أصدرت الكاتبة الفلسطينية المولد، العراقية النشأة سلوى جراح منذ عام 2005 خمس روايات، تناولت الوضع السياسي العراقي في ثلاث منها مثل "صورة في ماء ساكن" و"بلا شطآن" و"أبواب ضيقة" التي نحن بصددها الآن رغبة مني في إطلاع القراء عليها من أجل فهم المجتمع العراقي ثقافياً.
تأخذ السياسة الحيز الأكبر في حياة بطلة "أبواب ضيقة" نوار وهي بهذا تصور واقع العراق المتقلب ولهذا أحب هنا أن أركز على هذا الجانب لكي يستفيد القراء من هذه التجارب كما قلت وبالذات الشباب.
وطبعا أملي أيضا أن يقرأ هذه الرواية السياسيون المتحاربون على السلطة، بكل أنواعهم: المتطرفون والمتعصبون والمتحزبون والمسلحون الذين لا يؤمنون بالعملية السياسية، والبرلمانيون بالذات عليهم أن يفهموا المجتمع العراقي ثقافياً، إذا سمح لهم وقتهم الثمين، فقد يستفيدوا منها ويستخلصوا العبر والتجارب وينبذوا العنف بكل أشكاله ويتجهوا نحو البناء.
الصراع على السلطة في العراق لن ينتهي إذا لم يتم بناء الإنسان وهو أثمن راسمال إن أحسنّا تربيته وتعليمه، وسيستمر مسلسل العنف في هذا البلد الغني بتنوع شعبه إن لم تدرك الأجيال الجديدة أنه لايمكن بناءه بدون نبذ العنف والكراهية وتجريمهما وتحريمهما.
وأحب هنا أن اشير إلى أن الكاتب الفلسطيني المولد والنشأة، العراقي الجنسية جبرا ابراهيم جبرا لم يتناول الأحداث الدامية في العراق كونه بقي فيه ولم يخرج منه وعمل في مؤسساته الثقافية فأنّى له أن ينتقد سياسته وهو يقيم في بيته البغدادي مع زوجته العراقية في مدينة المنصور، لكنه كتب عن الموضوعات الأدبية الأخرى بطريقة تجديدية.
الروائية سلوى جراح في وضع أفضل، تكتب عن العراق وقد سقط الجمل بما حمل، ولم يعد الصنم موجوداً، وبعد فترة لم يعد هناك من ينتقدها على موقفها "اللاقومي" إن فضحت النظام "التقدمي"، وهي بعيدة عنه لكن عقلها مليء بالذكريات عن آلام العراق. إلا أن حبها موزع بين حيفا وعكا وبلاد الرافدين، والتايمز أيضا، وهذا من حقها فقد ولدت في فلسطين قبل النكبة بعامين ونمت وترعرت في العراق وأنهت جامعتها ومارست أول عمل فيه، لكنها عاشت أطول فترة من حياتها في بريطانيا، وتتحدث بلهجة عراقية وبصوت نسائي عراقي مميز.
أحداث رواية "أبواب ضيقة" أقرب إلى وضع العراق في نهاية السبعينات قبل الحرب العراقية الإيرانية من حيث المطاردات ضد الشيوعيين مما أضطرهم للرحيل إلى سوريا ولبنان واصطفافهم مع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية التي وصفها الروائي الراحل عبدالرحمن منيف في "شرق المتوسط"، وليس عشية توقيع الجبهة بينهم وبين البعثيين. بالتأكيد هناك إستثناءات، وهرب قسم من المثقفين اليساريين العراقيين الى بيروت عشية تحالف البعث والشيوعيين لكن بأعداد قليلة.
نقرأ هنا ونسمع عن البصرة وكركوك وبغداد وبيروت ولندن في فترة تبدأ من العهد الملكي مرورا بالجمهوري إنتهاءاً بما يسمى بالإنفراج النسبي قبل تحالف الشيوعيين مع البعثيين ومن ثم توقيع الجبهة بينهم حتى الإحتلال الأمريكي للعراق.
دعونا نقرأ كيف تصف الروائية سلوى جراح الأوضاع السياسية في العراق من خلال مدرسة يُفترض أن يتعلم فيها التلاميذ العلم بمعزل عن التقلبات السياسية.
