"إن أسوا مكانٍ في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى"

مارتن لوثر كينغ

حسب المقولة أعلاه من غير المنطقي ولا الأخلاقي أن يأخذ المرءدور المتفرج في المِحن العظيمة، أو أن يقف الإنسان مع الممعن في الطعن ضد المطعون، كما أن الانحياز لأي طرفٍ منهما يجب أن لا يكون من منطلق التعصب المذهبي أو الديني أو القومي أو الحزبي، إنما من منطلق مناصرة الحق أينما كان وأياً كان المقصود بالإنصاف، بالرغم من أن حتى الحق نفسه قد لا يخلو من معيار النسبية، ولكن يبقى الميل نحو الحق أخير من الانحياز للباطل وناسه، لذا ففي القضايا المصيرية والمفارق القاسية في دروب الحياة، ومعلومٌ أنه في حال الاِشتباك بين خصمين فإن مَن يمساك بالمعتدى عليه في الهجوم بدلاً من المعتدي هو إما عن غبار يفعل ذلك، أو عن عمدٍ كان متحالفاً مع المعتدي، عندها لن يمت للحياد بصلة قرابة موقفَ ذلك الذي ادّعى بأنه جاء ليفصل بين المتقاتلين.

وفيما يتعلق بالصراع السياسي بين الأطراف الكردية في كلٍ من سوريا والعراق، ففي سورياً بدا الخلاف جلياً بين المجلس الوطني الكردي مقابل الجناح الآخر حامل لواء الهلامية السياسية وما تبقى من الأفكار الستالينية أي حزب الاتحاد الديمقراطي، وفي العراق ما بين حكومة وأحزاب الإقليم وحزب العمال الكردستاني العابر للحدود والمضارب، ونتيجةً لتراشق الاتهامات بين الأطراف المذكورة واعتداء طرفٍ على آخر، ظهر لنا فريق آخر يسمى نفسه بـ: (الخط الثالث)الذي يحاول أن يمسك العصا من المنتصف وهو يحاول أن يظهر نفسه كحركة عدم الانحياز، ومن خلال مكانته في الوسط يحاول أن يرتقي إلى المنصة العدلية ويغدو حَكَماً بين الأطراف الأخرى التي تعيش هواجس صراعٍ سياسي قابل للانفجار في أي لحظة، وذلك بسبب استمرار طرفٍ منهم استخدام كل ما توفر لديه من الوسائل والطرق والحبائل للإيقاع بالأطراف الأخرى بعد إضعافها قدر المستطاع.

إذ بالنسبة للإقليم فغدا حزب العمال الكردستاني عبئاً عليه بدلاً من أن يكون عوناً له، حيث سبق أن تم استخدامهم ضد الإقليم من قبل معسكر مخمور الذي أعدّه صدام حسين لهم قبل سقوط نظام البعث في العراق، وذلك ليكونوا كالطعنة الحاضرة لخاصرة الإقليم، ومن ثم جاء المالكي واستخدمهم ضد الإقليم من خلال التوافق مع طهران وأذرعها في العراق تارةً مع داعش وتارةً مع الحشد الشعبيالشيعي الذي هو عملياً الوجه الآخر لداعش السنة، وهم منذ سنواتٍبمثابة ظل ثقيل على الإقليم كأخٍ لم يكن مرحباً به منذ سنوات، ولكنه أراد أن يفرض سطوته مراراً من خلال الاتفاق مع طهران ودمشق وبغداد، ليفرض سلطانه على اخوته فرضاً وبالإكراه، نقول أخ غير مرحب به لأن أي أخ يمارس استبداده وسطوته في البيت لا يعود محط ترحيبٍ في الأسرة وفق القيم العصرية في معظم دول العالم، أخ غير محتفى به طالما لم يكن ليلتزم بحدود الأخوة ولا بآداب التعامل معه، أخ من ورثة الفكر الشمولي لا يقبل إلاّ أن يكون سيداً على أخوته رغماً عنهم، بينما نفس الأخ المتوارث قيم الطغاة يطيب له أن يظل عبداً لدى أعدائه، هذا كان بالنسبة لعلاقة حزب العمال الكردستاني مع حكومة إقليم كردستان.

