غادر وزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة حكومة هاني الملقي الثانية، بعد أن حافظ على مقعده لتسعة مرات متتالية في الحكومات المتعاقبة ولمدة 10 أعوام .
والغريب في مغادرة جودة هو “التوقيت”، لأنها سبقت انعقاد القمة العربية في دورتها الثامنة والعشرين والمزمع عقدها في العاصمة عمان مطلع شهر آذار المقبل، حيث سلم جودة خلال الشهر الماضي العديد من الدعوات لحضور القمة العربية.
جاءت انباء مغادرة جودة لوزارة الخارجية الأردنية، مفاجأة غير متوقعة للأوساط السياسية والشعبية في الأردن وفي صفوف الأردنيين في الخارج والجاليات والمراقبين للشأن الأردني ، ربما بدرجة أكبر من التعديل الحكومي نفسه الذي طرأ على حكومة هاني الملقي.
ووافق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، على إجراء تعديل حكومي شمل ست حقائب وزارية، هي الداخلية والخارجية والتربية والشباب، إضافة إلى وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، ووزير الدولة للشؤون القانونية.
وخلال الأعوام الماضية، كان ناصر جودة وزيرًا “دائمًا” للخارجية، وكان اسمه مُستبعدًا عن التوقعات في كل تغيير أو تعديل تشهده الحكومات المتعاقبة. وقد يتسائل البعض عن اسباب بقاءه في منصبه لفترة طويلة وهذا تساؤل مشروع ولكن النقطة الأساسية ان جودة كان حسب المصطلح الانجليزي: أيدي أمينة موثوق بها a safe pair of hands
وشغل جودة هذا المنصب لثمانية أعوام، منذ 23 شباط/ فبراير 2009 وحتى 14 كانون الثاني/ يناير 2017، وعاصر سبعة رؤساء حكومات هم: نادر الذهبي، وسمير الرفاعي، ومعروف البخيت، وعون الخصاونة، وفايز الطراونة، وعبدالله النسور، وأخيرًا هاني الملقي.
وأكدت مصادر أن مقعد في مجلس الأعيان حائر بين ناصر جودة وفايز الطراونة، مع تسريبات أخرى تشير إلى أن جودة سيتولى رئاسة الديوان الملكي أو منصبا رفيعا يرتبط بالبلاط الملكي.
وقال مراقبون إن وزارة الخارجية واجهت العديد من الانتقادات في الآونة الأخيرة من قبل النواب والشارع الأردني بسبب التعامل مع بعض الملفات الخارجية ومنها ملف الأسرى وقضية الصحافي الأردني تيسير النجار وقضية الشهيد القاضي رائد زعيتر.
يشار إلى أن جودة حافظ على مقعده كوزير للخارجية وشؤون المغتربين في حكومة هاني الملقي الثانية، للمرة التاسعة على التوالي، في حادثة هي الأولى من نوعها في الأردن.
وييمكن القول أن الستار قد أسدل اخيراً على التعديل الوزاري لحكومة الدكتور هاني الملقي وخرج عدد من الوزراء ودخل آخرون. وكان من ضمن الوزراء الخارجين من الحكومة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين السابق ناصر جودة، والذي أمضى قرابة الثمان سنوات في منصبه وهو ما اعتبره البعض بأنه "عابر للحكومات" فيما يعتبره أخرون عكس ذلك.
ما يثير الإنتباه عند تشكيل أي حكومة أو إجراء تعديل وزاري في الأردن، لابد وأن يكون هناك وزير تُسلط عليه الأضواء إما لعدم كفاءته وإثارة الشبهات حوله في موضوع ما أو لعلاقته الجيدة بمراكز صنع القرار أو لإستهدافه لمجرد الإستهداف من قبل خصوم له. وفي بعض الحالات قد تكون إحدى هذه التهم او جميعها "صحيحة" وفي حالات أخرى قد لاتكون، وإنما مجرد أقلام إعلامية تستهدف هذا الوزير أو ذاك وبتحريك من أشخاص لهم مصلحة بذلك.
وفي حالة الوزير السابق جودة، اعتقد أن الرجل تعرض لحملة تستهدف شخصه. أنا لا اعرف الوزير شخصيا ولا تربطني به أية علاقة سوى لقاءه لفترات قصيرة جدا في لندن بعد القاءه محاضرة في هذا المنبر او ذاك ولكن كمتابع للشأن الاردني منذ فترة طويلة وبالضرورة كنت متابع لتصريحات الوزير جودة كوزير للخارجية يُمثل وجهة النظر الرسمية، فأعتقد أنه تعرض للظلم وعدم الانصاف وتعرض لحمله استهدفته في محاولة للنيل منه. أعرف انه حظى باحترام وتقديركبيرين في الأوساط الغربية من لندن الى واشنطن مرورا بمعظم عواصم القرار العالمية.