تقول البطلة نوار القادمة من البصرة والتي درست في مدارس كركوك لأن أباها إنتقل للعمل فيها: "انا،... نوار حمدي الصاحب ... أتنقل بين المدارس. الفاو ثم البصرة والعيش في بيت جدتي لبضعة شهور، ثم المدرسة الداخلية في بيروت بعد أن إنتقل أبي في محطة نائية" ص15
وتقول أيضاً "مدينة كركوك في الأصل، بيوت وأسواق تدور حول القلعة الآشورية الشاهدة على تاريخها الطويل ... نهر خاصه صو، الذي يفصل بين جزئيها، وتكون الجزء الذي يعرف بالقورية ...أواخر القرن الماضي، حين وقع الإختيار على منطقة شاطرلو... لتكون مقراً لعدد من الدوائر... تم بعد الحرب العالمية الثانية بناء جسر حجري..." ص18 "كركوك تضم كل موزاييك العراق... قبل ثورة الرابع عشر من تموز، كان نشيد العلم، "ياعلم إنا معك، ...بعد الثورة صار نشيد العلم ... عبدالكريم كل القلوب تهواك" ص 20 وتقول عن بطلتها نوار "لم تكن كمعظم الكركوكيين تتحدث التركمانية والكُردية والعربية: ص 21
وتصف بسخرية كيف طلبت ماسيرجان من التلاميذ ان يعبّروا عن حبهم للملك "إشقد إتحبون ملكنا؟ ففتح الطلاب والطالبات أذرعهم لتمتد على جانب أجسامهم تعبيراً عن حبهم لملك البلاد "المعظم". فاتن كانت الوحيدة التي باعدت يديها وكأنها تمسك صندوقا صغيراً. حين رأتها ماسيرجان ضربتها على يدها بالمسطرة الطويلة... بعد ثورة تموز، صارت تعيد السؤال، ولكن هذه المرة عن الزعيم، إشقد تحبون الزعيم"؟ ص21
وبعد سقوط بغداد زارتها نوار، لكن على مضض "... وافقت على التجربة التي بقيت أرهبها لسنين..." ص29 على عكس صديقة الطفولة فاتنالتي ضغطت عليها "وجدت نفسي مع صديقتي على متن الطائرة المسافرة لبغداد... كانت تتضاحك وتقول: "سنصل إلى بغداد لا أستطيع أن أصدق ذلك"...وحين رأيت دجلة يدور حولها إعترفت لنفسي إني إشتقت لها، ولمت نفسي على غيابي ... "حبيبتي اشتقت لك" ص 29
فهي سفرة قصيرة بدون رغبتها الحقيقية " أحسست بوجع حقيقي ... أرى النخيل التي قطعت رؤوسها..." ص30
والماضي جميل رغم كونه عراقياً يعني العنف، لكنه على الأقل لم يشهد حرباً أهلية طائفية آنذاك بل صراعا على السلطة بين العسكريين الكبار فلم يفتقر للذكريات الحلوة.
تقول الكاتبة عن أحداث 1963: "قتلوا الزعيم... مضرجا بدمه... قتل وإعدام وسجن وملاحقة للشيوعيين... وحولوا شارع الكفاح في بغداد إلى معتقل للشيوعيين وأنصار الزعيم... تساءل الناس في كركوك هل هذا إمتداد لما حدث في مدينتهم في صيف عام تسعة وخمسين، يوم سحل وقتل إثنان وثلاثون تركمانيا في شوارع المدينة، وعلقت أشلاؤهم على أعمدة الكهرباء؟ " ص32
"قتل وتمثيل بالجثث في المدينة التي اعتادت العيش بسلام. لم تنس فاتن ذلك الحزن الذي تملك جدها عرفان المجبل. آلمه أن يتكرر في كركوك ما شهدته الموصل قبل شهور قليلة... أعقاب فشل الإنقلاب العسكري الذي قاده الشواف". ص33
"حين بدأت محاكمة الضباط الذين شاركوا في حركة الشواف أمام محكمة المهداوي، تضاعف حزن عرفان المجبل...يهمهم لإبنه: "هؤلاء العسكريون من خيرة رجال الجيش العراقي. إتهامهم بخيانة العراق، يحرقلي قلبي"... وعندما صدر حكم الإعدام عليهم ونفذ في شهر رمضان، صار الرجل القوي المعطاء، لاينطق سوى كلمات قليلة طوال ساعات يومه... الطبيب قال إن ما به حالة نفسية اسماها "ملنخوليا"، الإكتئاب المرضي،...يهمهم "شنو أقول يا نظيرة، شنو أقول؟ أكلوا بعضهم. العراقيون أكلوا بعضهم وخربوا العراق" ص 33-34
يموت الزوج ومن بعده زوجته نظيرة واحداً تلو الآخر ويبقى الأبناء والأحفاد يحملون في قلوبهم وعقولهم ذكرياتهم ومشاعرهم المؤلمة. وكما نرى فإن الروائية تكتب كما لو أنها تقف على الجانب الآخر من مسرح الأحداث لتقدم عرضاً عاما لسيرها بدون الدس بأنفها، لكنها بالـتاكيد تقف ضد العنف والتعصب والتحزب والتطرف.
