في يوم الطفل الفلسطيني
أطفال غزة : الأزمات أفقدتهم المقدرة على الضحك

ميرفت أبو جامع من غزة : لم يعد الاحتفال بيوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف الخامس من نيسان في كل عام، إلا مناسبة تسرد فيها الأرقام الموجعة عن واقع متردي وحزين للأطفال الفلسطينيين في ظل أوضاع لم تشهد منذ ستين عاما استقرارا قط، فتأخذ الاحتفالات طابعا يذكر بمن استشهدوا في الأزمات المتتالية ويسرد الطفولة في لباس يتم وفقدان الشعور بالأمان وزيادة في المشاكل النفسية التي يتعرضون لها جراء العدوان، وحكايات المرضى منهم من لم يتمكنوا من السفر لتلقي العلاج او من ينتظرون احتضان آبائهم بعد غياب قسري طويل بالأسر أو الموت أو السفر.

حركات الرجل البهلوانية الذي يلبس ثوبا ملونا ويضع غطاءا مخروطي الشكل على رأسه لم تدخل الفرحة إلى قلب الطفلة ميرا مسلم وبدأت ترسم ابتسامة على خجل، وتنظر إليه بقلق كمن ينتظر مفاجأة صادمة باختراق صوت تعودت على سماعه في المنطقة الحدودية التي تسكنها شمال قطاع غزة.

الطفلة ميرا quot; 6 أعوامquot; كانت تحضر احتفالا نظمته الأنروا واليونيسيف والمؤسسات المجتمعية في قطاع غزة بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في قطاع غزة بهذه المناسبة ، ورغم تعدد الفقرات الترفيهية بين الموسيقى واللعب والضحك والتراث الفلسطيني الذي اجتهد منظموه في الخروج بعمل يدخل السرور إلى قلوب هؤلاء الأطفال المكتوية بالحصار والعدوان الذين لازالوا يعانون من تداعياتها . إلا أن عيون ميرا كانت تقول أنها بحاجة للشعور بالأمان أكثر كي تلعب بفرح دون قلق وتحتضن عرائسها دون خوف، وأن لا تبقى طيلة الوقت ممسكة بيد والدتها و ان تسقي في حديقة منزلها الورود التي زرعتها وأهملتها فترة الحرب وتلعب مع الفراشات بحرية، دون أن يراودها أحساس بسقوط صاروخ إسرائيلي يقتل أحلامها ويحولها إلى رقما يسير على عجل أسفل الشاشة الصغيرة.

دانا مسلم والدة ميرا تقول :quot; الحمد لله طفلتي أفضل من قبل ، لقد عانينا كثيرا فترة الحرب وتعرض منزلنا للهدم والتدمير وتمركز الجنود الإسرائيليين فيه مدة 10 أيام ، مما دفعنا للهروب من المنطقة واللجوء إلى بيت احد أقاربنا في وسط مدينة غزة بحثا عن الأمان لأطفالي.

والدة ميرا تشير أنها لا زالت تعاني مع أطفالها فأصبحوا أكثر خوفا وقلقا بل يخافون ان يتحركوا في البيت دون مرافقة والدتهم وتشير أن طفلها البالغ 5 سنوات أصبحت لديه مشاكل في التبول اللا إرادي بالنهار وعدم الرغبة في التوجه إلى الروضة التي يحبها.

ولان أماكن الترفيه والفرح تكاد تكون معدومة من أجندة الغزيين الذين يحتفلون بالموت أكثر من الحياة ، فتشكو دانا من غياب الأماكن الترفيهية والأنشطة التي تدمج أطفالها وتنسيهم الأجواء المؤلمة التي عايشوها فترة الحرب فتجد أن المركز الثقافي الفرنسي الوحيد الذي تلجأ إليه للقيام بهذه المهمة .

وان كانت ميرا تشعر بان سجن غزة الكبير يشتد الضيق بها وبأحلامها الصغيرة في اللعب والتحليق في سماء لا تخترقها زنانة ترسل الموت لهم هدية كل حين، إلا ان الطفل الأسير يوسف الزق ابن الأسيرة فاطمة الزق، يقبع مع والدته في السجون الإسرائيلية ونحو 423 طفلاً لازالوا أسرى داخل السجون الإسرائيلية ، ما دون سن الـ 18 عاما، يعيشون في ظروف اعتقالية غاية في الصعوبة، ويمارس ضدهم ابشع اساليب الاضطهاد والضغط النفسي وقد يصل التحرش الجنسي وذلك وفق تقرير للمركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين .

وغنى الأطفال مقاطع من أغنية تعكس واقعهم وتلخص معاناتهم وتقول quot;أطفال العالم بيعيشوا بحرية براءة أمن وحب لا يعرفوا خوف ولا يمشوا بسكة موت ودمار وحرب أنا الطفل الفلسطيني حملت الهم من بدري في عالم كله ناسيني ...quot; وخلفهم عرض لصور فوتوغرافية منذ عام 1948 ، بذات المأساة وأشكال المعاناة ولم تختلف بمرور عجلة كل هذه السنوات إلا بتدرج الألوان الرمادية إلى الملونة، ولسان حالها يقول :quot; اليوم يشبه البارحة ويشبه الغد .

ولا يشعر الطفل عبد الرحمن يونس quot; 13 عاما quot; بأنه طفل بل إن لمح له أحد بذلك يشعر بأنه يشتمه ويقول :quot; لم اشعر لحظة بطفولتي، فأنا رجل حملت فوق طاقتي الكثير ولازلت اعمل في بيع بعض الأعشاب لمساعدة أسرتي في مصروف البيت ويدرك عبد الرحمن خمري البشرة أن لا جدوى من الاحتفال بيوم الطفل الفلسطيني لان الظروف في غزة قد أبدلت شكل الطفولة بآخر لا يمت لها بصلة .

وتشير الإحصائيات ان عدد الأطفال دون سن 18 عاما قد بلغ نحو مليون وتسعمائة ألف من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 3,880,381 في نهاية عام 2008.

وتبين الإحصائيات أن نسبة الفقر في قطاع غزة بلغت 78.9% بين الأسر التي لديها أطفال مقابل 63.7% بين الأسر التي ليس لديها أطفال. ودأبت كثير من مؤسسات غزة على العمل بعد توقف الحرب على تقديم أنشطة لتعزيز الدعم النفسي للأطفال وخروجهم من دائرة العنف والحرب التي عايشوها الأشهر الماضية لما لها من تأثيرات سلبية على مستقبلهم وتطلعاتهم للحياة.

وقد فارق عالم الطفولة نحو 417 طفلا وطفلة في الحرب على غزة التي شنتها إسرائيل من طرف واحد أواخر ديسمبر العام الماضي وتوقفت في 17 يناير الفائت، في حين فقد حوالي 1,346 طفلاً أحد والديهم أو كليهما خلال الحرب ليصل عدد الأطفال الأيتام في غزة إلى 5,200 يتيم .

وأكد تقرير صدر عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إن الحرب تركت تأثيرات نفسية عميقة مباشرة، على الأطفال، مشيرة أن الصدمات التي يتعرضون لها جراء إطلاق الصواريخ والقنابل والرصاص تجعل هؤلاء الأطفال يعانون من عدم القدرة على النوم، والتبول اللاإرادي والتلعثم في الكلام، بالإضافة إلى إصابتهم باضطرابات نفسية تشعرهم بالخدران وتصيبهم بشعور القلق والخوف، جرّاء تعرض عشرات الآلاف منهم للقصف، وتدمير منازلهم ونزوحهم.