كنت قد ذكرت في مقالات سابقة أن سيناريو الرعب بالنسبة للقيادة القطرية في أزمتها الحالية هو دخول الأزمة نفق النسيان، وسقوطها من قائمة أولويات الدول الأربع الداعية لمقاطعة الإرهاب من ناحية، وسقوطها من دائرة اهتمام القوى الكبرى من ناحية ثانية. وقناعتي أن قطر تشعر بقلق وانزعاج شديد منذ أن وصف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أزمتها بأنها "صغيرة جداً جداً"، ولاسيما أن توالي الأحداث والتطورات اقليمياً، قد اثبت صدق وصحة هذا التوصيف الاستراتيجي بالغ الدقة.

وهاقد قد تحقق هذا السيناريو في الشهرين الأخيرين، ولم تعد الأزمة تجد لها طريقاً للسياسة والإعلام وآذان الجمهور بعد أن عادت قطر إلى حجمها ومكانتها الطبيعية بحسب المعايير والاعتبارات والقياسات الجيواستراتيجية للدول، وهنا يكاد العقل السياسي القطري أن يجن بعد أن تصورت قيادة نظام "الحمدين" لفترة من الزمن أن باستطاعتها إدارة شؤون المنطقة والتأثير في مجريات الأمور وهندسة الأحداث والتطورات السياسية وفق مزاجها واهوائها وأهدافها!

هذا الواقع هو السر الحقيقي وراء الافتراءات والادعاءات المتواصلة للنظام القطري سواء تجاه دولة الامارات أو غيرها من الدول العربية، ولاسيما الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، والمقاطعة للنظام القطري.

روايتان مختلقتان أطلت بهما قطر على العالم في أسبوع واحد، الأولى تقول بأن مقاتلات أو طائرات عسكرية إماراتية اخترقت المجال الجوي القطري مرتين الشهر الماضي، وبعثت قطر برسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش والرئيس الدوري لمجلس الأمن بذلك. والرواية الثانية روجتها قناة "الجزيرة" بشـأن احتجاز الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني.

بالنسبة للرواية الأولى، أكدت دولة الامارات أنها كاذبة وعارية تماماً من الصحة ووعدت باثبات ذلك بالدلائل والبراهين، وبالنسبة للرواية الثانية قال مسؤول في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، "إن الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني حل ضيفاً على دولة الإمارات العربية المتحدة بناءً على طلبه، وحظي بواجب الضيافة والرعاية بعد أن لجأ للدولة جراء التضييق الذي مارسته الحكومة القطرية عليه وقوبل بكل ترحاب وكرم، وهو حر التصرف بتحركاته وتنقلاته، وقد أبدى رغبته بمغادرة الدولة، حيث تم تسهيل كافة الإجراءات له دون أي تدخل يعيق هذا الأمر".

المسألة إذن واضحة ولا لبس فيها، ولا اعتقد أن اثبات كذب وتهافت رواية "الاختراق" يحتاج إلى دلائل وبراهين، فالشكوى القطرية ليست سوى مناكفة سياسية تستهدف جذب الانتباه لا أكثر ولا أقل!

استشعار القيادة القطرية أن استمرار الأزمة كفيل بتحمل مزيد من الأعباء والخسائر الاقتصادية تحديداً، وأن من الصعب استمرار هذا الوضع على المدى المتوسط ناهيك عن احتمالات الاستمرار على المدى البعيد، يدفع هذا الإحساس إلى افتعال الأزمات والمناوشات والمناكفات السياسية والإعلامية لعلها تجد آذاناً صاغية ويتفاعل معها أحد بما يحدث تقدماً على صعيد حل الأزمة القطرية!

تسعى قطر من خلال هذه الافتراءات والادعاءات إلى إعادة تموضع الأزمات الإقليمية، ووضع نفسها مجدداً ضمن أولويات الاهتمام، ولكن هذا الأمر بات صعباً للغاية في ظل وجود أولويات أكثر الحاحاً وتأثيراً من الناحية الاستراتيجية، وإذا كانت القيادة القطرية لم تقرأ مفردات ومعطيات المشهد فهذا ليس خطأ الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، وعلى الدوحة أن تتحمل عواقب مسايرة اهوائها وأهواء قادة تنظيمات الإرهاب والحاقدين والمعادين لأمن واستقرار دول وشعوب مجلس التعاون.

لا يجب أن نتفاعل كثيراً مع مثل هذه الافتراءات ولا يفترض أن تزعج أحد، فهي تعبر عن نظام مأزوم يزداد تأزماً بمرور الوقت، الذي بات أكبر عدو له في ظل الفاتورة المتصاعدة بوتيرة عالية لخسائر الاقتصاد القطري جراء المقاطعة، وهذا يعني أن علينا توقع المزيد من هذه الافتراءات والأكاذيب خلال الفترة المقبلة!

النصيحة التي نقولها بصدق حرصاً على الشعب القطري المغلوب على أمره، أن على نظام الحمدين تغليب مصلحة هذا الشعب والاصغاء إلى صوت أبناء قطر الحقيقيين، بدلاً من هدر الوقت والأموال في الجري وراء أوهام كاذبة وادعاءات وافتراءات مفضوحة !!