استجابت عمان بإيجابية وسريعاً، فرحّبت بالضربة الأميركية لقاعدة الشعيرات الجوية السورية، واعتبرتها رد فعل ضروري ومناسب على استمرار استهداف المدنيين بأسلحة الدمار الشامل وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجدّدت على لسان وزير إعلامها، رفضها وإدانتها للهجوم الكيميائي الذي استهدف المدنيين في خان شيخون، ووصفته بأنه لا إنساني وشنيع، وجددت دعمها لجهود منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، للتأكّد من عدم تكرار استخدامها، وغرد وزير الخارجية على تويتر، بأن الهجوم الصاروخي الأميركي في سوريا، رد ضروري ومناسب على استهداف النظام السوري للأبرياء. وبعدها في تصريح متلفز قال إن الأردن يرى في الضربة الأميركية رسالة واضحة، بأن المجتمع الدولي لن يتحمل أي اعتداء على المدنيين الأبرياء، أياً كانت الجهة التي تقف خلفه، وأن الأردن علم أن الهجوم سيكون رداً محدوداً مرتبطاً بالهجمة الكيميائية على المدنيين، وأعرب عن أمله بتظافر الجهود باتجاه انخراط حقيقي وجاد في عملية سياسية توقف الاقتتال في سوريا، وشدد على الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق وإنهاء معاناته، عبر الحل السلمي.

 قبل الوزيرين كان العاهل الأردني أعلن في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، أن المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه، من الأرجح أن يخرج من المشهد، وأنه لا بد من وقف القتال وإيجاد حل سياسي يقبله السوريون، وأن على المجتمع الدولي تحمل المسؤولية الأخلاقية للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية البشعة، التي طالت المدنيين في سوريا، وأن موضوع التخلص من الأسد سيبحث في محادثات جنيف المقبلة، مُعرباً عن اعتقاده بأن روسيا تريد بقاءه لفترة أطول مما يريده الآخرون، لكنها غير متمسكة ببقاء بشار، وفي النسخة الجديدة من جنيف، سيكون هناك نوع من الاتفاق بين الأطراف على تحديد أولوياتهم ومصالحهم المشتركة، وحول كيفية التعامل مع الأسد، وفي نهاية المطاف نحتاج نظاماً سورياً مقبولاً من كل الشعب السوري.

قبل هذه المواقف بأيام، دأبت عمان على مغازلة دمشق متمتعة بالهدوء على حدودها الشمالية، حتى أنها بذلت جهداً في القمة العربية، لاستصدار قرار منها بإعادة النظر بتجميد سوريا، كما اتخذت خطوات يبدو أنه كان متفقاً عليها مع الروس والمصريين، وهم يقفون مؤخراً بقوة مع النظام السوري، وبعد القمة سعى الأردن باعتباره رئيساً لها، للوقوف مُحايداً وبعيداً عن أي خلاف مع أي دولة عربية، حتى وإن اختلف معها سياسياً، وسعى لتخفيف النقد على النظام السوري، فترك مقعد دمشق في القمة فارغاً والعلم السوري مرفوعاً عليه، وواضح أن هذا الموقف الحذر لم يكن نابعاً من كونه يرأس القمة، بقدر ما هو ناجم عن عدم الإلمام كلياً بموقف ترامب، الذي توضح بعد مجزرة خان شيخون، واستدعى من عمان هذه الاستدارة الكاملة، والعودة إلى دفء العباءة السعودية وربما القطرية أيضاً إن لم يستثر ذلك غضب القاهره.

