ما سيلي من حقائق ليس فيها أي تجني أو مبالغة فلقد عشتها بنفسي وواجهتها أثناء زياراتي المتعددة للعراق في كل سنة وكان آخرها التي مكثت فيها قرابة الثلاثة أشهر. ومن أبرز مظاهر الذل والخنوع التي تواجه المواطن العراقي اليوم هي مراجعة الدوائر الحكومية لإجراء معاملاته، التي تشكل في واقع الأمر كابوساً لا فكاك منه, لقد تفن السياسيون في العراق في سحق المواطن وامتهان كرامته يومياً وفي كل ساعة، وهاهم اليوم وبلا أي حياء يرشحون أنفسهم مرة أخرى للانتخابات ويكذبون على الشعب ويطلبون منه التصويت لهم دون أن يطالبهم بأي حساب أو يوجه لهم أي نقد. فلقد اختلقوا وعمموا التزوير على نطاق واسع وزروا كل شيء، ليس أقلها الشهادات المزورة ، فترى أحدهم لم يكمل المرحلة الابتدائية ويقدم نفسه كادراً يحمل شهادة الدكتوراه وعندما تسأله يرد بلا حياء إنه يحمل شهادة دكتوراه في حب الحسين، وهو جاد فكل ما قام به هو شرائه شهادة في الدين ورثاء الحسين من جامعة غير معترف بها في طهران أو أي مدينة أخرى بما فيها جامعات أهلية في أوروبا أسسها عراقيون فاشلون للكسب غير المشروع ، وقاموا بتزوير وثائق الملكية والطابو لشراء الأراضي الحكومية ومصادرة بيوت المهجرين أو المغتربين الشاغرة وإبراز وثائق ملكية مزورة بحراسة وتشجيع قوى مسلحة خارج القانون والويل لمن يعترض أو يفضح أو يحتج، وبعد كل ذلك يفرضون على كل مواطن وفي كل معاملة ومع أية وثيقة ، أن يأتي للدائرة التي يقصدها بما يسمى " شهادة صحة الصدور" التي عليه أن يقدمها مرفقة باية وثيقة رسمية تطلب منه ، فتارة يقال لك أن شهادة الجنسية قديمة وغير صالحة وعليك أن تاتي بأخرى حديثة وذلك لإدخالك في دوامة المراجعات حيث سيطلبون منك المستمسكات أربعة هي بطاقة السكن والجنسية وشهادة الجنسية والبطاقة التموينية وهذا يعني ببساطة أنك إما أن ترشي الموظفين في كل معاملة لكل موظف ولكل توقيع ، وما أكثرها، وتدفع مبالغ طائلة حتى يتم تمشية معاملتك الإدارية بعد عدة مراجعات ومعاناة وتحمل الحر والبرد والأمطار والتنقل والازدحامات المرورية أو أن تتحمل المماطلة والتأجيل وعدم الإنجاز لمعاملتك التي قد تستغرق أشهر وربما سنوات، وإذا امتنع أحدهم عن دفع الرشوة يقوم الموظف برفع سلاح " شهادة صحة الصدور" أي على المراجع أن يثبت أن وثيقته حقيقية وغير مزورة، حتى لو تم إصدارها في نفس اليوم ومن نفس الدائرة ، وهنا تكمن المشكلة فلا يحق للمراجع أن يقوم بنفسه بالحصول على شهادة صحة الصدور وإنما تقوم الدائرة التي يراجعها بتوجيه كتاب لدائرة أخرى كي تقوم بإثبات صحة الوثائق التي قدمها، وكل وثيقة تحتاج لشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر للحصول على شهادة صحة الصدور حيث تقوم الدائرة المعنية باختيار ما يسمى بــ " المعتمد" الذي يكلف بالقيام بنفسه بحمل وتسليم شهادات صحة الصدور للدوائر التي تطلبها فلو كانت المراجعة في بغداد والوثيقة صادرة من الحلة فعلى المعتمد أن يسافر إلى الحلة واستلام شهادة صحة الصدور والسفر إلى بغداد وتسليمها ، وهذا المعتمد لايمكنه أن يسافر في كل يوم بل ينتظر أسابيع وربما شهور لكي يحمل مجموعة من شهادات صحة الصدور في كل سفرة يقوم بها، أو يضطر المراجع إلى رشوته وتحمل تكاليف سفرته لكي يقوم بجلب شهادة صحة الصدور، وأكثر من يعاني من ذلك هم المهاجرون والمغتربون الذي يأتون للعراق لفترة محدودة لا تتجاوز الشهر في العطلة أملاً بإنجاز بعض المعاملات كتجديد جواز السفر أو شهادة الجنسية أو إصدار وكالة لأحد الأقارب لكي يتابع معاملاته، وإزاء هذه العقبة الكأداء ما عليه سوى أن يستسلم ويرجع لبلد اللجوء خاوي اليدين أو أن يدفع ما عليه من مبالغ ربكا ادخرها بعد جهد وعمل وكد سنة كاملة في بلد المهجر، وبما أنه من بلد أجنبي فهو بالنسبة للموظفين بمثابة صيد ثمين حيث يبدأ الابتزاز وعليه أن يدفع آلاف الدولارات لكي ينجز معاملته في اقصر وقت ممكن ضمن حدود عطلته السنوية . ولو قمنا بحسابات أولية تقديرية فسوف نكتشف أن هذا الإجراء يدر ملايين الدولارات للموظفين الفاسدين وهم بنسبة 98 بالمائة من موظفي العراق اليوم، وذلك بعلم وتشجيع ومباركة المسؤولين العراقيين الذي يتلذذون بمعاناة المواطنين ويمعنون في إذلالهم وابتزازهم يومياً ، أما المواطن العراقي المسكين فلاحول ولا قوة له سوى الخضوع وقبول هذه الماكنة الطاحنة وهذا الإجرام العلني المشروع والمحمي بالقانون . فالمهاجر أو المغترب يعتدى عليه بشتى الطرق منذ وصوله إلى المطار حيث عليه أن يدفع عشرة آلاف دينار عراقي أو مايعادلها بالدولار لشركة تاكسي بغداد المحتكرة من قبل عصابة من السياسيين، لنقل المسافرين بين المطار وساحة عباس بن فرناس ، أي بضعة أمتار فقط ، حيث لايسمح للسيارات الخاصة أو التاكسيات العادية الوصول للمطار بذريعة الدواعي الأمنية وحيث يحتكر بعض السياسيين هذه البقرة الحلوب التي تدر عليهم يومياً آلاف الدولارات ، وذلك في الذهاب والإياب ، إلى جانب عمليات التفتيش المرهقة إذ يتعين على المسافر أن يحمل أمتعته بنفسه عدة مرات لفحصها وتفتيشها، أكثر من ستة عمليات تفتيش واستخدام الكلاب المدربة على عمليات التفتيش عدة مرات قبل الولوج إلى المطار. وهناك السرقات التي تقوم بها شركات الموبايل التي يمتلكها السياسيون، وعمليات استنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي من خلال مزاد العملات الصعبة الذي يقوم به البنك المركزي العراقي لصالح السياسيين ورؤوساء الكتل السياسية الذي يمتلكون المصارف والبنوك ومكاتب الصيرفة المستفيدة الوحيدة من هذا المزاد وهي عمليات سرقة علنية وشرعية تحسب بمليارات الدولارات ، والتي سنتحدث عنها بالتفصيل في حلقات قادمة . يتبع
- آخر تحديث :
التعليقات