في كتاب له، جمع الفرنسيّ باسكال دوترانس النصوص التي كتبها الشعراء والكتاب في بلاده عن الفنانين التشكيليّين، وعن الفنون التشكيليّة بصفة عامة وذلك منذ دنيس ديدرو، وحتى باسكال غينيار، وهو من أشهر الروائيين راهنا.والسؤال المطروح في الكتاب المذكور هو:كيف تحدّث الكتّاب والشعراء عن الفنون التشكيليّة، وبأيّة طرق فعلوا ذلك؟ويمكن تقسيم هذه النصوص الى ثلاثة أقسام:فالأغلبيّة السّاحقة منها هي تلك التي ترى في الفنون التشكيليّة مجرّد محاكاة.والثانية هي تلك التي يزعم أصحابها أنهم قادرون على أن يقدّموا في كتاباتهم ما يمكن ان يعادل، ويوازي اللوحة الفنيّة.وأمّا البقيّة منها فهي تلك التي يحاول فيها أصحابها تحيّة أصدقائهم الفنانين، وتقديم بعض التفاسير لمعاني فنّهم.ويقول دوترانس بإن لغة ديدرو في كتابته عن الفن كانت في غاية الروعة حيث أن كلّ كلمة من كلماته كانت تأتي منسجمة تمام الانسجام مع هذا العنصر، أو ذاك من عناصر اللوحة الفنيّة.إلاّ إنّ تفاعله مع اللوحات الفنيّة عادة ما يكون سطحيّا، وعاديا للغاية.وهذا ما نلمسه من خلال النصوص التي كتبها عن لوحات الفنان الفرنسيّ شاردان المولود عام 1699 والمتوفي عام 1779، والذي كان يرسم الطبيعة الميّتة، والحياة اليوميّة.فأمام الكأس الذي يرسمه شاردان، يكتب ديدرو قائلا بإنه "يشتهي أن يشرب منه".وأمّا الثمار فيودّ ان يأكلها.وكان الأخوان غونكور غير مختلفين عن ديدرو يشأن شاردان.فقد كتبا يقولان بإن الثمار في لوحاته تبدو كما لو انها سقطت للتوّ من الشجرة.

وقد آهتمّ بودلير أبو الحداثة الشعرية في فرنسا، وفي أوروبا، بالرسامين الذين آشتهروا في عصره، وعنهم كتب العديد من النصوص الرائعة.وكان ديلاكروا أكثر من حظي بآهتمام صاحب "أزهار الشر" إذ كتب عنه نصّا طويلا حمل عنوان :”حياة ديلاكروا وأعماله"، وفيه شبّهه برافائيل الايطالي، وبروبانس الفلاندري.
وفي القرن العشرين، آهتمّ السورياليّون بالفنون التشكيليّة، ونظموا العديد من المعارض خصوصا بعد أن آنضمّ الى حركتهم فنّانون تشكيليّون كانوا متوافقين مع آرائهم وافكارهم حول الثقافة والفن.ومعلّقا على احدى لوحات الفنان الاسباني الكبير خوان ميرو، كتب بول ايلوار قصيدة فيها يقول:
&
السماء جميلة كما لم تكن أبدا
يعسوب العنب يمنحها أشكالا محدّدة
أمحوها أنا بحركة واحدة
&
ومعلّقا على هذه الأبيات كتب دوترانس يقول:”ان التحيّة التي يوجّهها ايلوار الى "الهلسنة" البصريّة لميرو ليست مقنعة على الإطلاق.فهل نحن أمام لوحة لفنّان كاتالاني (نسبة الى كتالانيا)، أم نحن على درب حقل يرشح نورا؟".
