سائرة إلى ارتفاع وتتسبب بإنحرافات
عمالة الأطفال في الجزائر .. بين سطوة الحاجة وتنامي الإستغلال
كامل الشيرازي من الجزائر: ليس بخاف أنّ عمالة الأطفال في الجزائر تشهد تناميا رغم تحريم القوانين هناك لمثل هذا الاستغلال، وإذا كان الحرمان سبب أساسي وراء الدفع بنحو 1.8 مليون طفل إلى العمل في سن جد مبكّرة، فإنّ مغادرة هؤلاء ( البراعم ) لمقاعد الدراسة وانهماكهم في صنوف الشغل المختلفة، أدى إلى انحرافات على أكثر من صعيد، تجسدها نسب جنوح الأحداث وتعاطي هؤلاء المخدرات، بجانب استخدام عدد منهم في تجارة الجنس.
أرقام مقلقة
كشفت دراسة مسحية أعدها أكاديميون جزائريون مؤخرا أنّ عدد الأطفال العاملين في الجزائر، وصل أوائل العام الحالي إلى 1.8 مليون طفل بينهم 1.3 مليون تتراوح أعمارهم بين السادسة والثلاثة عشر سنة، علما أنّ 56 % منهم إناث، وتفيد بيانات جمعيات الطفولة المسعفة في الجزائر أنّ نسبة 28 % من الأطفال العاملين يتراوح سنهم بين 13 و15 عاما، رغم أنّ ا
لمُشرّع الجزائري واضح بهذا الشأن، حيث يمنع قانون العمل الجزائري منعا باتا عمل كل شخص لا يتجاوز سنه 18 عاما، ويعتبر القانون ذاته عمل الأطفال quot;استغلالاquot;، ومع ذلك يشهد سوق الشغل quot;الطفوليquot; يشهد اتساعا من عام إلى آخر، سيما على مستوى الأسواق اللامشروعة وكذا في الأرياف التي يسجّل بها %52.1من الأطفال العاملين، أين يفضل أرباب العمل الاعتماد على اليد العاملة الرخيصة وغير المتمردة.
ويضع تقرير أعدته المنظمة العالمية للطفولة الكائن مقرها ببروكسل، الجزائر في مقدمة الدول المغاربية، من حيث عمالة الأطفال، علما أنّ منطقة المغرب العربي تحتل الصدارة عالميا بـ6.2 مليون طفل عامل، وتصنف الجزائر استنادا إلى كشوفات المنظمة العالمية للطفولة، في نفس المستوى مع:الصومال، جيبوتي، العراق، السودان، وفلسطين.
ويقرّ عدد معتبر من أرباب الأسر الذين استجوبتهم quot;إيلافquot;، بأنهم ارتضوا انخراط أطفالهم في مختلف الأعمال الشاقة بحتمية quot;المساعدة المنزليةquot; حتى وإن كان الأمر يتم على نحو غير شرعي، اعتبارا لحظر المسألة في مجموع المعاهدات الدولية سارية المفعول، ويذهب أحدهم - طلب عدم نشر إسمه - إلى أنّ أطفاله الثلاثة أصغرهم في الثالثة عشر وأكبرهم في السابعة عشر معتادون على تقاضي رواتب زهيدة جراء مساهمتهم في أشغال البناء والدهن، بينما أشار ثان إلى قيام أطفال بحيه بعدد من الأشغال غير مدفوعة الأجر؛ لكنّ بوعلام
(48 سنة) الذي يعمل أبناؤه بسوق الخضار، نفى بشدة أن يكون فلذات كبده غادروا نهائيا مقاعد الدراسة حتى وإن اعترف بكثرة غياباتهم عن الفصول وهو ما يؤثر حتما على نوعية تحصيلهم العلمي، علما أنّ الأطفال في المناطق الريفية والنائية، يضحون بالدراسة لأجل العمل، وقد تجبر الفتاة في القرى على ترك المدرسة لخوض الأعمال المنزلية، وهي ممارسة تتفاقم في محيط يصعب أن تمتد إليه رقابة الدولة.
