لاحظت إستفتاء إيلاف في عدد اليوم حول " هل تعتقد أن من حق الأقليات في العالم العربي من تنظيم إستفتاءات لتقرير مصيرها".
برغم أنني لا أريد تفتيت المنطقة العربية ولا زيادة عدد دول المنطقة.. إلا أنني لم أستطع ان أغاير ضميري بأنه ومن حق كل شخص تقرير مصيره.. خاصة ومع إنعدام المساواة والقانون وإنعدام الضمير الإنساني في التعامل مع الأقليات في المنطقة العربية مما لا يترك لهم مجالآ للإحساس بالمواطنة ويبقى الشوق لتكوين دولتهم المستقلة خاصة تلك التي إمتلكوها سابقا. حقيقة أن هذا الموضوع بالذات قد يفتح أبوابا لأقليات أخرى تعيش نفس عذابات المواطن العربي من إنعدام المواطنة.. إلا أن الجميع له الحق في الخيار.. الذي يبقى أفضل مئات المرات من إراقة دماء أي إنسان أينما كان.. 

عادت بي الذاكرة إلى الوراء.. سنوات عدة.. حين قام طلبه من الأكراد العراقيين بعرض صور وتلصيقها على جدران جامعة الدراسات الشرق أوسطية في لندن المعروفه ب سواس.. في آخر أيام الحرب العراقية الإيرانية.. لا زلت اذكر بألم صور حروق الأطفال في الهجوم الكيميائي على مدينة حلبجه التي كانت ’محتله من الجيش الإيراني في 16-17 مارس عام 1988.. في أكبر هجوم كيميائي على سكان مدنيين من عرق واحد.. الأكراد.. والذي راح ضحيته ما يفوق 5500 شخص.. حينها تبادل الطرفان الإيراني والعراقي الإتهامات بإرتكاب الجريمة.. ولكن تبنّت الولايات المتحدة الأميركية التي كانت متحالفة مع العراق آنذاك موقف "" مفاده أنه لا يمكن التأكد من مسؤولية العراق عن هذه العملية من الصور فقط "".. بينما أصرّ الجانب الإيراني على مسئولية حكومة صدام حسين عن هذه المجزره البشعة؟؟؟ وبقي المجرم المسؤول عن الجريمة مجهولا.. مستندا إلى الإتفاقية التي عقدها في آذار 1970 التي أقرّت حقوقهم القومية وإعترفت بلغتهم كلغة رسمية وأقرت حقهم في الحكم الذاتي ضمن الدولة العراقية؟

بعدها بسنوات ’ذهلت حين أخبرني صديق كردي- عراقي عن السياسة التي يتبعها نظام صدام حسين..في سياسة ممنهجة لتعريب المناطق من خلال عمليات تهجير قسري للسكان الأصليين وحجز أموالهم وممتلكاتهم. ثم إعادة توزيعها على العوائل الفلسطينية التي ’تجلب خصيصا من مناطق أخرى في العراق لهدف واحد وهو تغيير الديمغرافية السكانية في المنطقة.. حيث ’يسرّح الموظفون الأكراد أو ’يحالون على التقاعد قبل السن القانونية وعدم تعيينهم في أي وظائف أخرى خاصة النفطية مهما كانت مؤهلاتهم؟؟؟ الأهم في ذلك عمليات تهجير ما ’يقارب من 100,000 من الأكراد الشيعة من بغداد والمناطق الجنوبية إلى إيران!!!! ’ترى ما ذا كان هدف النظام؟؟ ربما الخوف من ضياع تلك الثروة النفطية؟؟؟ ولكن يبقى إنعدام المواطنة والمساواة والعدالة؟

يؤسفني الإعتراف بجهلي آنذاك.. وسكوتي عما سمعته لأني لم أعرف شيئا عن الأكراد ومأساتهم إلى أن تكشفت لي الحقائق التاريخية خلال البحث.. وأضعها جميعها أمام القارىء.. وأنا أعلم ’مسبقا بأنني سأنال النصيب من؟؟؟؟؟ ولكن ضميري يرفض الخضوع والنفاق.. ليس معنى هذا أنني أؤيد الإنفصال فهذا خيار الإنسان الكردي تبعا لمصلحته.. 
بدأت مأساة الأكراد عام 1514 الذين كانوا يعيشون في إمارات تهتم بتنظيم شئون حياتها المعيشية.في مناطقها الجغرافية حول الدولة الصفوية والعثمانية ولكن ظلم وسوء معاملة الشاه إسماعيل الصفوي لها دفعها لطلب الحماية من الدولة العثمانية مقابل أن تدفع هذه الإمارات رسوما سنوية كرمز لتبعيتها وأن ’تقدم العون للجيش العثماني فيما لو خاض حربا , وتذكر إسم السلطان من على منابرها في خطبة الجمعة.

بعدها وفي عام 1515 نجح العلامة الكردي "ملا إدريس البدليسي " في الحصول على إعتراف رسمي من الدولة العثمانية في وثيقة ’ترسّخ حقوق الأكراد في إماراتهم على أرض كردستان وأن منصب الإمارة وراثي بما يؤكد حقهم في إنشاء دولتهم عاجلآ أم آجلآ مقابل مناصرة الدولة العثمانية. 

وتأكد هذا الحق مرة أخرى في معاهدة سيفر عام 1920 حين قرر المجتمعون على أن حل المشكلة الكردية وحصولها على الإستقلال سيتم على مراحل إن إجتازوها بنجاح.. وأن على الحكومة التركية الإعتراف بهذا الحق والإستقلال.. المؤسف في ذلك أن كمال الدين أتاتورك قام بإستغلال الصراع الدولي بين الدول الغربية وخوفها من الشيوعية القادمة من الإتحاد السوفيتي في محاولة لإلغاء المعاهدة ورفضها!