أما في سوريا فهذا الأخ نفسه وبالاتفاق مع أجهزة أمن نظام البعث استطاع أن يفرض سيطرته على كامل المناطق الكردية بقوة السلاح والاحتكام غالب الأحيان إما إلى خداع الناس بالشعارات الترغيبية أو من خلال العنف والترهيب في تعامله مع كل من لا يتوافق مع نهجه ومشروعه الوهمي، حيث ازداد من شراسته على اخوانه بدعوى أنه كبيرهم، ويحمي مصالحهم، ويدافع عن حياض الوطن عنهم، أما ممن يحمي المناطق الكردية لا نعلم تماماً باعتبار أن من يحاربهم الأخ المفترض سبق واتفق معهم، كما أنه على وفاقٍ تام مع طاغية البعث، وفي أكثر من واقعة كانت ثمة تقاطعات بينه وبين داعش نفسه ذلك التنظيم الأشبه بالكائن الخرافي الذي يقتسمون المغانم معه في أكثر من موقع، كما لهم علاقة مع أردأ الفصائل المسلحة التي هي أيضاً ليست أكثر من أدوات لدى بعض الدول مثل إيران وقطر وتركيا.

حيث راح متزعم الأخوة يعتدي مؤخراً على مكاتب اخوته، يحرقها،ويعتقل قادة وكوادر الأحزاب الكردية بالعشرات، ولا يقبل بأي لون آخر غير لونه الهلامي الذي أوصل الناس إلى حالة القرف والنفور من كل الألوان، وفوق كل الاعتداءات والانتهاكات السياسية والأخلاقية والقانونية بحق اخوته بقي الخط المسمي نفسه ثالثاً لابداً في قاع السكون، ويغمض أعينه عن كل تجاوزات وعسف الأخ المستفرد، ولم يصدر عن الخط الثالث ما يدين تصرفات وهيمنة الأخ جبلاوي*، ولا حاول حسب علمي اتخاذ موقفٍ شجاع لا رجعة عنه بخصوص الممارسات التعسفية المرفوضة لذلك الأخ، إنما وتهرباً من اتخاذ الموقف الذي يطالبهم بالجرأة والحزم في الوقوف بوجه سطوته تنحوا جانباً وراحوا يحمّلون طرفي العلاقة مسؤولية ما آلت إليها الأمور، أي غدا الضارب والمضروب على سويةٍ واحدةٍ لديهم،وراحوا من المنصة الثالثة يطلقون أحكامهم التي نراها تفتقر إلى الحزم والجرأة والموضوعية والعدل والإنصاف، ويبدو لنا أن موقفهم أقرب إلى الحياد السلبي، والحياد السلبي حسب رأي الدكتورحسن رمضان "هو من أخطر الظواهر على مستوى الأفراد والمجتمع، فلا يمكن أن تقف على الحياد في موقف يحتاج رأي أو نصح او إرشاد، وخصوصاً إذا كان الموقف يحقق مصلحه أو يصون حق"، علماً أنه قد يكون في دخيلة أغلبهم يلعب فأر الضمير فيهم وهو يقول لهم: مَن لا يتجرأ بنقده إلا على الضعيف لا يعوَّل لا على رأيه ولا على حكمه.

