لا توجد أرقام حقيقية تظهر حجم عمالتهم
الفقر والتفكك الأسري وراء عمل الأطفال في الأردن

quot;الطفولة

الطفولة الضائعة: قوانين مشرعة ورقابة غائبة

رانيا تادرس من عمان: فقر وتفكك اسريّ وثقافة مجتمعات مغلقة لها مفاهيم حياتية خاصة تتحكم بها عوامل متعددة، كلهااجتمعت وقررت اغتصاب طفولتهم وتركهم يقبعون فيما بين ورشات وكراجات السيارات وصولاً إلى المصانع، في غياب واضح لحقوق الأطفال حيث الانتهاكات وساعات عمل طويلة وإصابات عمل، انتهاء بآخرين على قارعة الطريق بائعين أو متسولين عرضة لمخاطر الشارع .

وعلى الرغم من الاعتراف الحكومي الرسمي الأردني بوجود ظاهرة الأطفال العاملين والبرامج المنفذة بهذا الجانب، تغيب إحصاءات وأرقام حقيقة عن عدد عمالة الأطفال، وكذلك إصابات عملهم لكن الجهات الرسمية تنفي وجود عصابات تنظم عمالة الأطفال .

ومن ابرز البؤر الساخنة في الأردن منطقة سحاب ( جنوب شرق العاصمة) وفي مقابلات مع أطفال عاملين تظهر في ملامحهم القسوة والشعور بالنقص من تلك المنطقة تقول ناريمان سمير( 15 سنة) لـquot;إيلاف quot; أنها تعمل بسبب ظروف عائلتها الاقتصادية ، وأم مطلقة وأب لا نعرف أين هو quot;.
تعمل في تصوير الحفلات في صالات الأفراح من الساعة الرابعة مساءً لغاية 12 ليلاً لتجني 70 دينارًا ( 100دولار) ، لا تكاد تغطي أجرة المنزل لكن هذا المبلغ يسد جزءًا من رمق الفقر لدى عائلتها في غلاء فاحش .

هديل خليل تختزل صورة الحرمان والفقر في وجهها وتروي ظروفها، quot;أم مطلقة وأب يقبع في السجن ويحث أبنائه نحو العملquot; هديل 13 عامًا تعمل في مصنع من الساعة 8صباحاً إلى 5 مساءً في تعبئة الحلويات لا تبالي بالتعب والإجهاد مقابل حفنة دنانير لا تذكر. فيما يتحدث إبراهيم همام 15 عامًا في لغة يظهر استنكارها نحو الحياة وقدر لم يكن له ذنب في اختياره،فهو يعمل كبائع بسطة منذ أربع سنوات ويجد في عمله انه منحه شعور الاعتماد على الذات والشعور بالمسؤولية تجاه أسرته التي ينفق عليها،بعد ساعات عمل مضنية تحت أشعة الشمس وأمطار الشتاء يجني 10دنانير يوميًا يقتطع منها ثمن دخانه ليعطي ما تبقي لعائلته .

وينطبق الأمر ذاته على عبدالله محمد 14 عاما ويقول انه quot;يعمل في كراج للسيارات حيث فك وتركيب قطع لها ،ويستدرك حديثه انه quot; تعرض لإصابة عمل قبل عام ونصف عندما انزلق موتور سيارة على ساقه وحطمها وباتت كاملة محشوة بالحديد لكنه عاد إلى العمل بعد علاجه بسبب فقره .

والاستعراض الحزين يتوالى فصولاً على وجوه الأطفال العاملين ليترك ملامح القسوة ، والمراوغة وعدم الثقة والاستهتار ، وعدم الخوف هذه كلمات طفل عامل هو محمد فتحي16 عاما ويقول انه quot; يعمل كنادل في قهوة وسبب عمله كما ابلغ quot;إيلافquot; الفقر وظروفه الاجتماعية الصعبة وعن سلبيات وايجابيات عمله quot; يقول التقط سلوكيات تناول المشروبات الروحية ، والتدخين ، والالفاط البذيئة .

والقاسم المشترك بين هؤلاء الأطفال العاملين انه لا طموح لديهم يعيشون الحياة كما هي، لا يفكرون بالمستقبل أو العلم بل الاستسلام لظروفهم وعادات مجتمعاتهم المغلق كونها باتت أطواق في أعناقهم لا يستطيعون الخلاص منها

غير ان أم حمزة هي ما دفعت ابنها إلى العمل quot;ميكانيكيquot; بسبب ظروفهم الاقتصادية لم تهتم للتعليم أو للمخاطر أو السلوكيات التي يلتقطها من الشارع كالتدخين أو تعاطي المخدرات المهم الاستفادة من راتبه كمصروف للبيت كونه الابن الوحيد الذي لديها بحسب ما قالت لـquot;إيلاف quot;.

البؤر الساخنة لمناطق الأطفال العاملين منطقة سحاب الصناعية ( جنوب شرق العاصمة ) ومحافظة اربد ، ومحافظة الزرقاء ،إلى جانب مناطق المخيمات الفلسطينية على غرار مخيم البقعة والوحدات والحسين .

وتقول مديرة مركز الدعم الاجتماعي الخاص بالأطفال العاملين في الأردن التابع للصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية نهاية دبدوب لـquot; إيلاف quot;أن الحكومة الأردنية بدأت الاهتمام وتسليط الضوء على قضية الأطفال العاملين منذ عام 2005، عندما خصصت الأجندة الوطنية (وهي خارطة طريق لسياسات وبرامج الحكومات لعشر سنوات ) مبلغ 250 الف إلى 300 ألف دينار كدعم حكومي لمعالجة هذه الظاهرةquot;.