إفرزات التسرب والتشرّد
يعود عمل الأطفال إلى عدة عوامل، أهمها الفقر، وتدني العائد الاقتصادي والاجتماعي من التعليم، حيث باتت الجزائر باتت تعيش في الظرف الراهن وقع إرث اجتماعي واقتصادي جد متدهور، في ظل ما أفرزه شبح انحراف القصّر بجانب ما ولّدته ظواهر البطالة المتفاقمة واشتداد حدة الفقر من إمعان في كارثية مضاعفة مقارنة عما كان الحال في العشريات الأربع المنقضية.
يسجل الأستاذ أنيس بن هدوقة أنّ الأسباب عادة ما تكون قساوة الحياة والمشاكل الاجتماعية، لكنه يشير إلى فئة من الأطفال الذين يلجأون إلى العمل أو ما يعرف بالتجارة الموازية على الخصوص، بهدف تحقيق الربح السريع، نتيجة فقدانهم مراجع أساسية وتصورهم أنّ المدرسة لن تضمن لهم ndash; في نظرهم- quot;مستقبلا مريحاquot;، وهذا ما يدفعهم إلى التجارة والبزنسة الموازية بهدف الربح السريع، وعادة ما نجد هذه الفئة تنتمي إلى الطبقة الوسطى.
ويربط الخبير النفساني فتحي بواروي تطورات الظاهرة بإفرازات بقاء نحو مليون طفل جزائري خارج المدارس لأسباب متعددة أهمهما quot;الفقرquot; وquot;الجهلquot;، وعلى الرغم من quot;مجانيةquot; التعليم، إلاّ أنّ اقتران الأخير بمصاريف ضخمة، إضافة إلى محدودية رواتب أولياء أمورهم، واللافت أنّ نسبة التحاق الشباب بالمرحلة الثانية للدراسة لا تزيد عن 40 % من الشريحة العمرية التقريبية 18-12 سنة، كما أنّ 90 % من التلاميذ يبلغون الصف الخامس من الإعدادي، وعددهم يزداد تقلصا في المرحلة المتوسطة، إذ لا يزيد على طالبين من بين كل ثلاثة طلاب في الجزائر، ما يبرز معدلات الرسوب المرتفعة هناك.
ويوضح الخبير السوسيولوجي د/ناصر جابي إنّ الأطفال العاملين هم في أغلب الحالات أبناء لأمهات ذوات مستوى تعليمي منخفض أو لم يتلقين تعليما على الإطلاق، كما أنهم (خريجي) بيئات تعدّ الأكثر فقرا، ويشير أ/فريد كناوي إلى كون حالة الأطفال المزرية في الجزائر، نجم عنها كليشيهات أخطر في صورة التسرب المدرسي والانحراف الاجتماعي، أو ما صار يُعرف محليا بـquot;أطفال الشوارعquot;، فالطفل الذي خرج من المدرسة أو لم يلتحق بها لا مكان له سوى العمل، أو الشارع، وما يترتّب عنهما من مخاطر اجتماعية وتربوية، فيما يذهب السوسيولوجي quot;مراد عيمرquot; الذي يشتغل على ملف عمالة الأطفال منذ العام 1996، إلى أنّ ما لا يقلّ عن 15 % من الأطفال العاملين هم quot;أيتامquot;، ويسجل وجود ما يزيد عن ألفي متشرد في مختلف أنحاء الجزائر.
ظروف كارثية
تتسبب ممارسة مختلف المهن في مخاطر كبيرة على صحة الأطفال ونموهم البدني والعقلي، وتلاحظ طبيبة الأطفال quot;سليمة نديرquot; أنّ ظروف العمل كارثية ولا تراع فيها أي شروط صحية، وتضرب مثلا بما يحصل في ميادين الإنشاءات وتركيب الأجهزة الإلكترونية، صقل الحجارة، دهن السيارات والحدادة والنجارة، وكذا الأعمال بالمواد الكيميائية، التي لو تم تنشقها بشكل مستمر، قد يكون لها تداعيات مخيفة على أجساد لا تزال لينة وغير صلبة، ناهيك عن ما يتعرض له الأطفال من تعنيف وضرب من قبل أرباب عملهم.