تبين الروايات العراقية الكثيرة أن العراقيين متنوعون ومختلفون سياسيا لكنهم يحبون بلدهم على إختلاف طوائفهم ومعتقداتهم، وأن مفهومي"التنوع ثروة" و"اختلاف أمتي رحمة" لو حققوه بدون العنف لأصبح بلدهم غنياً ومستقراً.
"ما يقلقها ويفسد عليها فرحتها... خلافات الناس في ما بينهم... يتحدثون عن اعتقالات ... وهروب الناس من العراق... كيف يهرب الناس من وطنهم... تسمع مثل هذه الأحاديث... في بيتهم المطل على الشط في الفاو... عزيز علي يغني ..."بالغش والفتنة وبالدس، هواية سمعتم كلمة بس، ثخنتوها يزي عاد نو، نو نو لهنانه وبس" ص 43
وفي مكان آخر من روايتها تصف الصراع الحزبي ودوره في تجييش الناس ضد الآخرين مثل العمال ضد الأغنياء، "أبوها ... راح يروي ما دار بينه وبين عامل يعمل تحت إمرته ..."عمي شوكت آخذ بيتك؟ تضاحك منه أبوها وهو يقول "وليش تاخذ بيتي؟ وآني وين أروح"؟... "ديقولون كل العمال راح يأخذون بيوت الأغنياء... عمي شمدريني، هٌمّه قالوا لي". ص 45
كيف يجرأ هذا العامل أن يطلب من أخيه العراقي أو حتى إذا كان غير عراقي، أن يأخذ منزله مهما كانت الأسباب؟ أعتقد أن هذا الموضوع يستحق التوقف عنده من الناحية السوسيولوجية والنفسية لكي يمكن إجتثاثه لأنه يشكل خللاً إجتماعياً كبيراً في المجتمع العراقي.
"... في ثانوية كركوك للبنات... خالتي عبير، تقول إنها حين أنهت الدراسة الإبتدائية عام ثمانية وخمسين... تغيرت كل المناهج الدراسية... من العهد البائد... لأنها تحمل صورة الملك... وأنه حدث ... "الزحف العام" أي أن جميع من سقطوا في الإمتحانات ... ترفعوا إلى الصف التالي" ص 50 تضاحكت وهي تقول ... "سندرس تاريخ الصين الشعبية وإنجازات جوزيف ستالين". ص51
هل هناك كارثة أكبر من هذا الوضع الذي "ينجح" فيه الطلبة الساقطون وهل يمكن للدارسين أن يحصلوا على تعليمهم وتطورهم كبشر وكمواطنين طبيعيين في ظل هذه الظروف، وكم أدى هذا إلى هدر الطاقات والإمكانيات. تصف الكاتبة الفترة العارفية:
"تغيرت كل الشعارات للمرة الثالثة... إعدام الخونة والخروج من حلف بغداد... وحده وحرية واشتراكية...الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج... العَلَم تغير، أضيفت له نجوم، ولم يعد أحد يهاجم أو يدافع عن الزعيم ، أو حزب
البعث أو حتى الشيوعيين". ص 52
وكما تتحدث عن أحوال العراق السياسية فإنها تصف بغداد في ذلك الزمن أكثر جمالا من الوقت الحالي " دخلت السيارة شارع السعدون... المحال التجارية ومكاتب المحامين والأطباء ..." ص67 لكنها تقول عن العراق الحالي "...تنظيم إسلامي يحتل مدن العراق... بلد الحضارات والفن... راية سوداء عليها ثلاث كلمات بالأبيض الله رسول، محمد مرتبة فوق بعضها... اكتشفت أنها يجب أن تقرأ من آخر كلمة ... إن كانت رايتهم يقرأ بالمقلوب فكيف هي عقولهم؟" ص75
