الدنيا والشعوب غير الفارسية التي ذاقت الامرين من سياساته الموالية للبطقات الميسورة والقائمة على التمييز ازاء القوميات غير الفارسية، لم تنس ماضيه الظالم والدامي.

فقد استغلت الجماهير مناسبة التشييع في طهران لتحولها الى مظاهراتواسعة معارضة للنظام الإيراني ومطالبة باطلاق سراح السجناء السياسيين وقادة الحركة الخضراء المسجونين منذ خمس سنوات. وهذا يعني ان الحركة الخضراء والحراك السياسي من اجل الديمقراطية في إيران لم تندثر خلافا لمزاعم النظام الإيراني بل تبرز الى السطح اينما وجدت منفذا لتعبر عن استياءها وسخطها ازاء نظام ولاية الفقيه الشمولي.

وبعد الفراغ الناجم عن وفاة علي اكبر هاشمي رفسنجاني، يجب على المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي المحاصر بين تنين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل وافعى ترامب في الخارج ان يتخذ قرارا مصيريا وصعبا لانها تتأهب لإلتهام بيت المرشد الذي ينخره الفساد والقائم بقوة حراب الحرس الثوري. 

فوفقا لما ذكرت، على خامنئي ان يختار اللعب باي من الورقتين: الاعتدال ام التشدد؟ ونحن نعلم انه الولي الفقيه المطلق وصاحب القرار والكلمة النهائية في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية الهامة. وقد اجادولي الفقيه، اللعب على الورقتين منذ موافقته على ان يكون الاصلاحي محمد خاتمي رئيسا للجمهورية في الفترة 1997-2005 ومن ثم المتشدد محمود احمدي نجاد في الفترة 2005-2013. وقد ضمن خامنئي بتلك اللعبة شبه الديمقراطية، استمرار النظام الذي يقوده والحيلولة دون اي تغيير ديمقراطي حقيقي في البلاد. وعلى المستوى الخارجي هو الذي أمر باجراء مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة في سلطنة عمان بعد ان شعر بوطأة العقوبات الاقتصادية الجسيمة المفروضة من قبل الدول الغربية وخطر الانهيار الاقتصادي للبلاد والسقوط السياسي للنظام. غير انه اضاع الفرصة لتحسين علاقات بلاده مع الولايات المتحددة الاميركية في عهد الرئيس اوباما، رغم مطالبة الرئيس الراحل لمجلس تشخيص مصلحة النظام هاشميرفسنجاني والرئيس الإيراني حسن روحاني بذلك. وهو يواجه حاليا افعى لايمكن التكهن بسلوكه وتحركاته.

فلم يحكم خامنئي لابالسلب ولابالايجاب على ترامب عندما تم انتخابه في اوائل شهر ديسمبر/كانون الاول الماضي، ويبدو انه سيلعب لعبته وفقا لما يظهره الرئيس الاميركي المنتخب من مواقف تجاه إيران بعد تسلمه السلطة في العشرين من هذا الشهر. فليس مستبعدا ان يغير دونالد ترامب منسياسات سلفه اوباما تجاه إيران، خاصة وان المرشحين لمناصب مفصلية في إدارته كوزيري الدفاع والخارجية يكنان العداء للنظام الإيراني. وهناك اسباب عديدة تساعد الإدارة الجديدة بان تنتهج مثل هذا النهج، منها اطلاق الصواريخ الباليستية من قبل الحرس الثوري ودعم الارهاب وتهديد دول الجوار وإنتهاك حقوق الانسان في إيران. فاذا اظهر ترامب موقفا متشدداخلال الاشهر المقبلة، فمن المؤكد ان يظهر خامنئي (ومن وراءه الحرس الثوري) ورقته المتشددة وهذا مايحبذه عادة المستبدون من امثاله. فهنا يمكن ان يشجع خامنئي شخصيات اصولية متشددة للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية كسعيد جليلي او ابراهيم رئيسي او حتى قاسم سليماني، الذي يحظى بشعبية بين المتشددين وفئات من الاصلاحيين والقوميين الفرسويمنع بذلك روحاني من الوصول الى سدة الرئاسة لفترة ثانية. 

ولااستبعد ان يؤدي مثل هذا الخيار الى وقوع قلاقل واضطرابات من قبل مؤيدي الحركة الخضراء والمعارضة الإيرانية. وكما شاهدنا في مظاهرات تشييع رفسنجاني هناك قوة غضب وسخط كامنة في المجتمع الإيراني يمكن ان تتفجر في مثل هذه الحالات. 

وفي الحالة الاخرى سيلعب علي خامنئي ورقة الاعتدال وذلك عندما يشعر بعدم وجود خطر من قبل دونالد ترامب، إما بفعل وساطة روسية او بطريقة اخرى. وهنا سيستمر حسن روحاني في رئاسته للجمهورية لفترة ثانية، غير ان خامنئي وقادة الحرس الثوري الداعمين له لايمكن ان يسمحوا ان يخلف المرشد الاعلى، شخص غير متشدد ( او ثوري اسلامي كما يصفونه) في اي مقدمات تخص تحديد خليفته وهذا ما سمعناه منهم كرارا.