لايؤيد الأردنيون جميعاً موقف حكومتهم، فقد نفذ متظاهرون يوم السبت وقفة احتجاج أمام السفارة السورية في عمّان، وهاجم النائب طارق خوري إدارة الرئيس ترامب قائلا: "إدارة أوباما كانت تبرر دعم داعش بالقصف الخطأ، في حين أن إدارة ترامب تدعم داعش والإرهاب علانية بذرائع واهية مختلفة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تباينت آراء الأردنيين، بين مؤيد للضربة الأميركية ومعارض لها ومندد بها، ومنها "من يقرأ الضربة بعين الانحياز الأمريكي إلى أطفال سورية واهم، ومن يهلل لها فرحاً حتى لا أقول خائناً، فلا فرق بين الغباء والخيانة" و"على العرب أن يعرفوا أن هذه المجامله الأمريكية الصاروخيه على سوريا، ليست لسواد عينكم ولا احتراماً لكم، وهي على حسابكم وحساب شعوبكم الجائعة". و"الزعيم الذي لا يلتحفُ بشعبهِ وأُمتهِ، بالعدالةِ والكرامة والمحبة والكبرياء، سيغدو كرةً رخيصةً تتقاذفها الأرجلُ والأقدامُ"، و"ذباب أسود ، صواريخ من هنا وهناك، المُبكى ضحكات فرحة من شاشات ناطقة بالعربية". "كلاهما مجرم، وأنّى تؤيد، فأنت شريك بالجريمة، والشعب الضحية خصمك بلا ريب". " عندما قال ترامب إن تغيير النظام السوري ليس أولويه، فرح الأسديون بهذا القرار ورقصوا، واليوم عندما تم فرك أذن النظام الأسدي، حتى لايكرر فعلته الشنيعه بضرب شعبه بالكيماوي، أخذوا يوجهون التهم يمنة ويسره"، و" مؤلم جداً أن نؤيد الهجمات الأمريكية على سوريا، لكن إرهاب نظام الأسد فاق كل الحدود". بينما خاطب أحدهم وزير الخارجية: "مركب أمريكا مركب غارق بالنهاية والأيام بيننا وسوريا باقية ما بقي الزمن".

تزامن الترحيب الأردني مع دعم إسرائيل التام للضربة الأميركية وإعلان الرياض تأييدها للقرار الشجاع، وتحميلها النظام السوري مسؤولية التعرض لهذه العمليات العسكرية، ورحبت قطر والكويت والإمارات والبحرين بالعملية، والتزمت سلطنة عمان الصمت كعادتها في النأي بنفسها عن قرارات الدول الخليجية مسبقة الصنع، وفي حين وصفت دمشق الضربة بأنها تصرف أرعن غير مسؤول، ينم عن قصر نظر وضيق أفق وعمى سياسي وعسكري، وانجرار ساذج وراء حملة وهمية دعائية كاذبة، قالت موسكو إن الضربة وضعت واشنطن على شفا الاشتباك مع الجيش الروسي، وأنها قد تقوض جهود مكافحة الإرهاب، وعلقت اتفاقية السلامة الجوية مع أميركا في الأجواء السورية، التي كانت عمّان مركزاً لتنسيق عملياتها، وتدخل بوتين ليعلن أن الهجوم يعد عدواناً على دولة ذات سيادة، فيما قال الرئيس السابق لاستخبارات الجيش الأميركي، إن الضربة هي بداية لسلسلة من العمليات التي ستنفذها واشنطن ضد قوات الأسد، وأن هدفها إيصال رسالة سياسية، لن تكون الأخيرة، في حين صرح وزير الخارجية الأميركي إن إزاحة نظام الأسد يجب أن يتم عبر جهد دولي، وهناك إجراءات يتم صياغتها بهذا الصدد، وأن لا مستقبل للأسد في حكم الشعب السوري. ومن جانبه وصف الرئيس التركي الضربة بالإيجابية وغير الكافية، وقال إنه ينتظر استمرارها.

وبعد، فإن الضربة العسكرية الأميركية للقاعدة الجوية السورية حملت عدة رسائل، يبدو أن صاحب القرار في عمان كان أول من استوعبها وقبلها، إلى حد الاستدارة الكاملة في موقفه من ما يحدث في سوريا، رغم عدم رضى الكثير من أبناء شعبه عنها.