في بغداد تلتقي نوار بزميلتها الجديدة صغيرة الحجم لكنها واثقة من نفسها كعادة الشيوعيين وكأنها مالكة البيت تخاطب ضيفتها "أهلاً بك في الإعداية الشرقية... جميل. بصراوية عاشت في كركوك وأحبتها. المهم هل أعجبتك بغداد؟" ص 79
"أحست نوار بقلبها يهوي. لِمَ تتحدث عن الشيوعيين؟ أليسوا هم من أيدوا الزعيم وتسببوا بالمشاكل؟... ابتسمت عفراء "مازال أهم الكتاب والشعراء شيوعيين... همهمت محاذرة أن تقول ما يغضب صديقتها الجديدة: "بس... الشيوعيين كانوا يؤيدون الزعيم، ولذلك يحمّلهم البعض المسؤولية فيما حدث بعد ثورة الرابع عشر من تموز...والمطالبات بإعدام من يخرج عن خط الثورة". تضاحكت عفراء: "هذه يا نوار دعاية مغرضة، المقصود بها الإساءة للفكر اليساري. لاتصدقيها... وعادت تهمس" ...الشيوعية فكر يريد بناء الوطن الحر..." إبتسمت نوار ..."يعني ... وطن حر وشعب سعيد"؟ تضاحكت عفراء... بالضبط، الوطن الحر من أي تدخل... والشعب الذي ينال كل حقوقه... غير ممكن بالعنف" ص 81
وعندما تخبر نوار صديقة طفولتها فاتن أن "نصير إنسان جاد مثقف يقرأ كثيرا وشيوعي" ص 101 تعنفها ويكون رد فعلها قاسيا "هجمت عليها فاتن. أمسكت بذراعيها بقوة وراحت تهزها "ليش نوار ليش؟... ليش صرتي شيوعية؟
...وهي تهزها بعنف....اتركيني فاتن وجعتيني. راح تكسرين عظامي" ص 101
والكاتبة هنا تصور عدم تقبل الرأي الآخر حتى من أقرب الأصدقاء:
"هل نسيتِ مافعله الشيوعيون بكركوك وقبلها بالموصل. سحل وقتل. ألم يكن شعارهم مرفوعا عن الوطن الحر والشعب السعيد، وبأيديهم حبال يهددون بها كل من يعادي الثورة؟... يصفقون ويصرخون إعدم؟" ص 102
لوت نوار رأسها وضيقت عينيها وهي تهمهم : "قلت لك العنف مرفوض،... الشيوعيون الملتزمون يرفضون ذلك... هل نسيت مافعله البعثيون بهم عام ثلاثة وستين؟" ص 102
"أسرعت نوار تقول "ناس تنتقم من ناس وينسون كلهم عراقيون"... الذين ارتكبوا ماهو مخالف للقانون، ماكانوا شيوعيين حقيقيين، كانوا ناساً فوضويين" ص 103
تقرر نوار الهروب من البيت ومغادرة العراق رغم توقيع الجبهة الوطنية بين البعث والشيوعي، بالتنسيق مع الشيوعيين وبدون أن تخبر أهلها للحاق بحبيبها وأخيه في بيروت حيث يتزوجان في المحكمة الشرعية عام 1973 ويلقيان معاملة جيدة من الأخ الكبير صالح ومن منظمة التحرير الفلسطينية ويندمجان في الأجواء هناك لولا بدء الحرب الأهلية والقتل على الهوية. "بدأت الحرب الأهلية... بمحاولة إغتيال رئيس حزب الكتائب..." ص 177
وما زاد الطين بلة أن زوج نوار فلاح مصاب بتليف الكبد ولابد من سفره للعلاج خارج البلاد فوقع الإختيار على براغ، يساعدهما الأخ الكبير صالح "سأرتب الأمور وتسافران خلال الأيام القادمة... سأرتب لكم سيارة تأخذكم من طرق إلتفافية إلى دمشق ومن هناك تأخذان طائرة إلى براغ... مدينة جميلة تمتعا بها" ص 182