عموماً فالذي يود أن يأخذ دور الوسيط لرأب الصدع بين الأطراف المتصارعة، عليه أن يكون قادراً على إلزام أي طرفٍ منهم بما يراه ضرورياً على أمل إيقاف التشحين وإطفاء شرارة الصراع، علماً أنه بالمعنى الحرفي ليس هنالك صراع، إنما ثمة طرف جائر يعتدي على الطرف الآخر، ويمارس العنف المنظَّم بحقه، ولا يرضى بالأخ إلا مهمشاً أو مُذعناً لشروطه، مع أن الأخ الصلف والمتكبر نفسه يفتقر لشروط السيادة، ويفتقد لأناه أمام الأنظمة التي توجهه بالريموت كونترول عن بُعد، ويبدو واضحاً من خلال سلوكياته أنه حتى أوان كتابة هذه المادة غير مؤهل لأن يأخذ دور السيّد إلا على اخوته الذين يتجرعون مرارة تصرفاته الخرقاء على مضض.

وبخصوص المحاولات الإصلاحية للخط الثالث نقول فهل لديه القدرة حقاً لأن يؤثر على أي قرارٍ من قرارات حزب الاتحاد الديمقراطي؟وهل استطاع أن يمنع أنصار الحزب المذكور مِن حرق وتخريب أي مكتب من مكاتب المجلس الوطني وأحزابه؟ وهل بمقدور الخط الثالث أن يأمر حزب العمال الكردستاني بالخروج من مناطق لم يجلب وجوده فيها إلاّ المزيد من الخراب والدمار؟ وحيثما انتقل الحزب بنضاله المزعوم حوّل تلك الأماكن إلى أرضٍ موات، وإذا كان الخط الثالث لم يكن يمتلك جسارة النطلق بكلمةٍ منصفة فهل له الحق بأن يكون حكَمَاً؟ طالما كان مطلوباً ممن تبوأ مقام الاحتكام إليه أن يكون عادلاً، وإذا لم يكن قادر على إيقاف المعتدي وفشله في إبعاده أو توبيخه ألا يكون في موقع المتحالف الضمني مع المعتدي؟ باعتبارأن المنطق لا يقبل بأن نمسك بالأعزل وندع المهاجم حراً طليقاً، وحيث أن الإمساك بالأعزل بدلاً من المسلح معناه أننا نساعد المعتدي بأن يحكم السيطرة ويطعن المعتدى عليه بأريحية وإمعان، وهو ما يؤكد بأن مَن كان عليه أن يفصل بينهما ليس إلا مؤازرللمعتدي عن سبق الإصرار. 

وفي ختام المقالة نقول بما أن حزب الاتحاد الديمقراطي من السهولة لديه التخلي عن أغلب المناطق التي حررها بدماء مئات الشهداء في الحرب ضد تنظيم داعش، وكمثال حيٍّ وقريب: قُرى منبج التي خسر فيها هذا الحزب الهلامي حسب النشطاء أكثر من 1000 شهيد كردي، وكذلك قبلها وبكل سهولة سلّم قرى أخرى في محيط بلدة تل رفعت لنظام الفرعون أسد، فيا ترى هل بمقدور هذاالفريق المسمي نفسه بـ: (الخط الثالث) إقناع حزب العمال الكردستاني بالإنسحاب من شنكال كما فعلت قوات البيشمركة في كوباني حيث أنها آزرت وحدات الحماية الشعبية من تاريخٍ معين إلى تاريخٍ محدَّد، ثم سلّمت مواقعها بكل احترام لوحدات الحماية، وهل بمقدور الخط الثالث إيقاف اعتداءات حزب الاتحاد الديمقراطي على مكاتب وقيادات وأعضاء أحزاب المجلس الوطني الكردي؟ أم أن مطالب وتوبيخات وملامات وانتقادات الخط الثالثمخصصة فقط للقسم المعتدى عليه؟ باعتبارهم دون المستوى الذي يسمح لهم بالضغط على منظومة حزب العمال الكردستاني التي قد تتنازل وترضخ بكل يسر للأعداء، بينما لا تتمرد تلك المنظومة الشمولية ولا تتفرعن إلاّ على الكرد والحركة الكردية وأينما وجدَ الكردُ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الشخصية المحورية والأساسية في رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ.