هناك من المؤشرات ما يدل علي أن وقف إطلاق النار " شبه الكامل " في سورية قد يصبح مقدمة لمباحثات سلام .. هكذا إستنتج المحللون من الإعلان الذي صرح به الرئيس الروسي قبل نهاية يوم الخميس الماضي ( 29 ديسمبر ) ..
أول هذه المؤشرات أن الإئتلاف السوري المعارض لم يكتف بالإعلان عن دعمه لهذا لإتفاق ، بل حث كافة الاطراف علي الإلترام به .. وثانيها موافقة الإئتلاف علي مواصلة محاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة بلا هوادة .. وثالثهما اتفاق الطرفان علي عدم المس بالمدنيين في جميع المناطق التى تتواجد فيها المعارضة المعتدلة وعلي فتح جميع المنافذ لإيصال المساعدات للشعب السوري دون تفرقة ..
المؤشر الأهم في رأي هو إطلاع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا علي ما جري بين النظام السوري وكل من روسيا وتركيا من ناحية والإئتلاف المعارض من ناحية أخري ، عن طريق الخط الساخن بينه وبين كل من سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا و سيرجي شويجو وزير دفاعها .. الأمر الذي شكل أرضية قوية جعلته يساند مشروع القرار الأممي الذي تقدمت به موسكو إلي مجلس الأمن بعد يومين من إبرام الإتفاق ..
وإذا ما تحقق الجانب التطبيقي لهذا الإتفاق ، وأعني به إقرار الطرفين للوثيقة التى تٌحدد آليات تثبيت أركانه ومن ثم مراقبة ما يقومان به من " أفعال إيجابية " من أجل المحافظة عليه وحمايته من التصدع واعلان نقله إلي غرفة الانعاش كما حدث كثيراً من قبل ، سيكون الطريق ممهداً لبدء مباحثات السلام ربما قبل نهاية شهر يناير الحالي ..
لا تشغلوا بالكم بما قاله الجيش السوري الحر ولا ما قالته الحكومة السورية حول مواد الإتفاق التى وقععليها كل منهما ، خاصة فيما يتعلق بما رفضه كل طرف وبما فرضه كل منهما علي الآخر .. لأن الأمر في حقيقته بين يدي روسيا وتركيا من ناحية ولأن كل منهما وافق من ناحية أخري ، علي ..
ا – الإحترام الكامل لسيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية ، مما اعتبره المراقبون أساس لا بد منه لإطلاق المباحثات التى سيشاركان فيها ..
ب – كلاهما أعلن تمسكه بقرار مجلس الأمن رقم 2254 او بيان جنيف كما سمته قوي المعارضة .. الحكومة السورية تراه المنفذ الشرعي والعملي لإشراف الأمم المتحدة وليس امريكا علي الحل السلمي ، بينما يراه الطرف الآخر تمهيداً دولياُ " لإقامة نظام سوري ليس فيه دور لبشار الأسد " ..
ج – كل منهما تعهد بالإنتهاء من تسمية فريقه الذي سيشارك في المباحثات ، قبل منتصف شهر يناير الحالي ..
لا أحد ينكر أن ما وقع من خروقات بعد ساعات قليلة من توقيت سريان الاتفاق ، بقي مستمراً حتى اللحظة وربما سيتواصل لفترة قادمة .. لكن الأمر لا زال في إطاره المقبول محلياً واالمَرضي عنه عالمياًمن جانب العديد من القوي التى تسعي لفتح طريق للحل السلمي في سوريا .. حتى بعد أن أعلنت نحو عشر فصائل من قوي المعارضة – الإثنين الماضي - تعليق مشاركتها في مفاوضات السلام المزمع عقدها في مدينة أستانة عاصمة كازاخستان لحين وقف الأعتداءات التى تقوم بها دمشق وحلفائها ..
هذين الأمرين .. الخروقات وتعليق المشاركة ، من المتوقع تجاوزهما بطريق أو بأخري لأن موسكو تريد ان تضع واشنطن بعد تسلم الرئيس الأمريكي الجديد لمهام منصبه يوم 21 من الشهر الحالي ، أمام أمر واقع لم تشارك في صنعه إدارة الرئيس باراك أوباما رغم ما كان متاحاً أمامها من فرص ..
