من يتابع حركة الأحتجاجات الشديدة على نظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية وتغول الفساد في بلد من اغنى البلدان في المنطقة يجد ببساطة ان تحرك الجماهير من حيث اماكن انطلاقتها وتوقيتها يحمل مضامين في جوهرها هي ابعد من مطالبات بتحسين خدمات الماء والكهرباء والصحة والتوظيف وسواها من المسائل الحياتية اليومية التي تهم كل فرد في اي بلد واليكم بعض الأضاءات:
ان انطلاق حركة الغضب والتذمر من مدينة البصرة ثغر العراق المتجهم بعد ان لقبت لعقود بثغر العراق الباسم جاء بعد ان طفح الكيل بالشعب المغلوب على امره ولم يعد هناك في قوس الصبر من منزع فوصل الفساد في المدينة كما هو حال كل العراق الى مرحلة انه صار اقوى من الدولة..
وهذه مصيبة كبرى في الموضوع بحيث انتج حالة من اليأس التام بعد ان رأى ابن البصرة الفيحاء ان القائمين على السلطة بعد خمسة عشر عاما من تغيير النظام السياسي اوصلوه الى مستوى انه لم يستطيع الحصول على الماء الصالح للشرب ومع ارتفاع درجة الحرارة الى ما يزيد عن الخمسين درجة وانقطاع تام للكهرباء وتدهور خدمات الصحة بصورة مفزعة للحد الذي ذكر لي صديق في احد المدن العراقية انه ذهب بقريبته المسنة الى المستشفى والتي استوجبت حالتها الرقود هناك انه لم يجد لها سريرا ترقد عليه في المشفى واحتار حتى جاءه من يهمس في أذنه بالحل ادفع لذاك الفراش وسوف يوفر لك المطلوب ويقول فعلا اخرجت محفظتي وناولته مبلغا من المال فقال تمام ان المبلغ الذي دفعته يمكنني من اجد لها (( مندل او باللهجة العراقية دوشكك يعني فرشة من الأسفنج على الأ{ض في احدى الردهات)؟؟
وهذا يذكرني ما رواه السيد الآلوسي من البلاط الملكي العراقي قديما حيث قال رحمه الله ان الوصي على عرش العراق ائنذاك الأمير عبد الأله اعجب بما يقوم به فلاح ايراني من العناية بحدائق القصر واطرى هذا الفلاح المسكين والذي تشجع وانتهز الفرصة ليخاطب الوصي سيدي اشكو اليك مدير ادارة الجنسية في بغداد حيث لا يقضي اية معاملة الا بدفع رشوة وانا قد مر على تقديم ملفي سنتين دون جدوى وهنا سأل الوصي الفلاح كم يتقاضى هذا المدير من رشوة؟ 
فأجابه انها بحدود خمسة دنانير وهنا مد الوصي يده في جيبه ليناوله المبلغ المطلوب ويقول له يا ابني اذهب اليه وانجز معاملتك فما كان من الفلاح الا ان اندهش متعجبا وبادر الوصي سيدي انا شكوت اليك كي تعاقب هذا المدير الفاسد لا ان تعطيه رشوة؟؟ وهنا اجابه الوصي يا ولدي الان لم اعد قادرا على حبس كل موظفين الدولة لانها اصبحت حالة عامة؟؟ انها قصة حقيقية تبين كيف هي الأمور عندما يصبح الفساد اقوى من الدولة ويستعصي على الحل.
أما من حيث التوقيت فان التظاهرات المحتجة وقد انتقلت الى مدن اخرى بسرعة في وسط وجنوب العراق مثل النجف والسماوة والناصرية والديوانية وكربلاء وغيرها من المدن هي نفس المطالب لكنها قامت باقتحام مباني المحافظات ومقرات الأحزاب الطائفية التي ابتلي بها العراق وفي توقيت دقيق هو بعد انتهاء الأنتخابات البرلمانية وما حملته من نتائج ومؤشرات فهي تحمل رسالة واضحة ان الشعب قد سأم من تمثيلية ديموقراطية تتكرر كل اربعة سنوات ولا تأتي اليهم بجديد فتلك الوجوه الكالحة والفاسدة تتكرر والتي اسست للفساد دولته وحطمت اي امل لهذا الشعب المغلوب على أمره في ان يتمتع بخيرات وطنه وينتفع بموارد بلده.
فالقضية اكبر من مطالب تحمل في طياتها يأساً وقرفا من هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي تسيدت المشهد السياسي لاكثر من خمسة عشر عاما ولا اظن ان هذه الحركة الواسعة للشعب ستتوقف خصوصا اذا ما عرفنا ان حال المناطق العربية السنية ايضا مدمرة بالكامل وسبق ان احتجت واعتصمت في الشوارع قبل ذلك بسنوات وهي كذلك تعاني فلا اعادة بناء ولا اعمار ولا خدمات بالمطلق.
حال العراق أشبه بشخص مريض لا أمل له في علاج فوعود السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بضخ مليارات الدولارات في شريان الخدمات لا احد يصدقها بعد كل ما جرى فأن كان يملكها فلم لم ينفقها من قبل وان كان لا يملكها فهي مجرد وعود تتبخر في حرارة صيف شهر آب اللهاب كما يصفونه العراقيون؟؟.