يمكن معرفة الكثير عن منطقة ما من النكات التي يتداولها أهلها عن أنفسهم. وتنتقل النكات مسافات شاسعة احياناً بعد تعديلها بما يناسب الأوضاع المحلية. واليكم نكتة سمعتُها في دبي وجدة والقاهرة وسمعتها مؤخراً من جديد في مخيم للاجئين الفلسطينيين.

الإطار الأساسي واحد: برفيسور غربي يقترب من صبي في احد الأسواق ويسأله إن كان يجيد الحساب فيرد عليه الصبي بالايجاب. ثم يطرح البروفيسور سؤاله بمهابة: "حسناً ، ايها الصبي العزيز ما هو مجموع 2 زائد 2؟" يفكر الصبي برهة ثم يقول "ان النتيجة تعتمد". يُصاب الغربي بالذهول ويسأل : "تعتمد على ماذا؟" ويجيب الصبي بلا تردد "تعتمد على ما إذا كنتُ أشتري أو أبيع".

بعد كركرات قليلة يوضح صاحب النكتة ما يريد إيصاله بها قائلا "ان المبادرة الفردية تسري في دمنا. فنحن ثقافة تجارية قديمة وحتى الصبي يستطيع ان يكون تاجراً ولا نحتاج الى دروس في الرأسمالية".

صاحب النكتة مصيب. فكل من يزور القاهرة أو عمان أو كراتشي أو الدار البيضاء سيرى على الفور تجاراً يبيعون ويساومون ويعرضون مزايا بضاعتهم

لاقناع المشتري بها. ومدينة مثل دبي وضعت نفسها على الخريطة عالمياً بوصفها مركزاً للرحلات الجوية واللوجستيات والسياحة والخدمات والتجارة بطبيعة الحال. وكثيرون في هذه الأماكن يسألون "هل أنا مشترٍ أم بائع؟"

ولكن المفاخرة التي تنطوي عليها النكتة ينقضها تدني الأداء الاقتصادي في المنطقة. ذلك ان اجمالي الناتج المحلي للدول الاثنتين وعشرين الأعضاء في الجامعة العربية كلها لا يزيد إلا قليلا على اجمالي الناتج المحلي لولاية كاليفورنيا وحدها.

كاليفورنيا عملاق اقتصادي ستأتي بالمركز السابع بين اقتصادات العالم (تعادل تقريباً حجم الاقتصاد الهندي) لو كانت دولة مستقلة ولكن هذا يجب ألا يبرر ما هو من حيث الأساس تنمية كثيراً ما يعرقلها الفساد في عموم المنطقة.

تتصدر قضايا الأمن والجيوسياسة الاقليمية جدول الأعمال خلال زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب واحاديثه مع العاهل السعودي الملك سلمان وغيره من القادة المسلمين في سلسلة من لقاءات القمة في الرياض. ولكن من الضروري ان يبحث القادة تحدياً لا يقل أهمية عن هذه القضايا هو البطالة المزمنة بين الشباب ونقص التنمية.

وما عدا استثناءات قليلة في مقدمتها الامارات وبعض رجال الأعمال الأفراد المتميزين والشركات الناجحة فان الشرق الأوسط منطقة أداؤها يقل كثيراً عن امكاناتها. وأضر تدني مستوى الأداء بالمجتمعات متسبباً في نشوء مستويات من البطالة بين الشباب هي الأعلى في العالم ومساهماً في إضعاف النسيج الاجتماعي وانتشار التذمر على نطاق واسع. وازداد الوضع تفاقماً منذ انتفاضات الربيع العربي. ففي عشية الانتفاضات كانت نسبة البطالة بين الشباب 27 في المئة وهي اليوم تحوم حول 30 في المئة.

يمكن ان تكون شريحة الشباب بل يجب ان تكون موهبة ديموغرافية. فالشباب أسهموا بقسط كبير في الثورة الصناعية التي حققتها منطقة شرق آسيا. وإذ يشكل الشباب دون الخامسة والعشرين أكثر من نصف سكان الشرق الأوسط ، هل ستصبح هذه الشريحة الضخمة موهبة أم عبئاً؟

هناك طريقة واحدة للتوثق من استثمار هذا المورد الشبابي بصورة مثمرة. وقلتُ منذ زمن طويل ان الشرق الأوسط يحتاج الى بنك تنمية خاص به ، هو الآن ضرورة أشد الحاحاً. ويستطيع مثل هذا البنك ان يستوحي فكرة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين. فالاستثمار في البنية التحتية من أفضل الطرق لتحقيق مردود مجزٍ وأداة مضمونة لدفع عجلة النمو.

تزخر المنطقة بتقارير الشركات الاستشارية عن البيئة المطلوب اشاعتها لنمو قطاع الأعمال ، والبنك الدولي متخم بالخبراء الفنيين الذين يستطيعون ان يساعدوا في إعداد قوانين الاستثمار وضوابط اسواق المال. وليست هناك فجوة معرفية بشأن الطريقة المناسبة لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء قطاع خاص منتج وإيجاد صناعات تصديرية. ولكن هناك فجوة في التنفيذ.

المنطقة لا تنقصها روح المبادرة الفردية أو المؤتمرات التي تغدق عليها المديح. واصحاب النكتة محقون: هناك اصحاب مبادرة فردية موهوبون في المنطقة وليس باعة متجولين فقط. وان افراداً مثل فادي الغندور مؤسس شركة ارامكس للخدمات اللوجستية وباسل الباز رجل الأعمال المصري الذي يبني امبراطورية للصناعات البتروكيمياوية من الصفر والسوري رونالدو مشحور الرئيس التنفيذي لشركة سوق دوت كوم هم من بين أكثر قادة الأعمال موهبة في العالم وليس في منطقتهم وحدها.

ينبغي ان يبتعد القادة العرب المجتمعون في الرياض لحظة عن الأزمات السياسية اليوم للتوقف عند الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تواجه بلدانهم. وينبغي ان يضموا قواهم من اجل تأسيس بنك للاستثمار في البنية التحتية في الشرق الأوسط. وعلى ادارة ترامب ان تشجع مثل هذه الخطوة وتدعمها بل وان تجد طريقة لمشاركة المنطقة في هذا المسعى رغم انه يجب ان يكون مبادرة من صنع أهل المنطقة أنفسهم.

سيكون تأسيس مثل هذا البنك انجازاً ملموساً له آثار ايجابية طويلة الأمد على المنطقة تعود بفوائدها على الجميع. وكان ترامب اعلن خطة لاستثمار ترليون دولار في البنية التحتية الاميركية خلال العقد المقبل. وهذا النوع من الخطط الطموحة هو ما يحتاجه الشرق الأوسط الآن.

ترجمة عبد الاله مجيد