رغم عقد اتفاق استراتيجي شامل للسلام بين الحزبين الكرديين الحاكمين في اقليم كردستان حزب الديمقراطي بزعامة مسعودبارزاني والاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني برعاية امريكية مباشرة وتقسيم السلطة والمناصب ومناطق النفوذ وموارد الاقليم بينهما مناصفة (ففتي ففتي) وفق بنود الاتفاقية ، اضافة الى تقسيم حصة الكرد في الدولة العراقية من مناصب ومكاسب مالية بينهما بنفس الطريقة ، ومن اهم المناصب الرفيعة التي حصلا عليها ؛ منصب رئيس الجمهورية في بغداد لجلال طالباني ومنصب رئيس الاقليم لمسعود بارزاني (وانا اتعجب من الاتحاد الوطني الكردستاني كيف يطالب بتنحية بارزاني عن رئاسة الاقليم بحجة الديمقراطية وانتهاء فترة حكمه القانونية ومازال ممثله في بغداد يتبوء منصب رئيس الجمهورية وفق الاتفاق"الاستراتيجي" غير الدستوري!) ، ورغم كل هذه الامتيازات الخيالية التي اكتسباها فانهما لم يتوقفا للحظة عن صراعهما الحزبي واثارة النزاعات السياسية القديمة من جديد وسعيهما الى بث الفرقة والتنافر في المجتمع الكردي ، تكريس هذه السياسة الخاطئة جعلت الاقليم يفقدنفوذه السياسي في بغداد شيئا فشيئا حتى وصل حاله الى ماهو عليه الان ؛ "الصفر" ! ، وكلما تدهورت علاقة الحزبين وتفاقمت الخلافات بينهما داخل الاقليم ، ازدادت اوضاع الاكراد السياسية والاجتماعية في بغداد سوءا وامعنت الطغمة الطائفية الحاكمة في طغيانها وجبروتها اكثر ومارست بحقهم كل انواع الظلم والعسف الطائفي وضيقت عليهم الخناق من كل جانب وعاقبتهم وفرضت عليهم سياسة التجويع ، ولن تقف عند هذا الحد بل ستمضي في اجرامها لتدمير الاقليم تدميرا كاملا حتى يضطر في النهاية الى رفع الراية البيضاء والاستسلام والعودة الى حظيرة العبيد صاغرين !..
وطبعا لن تصل الى هذه النتيجة الا اذا فرقتهم ومزقتهم كل ممزق وفق القاعدة الاستعمارية (فرق تسد) ، وفعلا استطاعت هذه الطغمة ان تدق اسفينا كبيرا بين السليمانية واربيل عقب الزيارة المشؤومة التي قام بها مندوبها (نوري المالكي) الى السليمانية والتي توجت بوضع حجر الاساس لتحالف سياسي ضد رئيس الاقليم ، وفصل السليمانية عن اربيل تماما ، وما لم يحققه (صدام حسين) بجلالة قدره طوال سنوات حكمه الخمس والثلاثون سيحققه "المالكي" في زيارة واحدة مستغلا الخلافات السياسية العميقة بين الاحزاب الكردية .. قبول الاتحاد الوطني وحركة التغيير بالتحالف مع المالكي ـــ وفق تصريحاتهم ـــ يعني وأد الحلم الكردي في الاستقلال و ضرب رصاصة الرحمة الاخيرة على "جثة" وحدة الصف الكردي والحؤول دون تحقيق الهدف الذي طالما سعت اليه حركات التحرر الكردية منذ اندلاعها وضحت في سبيل تحقيقه انهار من الدماء الزكية وهو الاستقلال والانفصال نهائيا عن العراق ..
هذا ما يحاول " المالكي" ومن يقف ورائه جاهدا الوصول اليه ، دون ان يخفيشعوره في العودة ثانية الى الحكم وتحقيق حلمه الذي بات يقض مضجعه ليل نهار ، رغم ادراكه التام باستحالة تحقيق هذا الحلم العقيم مهما حاول لانه اصبح كرتا سياسيا محروقا محليا ودوليا ولن يسمح له العراقيون ولا المجتمع الدولي ان يثير الازمات من جديد ويعبث بالمعادلة الدولية والاقليمية الاستراتيجية ومصالحها في المنطقة والعودة ثانية الى السلطة بعد ان طرد منه ، يدرك الرجل هذه الحقيقة ولكن يحاول ان يشوش على المشهد العراقي والكردي كعادته ويدفع بخصمه السياسي اللدود "بارزاني" الى زاوية ضيقة مميتة يضطر فيها الى عقد تحالف مماثل مع اقطاب الشيعة الاخرون "مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي" الذين ظهروا وكأنهم مختلفين عن المالكي وعلى خصومة سياسية معه ـــ زورا ــ وهم لا يختلفون عنه في شيء .. هدفهم جميعا واحد هو اجهاض المشروع الاستقلال الكردي والعودة الى حضن الدكتاتورية العراقية غير الدافيء التي يقودها الشيعة .. واعادة الامور الى مربعها الاول !
التعليقات