تابعت أخبار ما كتب عن الرجل على عدد من المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، وما أثار انتباهي أنه تعرض الى حملة طالبت بتنحيه عن وزارة الخارجية على اعتبار انه أمضى فترة طويلة، علما ان الرجل كان يقوم بواجبه كوزير على أكمل وجه وهو غير متهم بأي قضية فساد.
لا يجوز تكوين انطباعات عن الرجل بما يكتب في المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، او من خلال الإشاعات المغرضة التي استهدفته لا لسببب الا انه بقي في منصبة لنفس الوزارة اكثر من اي وزير اخر.
قد يكون الرجل لديه إمكانات اكثر من غيره او قد لا يكون وهذا فيه مجال لنقاش، أما أن تتم مهاجمته لانه أمضى فترة طويلة في منصبة فهذا لا يعيبه ولا يعيب الدولة، مع اعتقادي أن هناك وزارات وخصوصا وزارة الخارجية لا يجب تغيير وزيرها بشكل دائم.
في ظل وضع عربي مزمن ومعقد وحروب وعدم استقرار في العراق وسوريا واليمن وليبيا والوضع في فلسطين والاعتداءات إسرائيلية على المسجد الأقصى والفلسطينين. وهنا نشير الى ان هناك عددا من وزراء الخارجية العرب ممن امضوا فترات طويلة كوزراء للخارجية كسمو الامير سعود الفيصل وعصمت عبدالمجيد وطارق عزيز رحمها الله جميعا واحمد آبو الغيط وفاروق الشرع.
اعتقد انه وزير نشيط ومتحدث لبق وديبلوماسي وهي صفات تجعل من اي وزير خارجية ناجح. لا ندعي ان قدرات الرجل خارجه عن المألوف لكنه يتمتع بمهارات سياسية وديبلوماسية وكفاءة قل نظيرها لدى أشخاص كُثر تسلموا هذا المنصب في الاْردن خلال اكثر من عقدين من الزمن.
ومع أن الحكم على "وزير" يتسلم حقيبة وزارة سيادية كوزارة الخارجية وتقييمه لا يتم من خلال ما يُكتب عنه عبر وسائل الإعلام، وإنما بقدر ما حققه من نتائج ونجح في مهمات ومثّل بلده خير تمثيل ودافع عن مصالحها.
وبما أن الرجل أمضى فترة طويلة وزيرا للخارجية مقارنة بوزراء خارجية اخرون، فقد تحسب له بأن صاحب القرار والمرجعيات في البلد تدرك وراضية على العمل والدور الذي قام به الرجل خلال فترة ترأؤسه لوزارته وأنه أمضى خدمته على اكمل وجه.
وإذا كانت فترة عمله كوزير طويلة نسبيا فهناك وزراء آخرون تسلموا اكثر من حقيبة وزارية في أكثر من حكومة، وأنه في حال جمعت فترة تسلمهم "منصب وزير" تفوق فترة الرجل في وزارة الخارجية مع اختلاف أن جودة امضاها في وزارة واحدة وآخرون امضوها في عدة وزارات.
فالرجل له إنجازات في الخارجية لا ينكرها جاحد في ظل وجود لوبيات قوية داخلها وخارجها كانت تعيق احيانا عمل الوزارة وعمله كوزير وتعمل ضده لإفشاله لأسباب شخصية ومنفعية، وهو ما يتطلب ان يكون الوزير صاحب بديهة ومطلع ولديه القدرة لتجاوز هذه المشاكل وهو ما كان عليه الرجل. فهو متحدث لبق على شاشات التلفزة العالمية كان يعي ما يقول ويدافع عن الاْردن وسياساته بطريقة يفهمها الراي العام الغربي.
ومع ما تعرض له من هجمات شرسة استهدفته قد يكون الهدف منها المشاغبة عليه ومحاولة "حرقه" إعلاميا أمام الرأي العام، إلا أن ما يحسب للرجل أنه التزم الصمت ولَم يقم بالرد على منتقديه سالكا طريق رجل الدولة الذي يجب عليه ان يتحمل.
ذهب الرجل تاركا الخارجية بما له وعليه ونتمنى ان لا يتعرض الوزير الجديد لحملة مشابهة لكن من نوع اخر. وقال ناصر جودة الاثنين 16 يناير الحالي في تعليق له بعد خروجه من حكومة الدكتور هاني الملقي انه "جندي مجند في خدمة الوطن".
التعليقات