إذًا عندتوفير الدعم المالي، بدأ الالتفات وتسجيل الحضور لمشكلة الأطفال العاملين فكانت الانطلاقة وفق دبدوب من تأسيس مركز الدعم الاجتماعي في منطقة سحاب الصناعية( جنوب شرق العاصمة ) التي تعد إحدى البؤر الساخنة التي تشهد عمالة أطفال quot;.

ينفذ المركز برامج بعد سحبهم من سوق العمل لتعليمهم وتدريبهم وتمكينهم بمهنة تساعدهم على بناء مستقبلهم ، إذ يقدم المركز برنامجًا تعليميًا، وبرنامج الإرشاد النفسي والاجتماعي quot;.

وتعتقد دبدوب انه رغم وجود استراتيجية وطنية لمكافحة عمل الأطفال لكن تعدد الجهات التي يقع على عاتقها في تنظيم عمل الأطفال يخلق مشكلة حقيقية في غياب أرقام حقيقية، بل إن الأرقام المتداولة عبارة عن نتائج مسوحات تشمل عينات محدودة فقط لا تمثل كل مناطق المملكة .

وجهة النظر الحكومية ، يتحدث أمين عام وزارة العمل بالوكالة حمادة أبو نجمة يقول لـquot;إيلاف quot; أننا كجهة حكومية نعترف بوجود ظاهرة الأطفال العاملين quot;.مضيفا quot; أن الأردن وقع اتفاقية العمل الدولية رقم 138 والتي تهدف إلى القضاء الكامل على عمل الأطفال ،ووضع الحد الادني لسن العمل وهو 15 سنة ، وكذلك quot; اتفاقية العمل الدولية رقم 182 والقضاء التام على كل أشكال عمل الأطفال وأكدت على أهمية التعليم الأساسي والمجاني وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا quot;.

ويشير إلى أن قانون العمل الأردني تحظر عمل الأطفال وتفرض عقوبات وغرامات مالية على أصحاب العمل quot;.

والنقطة اللافتة في موضوع الأطفال العاملين أن وزارة العمل لا تملكأرقامًا رسمية أو قاعدة بيانات عن حجم الظاهرة بل تعتمد على أرقام دائرة الإحصاءات التي قدرت ب32 ألف طفل عامل قبل سنوات ،وكذلك غياب أرقام حقيقة عن إصابات الأطفال العاملين ، وكذلك المخالفات لأصحاب العمل لا سيما في ظل إعادة هيكلة لوحدة عمالة الأطفال في الوزارة بحسب ما أكده أبو نجمة.

فيما تأخذ عمالة الأطفال في الأردن شكلاً آخر كالتسول، وفي هذا السياق يقول مدير برنامج مكافحة التسول في وزارة التنمية الاجتماعية خالد الرواشدة انه quot;سنويا يتم إلقاء القبض على الأطفال المتسولين أو العاملين في بيع الورود ، والبيع على البسطات ،أو الجرائد ويصل عددهمإلى 500 متسول من الذكور والإناث .

ويضيف أن quot; الفئة العمرية الأكثر عرضة للتسول للأعمار هي 10الى12 ، معظهم تدفع بهم أسرهم نحو التسول وينتشر الأطفال المتسولون في ارقى أحياء العاصمة عمان، خصوصًا الغربية منها وعلى الإشارات الضوئية العاصمة عمان ،وفي مجمعات السفريات في المحافظات .

ولكن حول وجود عصابات منظمة تدفع هولاء الأطفال نحو ارتكاب الجرائم ، ترويج وتعاطي المخدرات يؤكد الرواشدة انه quot;تم إلقاء القبض على أربع عصابات تحاول تنظيم عمل المتسولين ،وان الأجهزة المختصة تراقب بكثب لتمنع تكوين تلك العصابات quot;.

اجتماعيًا ينظر مدير مركز الثريا للدراسات دكتور علم الاجتماع محمد الجريبيع إلى ظاهرة الأطفال العاملين أنها باتت تشكل تحديًا تنمويًا أمام الأجهزة الحكومية، خصوصًا في ظل زيادة وانتشار لتلك الظاهرة مما يعني خطورة تهدد منظومة القيم التي تحكم المجتمعquot;. وحول أسباب انتشار هذه الظاهرة التي تغيب أرقام حقيقة عن حجمها يعتقد أنها quot; متعددة منها إضافة إلى أساليب التنشئة الاجتماعية ومنظومة القيم في العائلة وتوريث المهن .

ولكن اجمع أصحاب العلاقة بموضوع عمالة الأطفال كل من دبدوب الرواشدة أن quot;الأردن خالٍ تمامًا من ظاهرة أطفال الشوارع على غرار دول الجوار مصر أو المغرب.

وبدوره ، كشف أبو نجمة عن البرنامج الجديد الذي بصدد تنفيذه وزارة العمل مع جهات أردنية لإعادة تأهيل الأطفال العاملين في مناطق المملكة خصوصًا انه ممول من وزارة العمل الأميركية بقيمة 4 ملايين دينار إذ من المتوقع تأهيل 3000 طفل عامل . وحسب سجلات إدارة المعلومات الجنائي في مديرية الأمن العام سجل الاحداث جرائم مرتكبة بمجموع وصل إلى 5072 ،إذ تركزت جرائمهم في الشروع بالقتل ، الذم والقدح والتحقير إلى جانب سرقات ،والأضرار بمال الآخرين، وإضرام الحرائق ، وهتك العرض ، والاتجار بالمخدرات والتعاطي والحيازة ،ومحاولة الانتحار .