وقبل السورياليين، آرتبط غيوم أبولنير بعلاقة صداقة وطيدة مع فناني عصره.وفي سنوات شبابه، تجوّل في المانيا، وزار متاحف ميونيخ، وكولونيا، وبرلين، متوقفا امام اللوحات الشهيرة.وعند عودته الى باريس، شرع يحلم بكتابة قصائد تتجاوز حدود الأجناس، والأمم لتحصل على حبّ وإعجاب "ملاكم أمريكيّ أسود، وإمبراطورة صينيّة، وصحافيّ ألمانيّ، ورسّام إسباني، وشابّة من جنس فرنسيّ عريق، وفلاّحة ايطالية في زهرة العمر، وضابط بريطاني في بلاد الهند".وفي عام 1905، آلتقى ابولينير في بارانجليزيّ في محطة"سان-لازار بباريس"، ببابلو بيكاسو القادم للتو من مالقة فتصادقا وتعاشرا، وتحاببا حتى أنهما لم يكونا يفترقان إلاّ نادرا.ومنذ البداية فتن ابولينير بلوحات صديقه الاسباني، تلك التي رسم فيها شحاذين يسبحون في ضوء أزرق، وومهرّجين بقامات هيفاء، وبمايوهات ورديّة، وحيوانات هجينة تشبه آلهة العصور الفرعونيّة.وفي قصيدة له، مجّد ابولنير صداقته ببيكاسو قائلا:
&
كان ذاك زمنا مباركا كنّا فيه على الشواطئ
ننطلق في الصباح حفاة الأقدام ومن دون قبّعات
وبسرعة مثل لسان الضفدع
الحب كان يجرح قلوب المجانين والحكماء
&
وفي نفس هذه الفترة، آلتقى ابولينير أيضا بالشاعر والرسام ماكس جاكوب، ومعه كان يطوف في حيّ "مونمارتر، وحيّ "مانبارناس" بحثا عن الرسامين الطلائعيين الذين كانوا قد شرعوا في آبتداع أساليب جديدة لن تلبث أن تفجر ثورة فنيّة هائلة.وفي هذه الفترة، آهتم ابولينير بتجارب كل من ماتيس، وجورج براك، وروبرت دولوناي.وعندما أصبح محررا فنيا في جريدة"العنيد"، أشاد بأعمال هؤلاء، وأيضا بأعمال مارسيل دوشامب وبآخرين.وقد صدرت مقالاته في كتاب حمل عنوان:”تأملات استيتيكيّة".وفي ما بعد، أشار اندريه بروتون الى أن ابولينير منح النقد الفني "وسيلة مسْح ذهنيّة لم يتوفّر عليها منذ بودلير".وأما الناقدة الفنيّة لاورانس كامبا، فقد كتبت تقول:”من خلال عينيّ ابولينير، يمكننا أن نكتشف الاشياء الجميلة والجديدة، وأن نستقبل ظهورها.ويعني هذا أن نبحث عن الروائع والعجائب، وليس عن المعجزات الرخيصة والتافهة المليئة بالحماقات والتي تثقلنا بها وسائل الاعلام الواسعة الانتشار.ويعني هذا أيضا أن نهتمّ بالظواهر الغريبة التي تكون سحريّة مرّة، وكئيبة مرة أخرى لكنها تدخل المفاجأة الى الحياة العادية، والمغامرة في نظاام العالم".
لشاعر الكبير رنيه شار صديقا لكلّ من بيكاسو، وخوان ميرو، وجورج براك، ولفنانين آخرين من عصره.وكان يحبّ مرافقتهم الى جنوب فرنسا حيث ولد، وعاش فترة الطفولة والمراهقة، واليه عاد في السنوات الأخيرة من حياتة بحثا عن السكينة والهدوء.كما أنه كان حريصا على حضور المعارض الفنية، وعنها كان يكتب نصوصا بديعة، فيها يمتزج الشعر بالنثر.وفي نصوصه الشعرية، كتب عن خوان ميرو، وعن جياكوموتي، وعن بيكاسو، وعن جورج بر اك، وعن آخرين كثيرين.
وخصّص أندريه مالرو، الكاتب الذي آستوحى مواضيع رواياته من أحداث في جنوب شرقيّ آسيا، واسبانيا، ومن الحرب الكونية الثانية، والذي كان وزيرا للثقافة في حكومة الجنرال ديغول، كتابا رائعا عن الفنون التشكيليّة حمل عنوان: "المتحف المستحيل".وعلى لوحة الفنان جورج دولاتور المسمّاه:”مادلين بالقرب من السّراج"، علّق قائلا:”ليست العتمة هي التي رسمها دولاتور وإنما الليل.الليل المنبسط على الأرض، الشكل القرنيّ للسرّ الخفيّ الذي تمّ إخماده.وشخصيّات دولاتور ليست منفصلة عن ذلك، وإنماهي الانبثاق.ولا رسّاما واحدا، بمن في ذلك رامبراندت، كشف عن هذا الصمت الفسيح، والغامض.إنه -أي دولاتور-المفسّر الوحيد لهذه الظلمات".
ومن بين الشعراء والكتاب الفرنسيين الذين كتبوا عن الفنون التشكيلية يمكن ان نذكر بول كلوديل، وبول فاليري الذي كان مفتونا بلوحات روبانس التي فيها رسم نساء سمينات، بنهود وأرداف ضخمة.وهناك أيضا سارتر، وجان جينيه الذي كتب نصوصا بديعة عن جياكوموتي، وعن رامبراندت.أما الشاعر والمسرحي أنطونان ارتو ا فقد كان يعتبر نفسه سنوّا لفان كوخ.معه تقاسم الجنون ومحنة الفن!