مرة أخرى في عام 1921 وفي مؤتمر لندن وبينما كانت نية الحلفاء تتجه نحو حل المشكلة الكردية وقف إصرار الحكومة التركية على حلها داخليا كعقبة خاصة وحين عقدت تركيا عددا من الإتفاقيات الدولية التي كرّست الشرعية الدولية لنظامها الجديد وقامت بإلغاء كل الإتفاقيات السابقة بما فيها معاهدة سيفر؟

بعدها وفي لوزان عام 1923 تحايلت الحكومة التركية على المجتمعين. حين تعهدت أنقرة ( تركيا ) بمنح سكانها الحماية التامة والحريات دون تمييز.. الأمر الذي إنتهكته ولا زالت في رفضها المطلق للإعتراف بحقهم في تقرير المصير برغم معاناتهم من النظام التركي؟

ولكن ومرة أخرى تبقى المسؤولية الكبرى في تفتيت الأرض الكردية على الحلفاء الذين قسّموا الأرض جغرافيا في إتفاقية سايكس بيكو عام 1916 حين قضوا آنذاك على حلم الأكراد في دولة مترابطة جغرافيا.. في التفاهم السري بين الدول الكبرى بعد تهاوي الدولة العثمانية وتقسيم الأرض الكردية وبمباركة الإمبراطورية الروسية بين بريطانيا وفرنسا في الجناح الغربي من الهلال ( سوريا ولبنان) وقامت الحكومة البريطانية بإلحاق منطقة الموصل التي يشكل فيها الأكراد الأغلبية إلى العراق إضافة إلى الجزء الموجود في تركيا.

عداء تركيا لهم وخوفها من تملكهم زمام امورهم ظهر جليا في سجن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان.. ضربها لمناطقهم بينما ’تعلن انها تضرب الدولة الإسلامية المزعومة في الرقة (سوريا ).. والذي أكده تقرير الأمم المتحدة في مارس 2017.. بان هناك أدلة على دمار شامل وجرائم قتل وإنتهاكات للحقوق إرتكبتها الحكومة التركية بعد سقوط الهدنة ما بين يوليو وديسمبر عام 2015 وقدّرت عدد النازحين بين 355 ألف و500 ألف إنسان.. بينما رفضت تركيا دخول أي محققين لتلك المناطق الكردية؟؟؟ ما سبق يؤكد على إنتهاك حقوق الأكراد.. في كل مناطقهم؟؟ 
جميعنا يعلم بأن الإدارة الأميركية نأت بنفسها عن الحرب الدائرة في سوريا.. وصبت كل همها وإهتمامها على مكافحة الإرهاب خاصة وفي ظل تمدد الدولة الإسلامية.

وفي ظل فشل كل دول المنطقة في محاربة الدولة الإسلامية. وبعد أن ثبت بالدليل القاطع عجز الدول الخليجية عن حربها بينما أظهر الأكراد في كل من سوريا والعراق جدارة. لا نعرف إن كان القرار الأميركي بتسليح البشمركة بحسن نية وصحوة ضمير. وإعترافا واضحا ورسميا بقدرة الميليشيا الكردية على القتال.. وثقه كبيرة في الإدارة الكردية.. الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية لقرار تجهيز الميليشيات الكردية بكل الأسلحة لتحقيق الإنتصار الأكيد على الدولة الإسلامية في معركتها الأخيرة في الرقة.. القرار الذي قد يكون نواة الدولة الكردية المستقلة؟

يأتي إعلان كردستان في إستفتاء حول الإستقلال في 25 ديسمبر 2017 ل’يجابة بالعديد من الأسئلة الصعبة والإجابات المعقدة.. 
تصريح حيدر العبادي بأن تكون عملية الإستفتاء وفقا للدستور المرتبط بموقف الحكومة الإتحادية.. 
تعليق الحكومة الأميركية بتقديرها للتطلعات المشروعة للشعب الكردستاني إلا أن الأولويات تتمثل في هزيمة داعش أولآ... والحفاظ على وحدة أراضي العراق.

تصرّيح وزير الخارجية الألماني بأن هذا الإستفتاء على الإنفصال سيؤجج التوتر في المنطقة وأن الأولوية لوحدة العراق ولدعم الحرب والتخلص من داعش.. 
تعليق أنقرة واضح ومفهوم وهو الرفض المطلق لمثل هذا الإستفتاء.

أضف لكل ذلك الصراعات الداخلية للأكراد وعدم إنسجام مواقفها؟؟ الأسئلة كثيرة و’معقدة..
هل تكون اميركا المظلة الدولية الراعية لحقهم في الدولة عاجلآ أم آجلآ؟
هل تسليحهم كان حقا بحسن نية أم هو مرة أخرى سياسة غربية لا تهتم إلا بمصالحها وإشعال المنطقة وتفتيتها بحروب مستمرة؟؟ أم هي مجرد ضربة أميركية لكل دول المنطقة وإنتقاما من تركيا.. وإيران..؟
ثم هل سيستيطع الأكراد لملمة إنقساماتهم والبدء في بلورة الحلم وتثبيت الحق في الإستقلال حتى ولو بعد حين.؟؟؟

وعلى رأس هذه التساؤلات.. إلى متى لا تعي الدول العربية بأن المواطنة هي الطريق الوحيد والأسلم للحفاظ على الإستقرار السياسي في الدولة وفي المنطقة كلها.