هنا في براغ كل شيء جميل ومختلف، حيث الأمان والإستقرار، لكن الدعاية الشيوعية ليست كالواقع، فبدأت نوار تفتح عينيها على أمور مختلفة، لاسيما وأن سكان العاصمة براغ خرجوا تواً من "ربيع براغ"وعليك أن تتقبل سماع الرأي الآخر والإنتقادات "لقلعة الإشتراكية" الإتحاد السوفييتي فلا قدسية له هنا. بدأت الإختلافات بين الزوجين نوار وفلاح وظهور مصطلح التوتاليتاريا حكم الحزب الواحد وانتهت بإصرار الزوجة على عدم العودة إلى بيروت بل التوجه من هنا إلى طريق آخرهو في الحقيقة أليغوريا/ رمز الحياة الجديدة بالنسبة لهذه المخلوقة التي تنبذ العنف، لكنها ستصبح خائنة في نظر الآخرين من رفاق الأمس. ص185
تقول نوار لزوجها" أريد أن لا أخشى قول ما أريد قوله. أريد أن أقول إن دخول الدبابات السوفييتية إلى براغ أرعب الناس وكان خطأً فادحاً...مذ كنت طفلة صغيرة أرعبتني فكرة القتل بسبب إختلاف الرأي كلما جد جديد في العراق. أرعبتني الحبال والمشانق والرصاص... لم لانكون معاً في مكان آمن، نعيش ونعمل وننجب أطفالاً نربيهم ونعلمهم..." ص 186
وأنا كنت أتسائل عندما قرأت هذه السطور، لم لا؟ لِمَ لَمْ يحصلا بمساعدة الأخ الكبير صالح على منحة دراسية في براغ مثل العديد من الطلاب الأجانب؟ لماذا لم يسهلوا الأمر على هذين الشابين لكي يكونا عائلتهما ويحصلا على تعليمهما الجامعي؟ لا أعتقد أن ذلك صعباً، أو محاولة السفر إلى لندن كما اقترحت عليه حيث يقيم فيها العديد من العراقيين يساريين ويمينين، لكن فلاح زوج نوار، كأي عراقي متحمس، يفكر بطريقة "حنبلية" ملتزمة أخرى "تعالى ضحكه: "نوار كفي عن هذه الطريقة الطفولية في الكلام...لدينا إلتزامات مع الرفاق... أرجوك اعقلي". همهمت: "هل صار البحث عن الأمان جنون"؟ ص 187
ومنذ تلك اللحظة يتخلى فلاح ورفاقه عن نوار ويصبح التعامل معها رسمياً ويتخلون عنها إذا اصرت على رفضها العودة إلى بيروت، فتتجه إلى السفارة البريطانية لتحصل على تأشيرة دخول عادية وتسافر إلى لندن لتخوض غمارحياة جديدة عنوانها الإعتماد على النفس قبل لقائها بصديقة الطفولة فاتن، التي تساعدها حتى على تقبل فكرة أن زوجها فلاح عمليا خذلها عندما تركها وحيدة في براغ ومن ثم في لندن حيث تستقر فيها بدونه لكن ليس بلا تأنيب الضمير"هل تريديني أن أطلب الطلاق من الرجل الذي تخليت عن كل شيء لأجل أن أكون معه. ماذا أقول له، إما أن تأتي للعيش معي في لندن أو تطلقني؟ لا أستطيع أن أفعل ذلك، ولا أريد أن أفعله" ص 214 .
لماذا هذا الكم الهائل من الصراعات الدموية والقتل والدمار والحزن والإنكسار؟ لماذا كل هذا الجفاء حتى عند سفرها إلى بغداد حيث لم يتم اي لقاء بينها والأهل والأصدقاء؟ الإجابة على هذه الأسئلة تجعلنا نفكر ملياً كيف نجعل العراق بلداً آمناً للجميع غير مقطع الأوصال وبلا حواجز كونكريتية تمنع الأحبة من التواصل.
هذا ما أرادت الكاتبة سلوى جراح أن تقوله لنا جميعاً!
-----
* سلوى جراح. أبواب ضيقة. بيروت 2015
التعليقات