الجانب التطبيقي عندما يتم إنجازه ، ستشرف عليه الإذرع العسكرية والأمينة الروسية والتركية ، وربما تشارك فيه عناصر من دول أخري كمصر والأردن ، وهناك احتمال ان تضع الأمم المتحدة خبراتها إلي جانبهم لدعم نقاط المراقبة المركزية الأرضية و الجوبة .. هذه الأطراف ستكون علي علم تام بأن هناك ميليشيات إرهابية لا زالت تعمل فوق التراب السوري من مصلحتها ان يبدو وقف اطلاق النار وكأنه إخترق من جانب أحد الطرفين ..
ولتعزيز هذا الجنب لجأت موسكو إلي مجلس الأمن الذي وافق بالإجماع علي ما تم التوصل إليه " من وقف ملحوظ لإطلاق النار و تعزيز لإمكانيات الحل السلمي في سورية " مستنداً إلي قرارات أممية سابقة تمسكت القوي الغربية بضروة أن يتضمنها صلب القرار ..
الجانب الطبيقي هو المحك الرئيسي للحكم علي إمتلاك هذا الإتفاق مقومات فتح الباب لحل سلمي للقضية السورية برمتها ..
التطبيق هنا بمعناه التفاوضي والفني ، ينصرفإلي أمرين ..
ألأول .. ضبط إيقاع وقف إطلاق النار في أدني مستوياته ومحاصرة ما قد يتواصل من ضربات وإختراقات هنا وهناك حتى لا تتعدي الخطوط الحمراء التى توافقت عليها كافة الأطراف ..
الثاني .. أن يقود إلي المرحلة التالية من المفاوضات الجدية أو " محادثات السلام الإيجابية " كما سماها الرئيس الروسي ..
نقول من الآن ان الوقف الشامل لن يتحقق بنسبة 100 % .. لا من جانب النظام وحلفاؤه ولا من جانب المعارضة ومؤيديها .. ونقول أن كل خرق لما اتفق عليه ، سيكون محسوباً بدقة طالما أن معظمه يتعامل مع ميليشيات الإرهاب ..
التحدي الذي يفرض نفسه علي الأطراف المحلية والإقليمية وروسيا بالتحديد ، هو العمل معاً في شكل تنسيقي للوصول بالحل السياسي للأزمة السورية إلي مرحلته النهائية بأقل حجم من الأضرار علي كافة الأطراف .. لأن أمريكا المستبعدة من كافة الخطوات التى بدأت بمعركة حلب وقادت لوقف أطلاق !! لن تصبر طويلاً علي إستبعادها أو علي أن تبقي غائبة عنه لفترة طويلة ، ومن المتوقع ان تجد لنفسها متنفساً سواء في مقدمة الصورة او في خلفيتها .. المهم ان تعود إلي الملف السوري سلباً أو إيجاباً..
هناك من يري ان سياسيات بوتين قد بلغت سقف قدراتها ولم يعد لديها ما يقدمه علي المستويين السياسي والعسكري ، ومن ثم لجأت موسكو إلي فرض شروطها لوقف إطلاق النار لكي تضع حداً للإقتتال ، تبدأ بعده خطوات الحل السلمي .. وفريق ثان يؤكد ان سياسته نجحت بما يخدم مخطط استثمار بلاده لما حققته من انتصار في سورية لكي تلتفت لملفات أخري علي مستوي المنطقة ..
المهم في رأي ان تضع الحرب الأهلية التى بدأت في سوريا منذ ست سنوات ( مارس 2011 ) أوزارها وان تتفاهم القوي الوطنية السورية علي مفردات المرحلة التالية .. والأهم أن يحترم الجميع حقوق الشعب السوري وحاجته للعودة إلي وطن ينعم فيه بالأمن والاستقرار لكي يبدأ أولي خطواته نحو البناء والتعمير.
التعليقات