الجرائم والمخدرات .. صورة أبشع
تشير أرقام حديثة إلى ابتلاع الجريمة لقطاع هائل من الأطفال quot;المذنبينquot;، وسجل تقرير للدرك الجزائري تورّط 34 ألف قاصر في مختلف أشكال الإجرام وأبرزها السرقة خلال الخمس سنوات المنقضية، ولاحظ التقرير أنّ حرمان أكثر من 300 ألف طفل من الرقابة الأبوية، له انعكاسات سلبية على أحداث لا تتعدى أعمارهم عشر سنوات يتفننون في السطو والجرح العمدي وتوابعهما، بالقدر الذي فرض بعث خلايا خاصة للتدخل خاصة بتقويم انحراف مسار الأحداث.
وتضع الإحصائيات السرقة في الصدارة حيث تظل الجريمة الأكثر شيوعا بـ 44 في المئة، وأكثر من ذلك ارتفعت ب 12 بالمئة عما كان في النصف الثاني للتسعينات، مع الاشارة إلى أنّ الذكور يشكلون الأغلبية الساحقة ب 97 في المئة من القصّر المتورطين، في حين نجد الفئة العمرية الأكثر من 16 إلى 18 عاما بـ9743 على رأس القائمة قبل شريحة 13 إلى 16 سنة،4612 دون إغفال ذوي العشر سنوات الذين وصلت أعداد المذنبين منهم إلى 284 طفلا.
في وقت استخدمت جماعات الإجرام 500 قاصر في قضايا بيع وتعاطي مخدرات، وتعتبر المناطق الأكبر في الجزائر، وهي ولايات العاصمة ووهران وباتنة الأكثر عرضة للظاهرة - 202 حالة، ويرى أخصائيون أنّ غياب سياسة وقائية عميقة زاد من اتساع رقعة العنف ضد الأحداث، وأبدت تخوفها من احتمال استفحال حجم النزيف وخشيتها من ابتلاع غول العنف للقصر في غضون الأعوام القليلة القادمة، علما أنّ السنة الماضية كرّست استمرارية الانحراف، أين سجّل تورط 3123 قاصرا لجرائم، ويربط محققون أمنيون يشتغلون على الملف، بروز هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع الجزائري، إلى ما نجم عن الفكاك الأسري والعنف الدموي الذي جعل من الجزائر أسيرة لمستنقع مزمن.
رقابة شكلية ومنظمات على الهامش
هل هناك من يراقب رسميا هذا الوضع؟ يلاحظ الإعلامي أنيس بن هدوقة أنّه بالنسبة للأطفال الذين يعملون في المقاهي أو في المؤسسات الصغيرة توجد مراقبة من قبل مفتشي العمل، ولكن الأطفال الذين يعملون لحسابهم الشخصي مثل بيع الخبز في الطريق أو السجائر فلا توجد أي رقابة تخصهم، طالما أنّ ذلك أمر يصعب مراقبته.
المشكلة، هي بقاء منظمات المجتمع المدني على الهامش، حيث تبقى أغلب الجمعيات مركّزة على المدن ونشاطها لا يتعدى إلى المناطق النائية، حيث هناك كثيرون من الآباء في المناطق المعزولة لا يبالون بتكوين أبنائهم، وهو ما يفرض بحسب الأخصائية الاجتماعية quot;بديعة مناديquot; بحثا معمّقا في أسباب توجه القُصر للعمل وفحص شتى تفاصيل أوضاعهم الاجتماعية، كما تنادي بديعة بتشكيل خلايا توسيعها لاحقا، لاستدراك التأخر الحاصل على صعيد الاعتناء بالقصّر، وتوظيف مختلف الوسائل البسيكولوجية من أجل تقويم التردي الحاصل في منظومة القصر في الجزائر.
التعليقات